ترهيب الأقباط
منذ ظهر الجمعة، مع الإعلان المبدئى عن أن جولة الإعادة فى الانتخابات سوف تكون بين الفريق أحمد شفيق، والدكتور محمد مرسى، وهناك موجة تتزايد، يمكن تسميتها ترهيب الأقباط، بدعوى أن الصوت القبطى فى الانتخابات هو الذى دفع بالفريق إلى الصدارة، وقيل إن قيادة الكنيسة أعطت توجيهاً لمواطنيها بالتصويت للفريق، ولما نفت قيادة الكنيسة ذلك قيل إن اجتماعات عقدت بين الفلول وكبار الشخصيات من الأقباط للتنسيق فى موقف واحد لصالح «شفيق».
واقع الأمر أن الأقباط لم يكونوا كتلة تصويتية واحدة، شأنهم شأن المصريين جميعاً، بين شباب الأقباط من كان ولا يزال متحمساً للمرشح حمدين صباحى، وبعض هؤلاء يصر على مقاطعة جولة الإعادة لأن «حمدين» ليس بها، وبعضهم يرى أن يذهب ويكتب اسم حمدين لإبطال الصوت، وبين الأقباط من ناصر د.عبدالمنعم أبوالفتوح، وهؤلاء لم يكونوا قلة، وإن انسحب بعضهم من جانب «أبوالفتوح» بعد انضمامه لفريق من السلفيين، وكان بين الأقباط من وقف خلف السيد عمرو موسى، وبعضهم كان خلف المستشار هشام البسطويسى، وكذلك خالد على، وأخيراً كان بينهم من صوت وساند الفريق «شفيق»، وبالتأكيد ليست لدينا بيانات تفصيلية يمكن أن نحدد بها من صوتوا لكل مرشح.
فى زمن سابق، كانت بعض الأجهزة وبعض المسؤولين يهمهم تتبع بعض الأصوات ومعرفة لمن ذهبت، ثم تتم معاقبة أصحابها أو التنكيل بها إن كانت قد صوتت لأحد المعارضين، حدث ذلك مرة فى انتخابات نقابة الصحفيين، وحدث فى بعض الانتخابات العامة، وها نحن اليوم، بعد ثورة مجيدة، يتم التفتيش على أصوات الأقباط وترهيب أصحابها، فى محاولة لابتزازهم وتخويفهم أو ترهيبهم كى يذهبوا إلى تيار يراد لهم أن يناصروه أوعلى الأقل لا يناصروا خصمه.
الواضح أن حالة الترهيب تلك تصور عن أناس من مناصرى مرشح الحرية والعدالة، بهدف منع الأقباط من التصويت للمرشح المنافس، مما يعنى خصمها من قوة المنافس، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى ضمان الفوز عليه، غير أن هذه اللعبة خطرة بكل المقاييس، لأنها تدعو إلى اصطفاف الناخبين حول نزوع طائفى، فيكون الصوت القبطى لـ«شفيق» والصوت الإسلامى لـ«مرسى»، والمفروض أن الانتخابات تنطلق من نزوع وطنى فى المقام الأول، باعتبار أننا فى مبارزة وطنية ولسنا فى مبارزة دينية أو طائفية، فى الريف المصرى بالوجه البحرى وبالصعيد، قد يؤدى هذا النزوع الطائفى الذى يستثيره البعض، إلى ما لا يجب أن تصل إليه الأمور من انقسام واستقطاب دينى، عانينا منه خلال العقود الماضية، منذ سنة 1972 تحديداً.
ولا ينكر أحد أن واحدة من فضائل ثورة 25 يناير أنها أخرجت الأقباط من عزلتهم ومن السلبية التى شكا منها كثير من المحللين، وخرجوا من رحاب الكنيسة فى القضايا الوطنية والمدنية إلى رحاب الوطن الواسع فى ميدان التحرير وفى المليونيات المتتالية بعد الثورة، وسقط منهم الشهداء والجرحى، ويبدو أن هناك، بقصد أو دون قصد، من يريد أن يعيدهم ثانية ليكونوا كتلة صماء تسير فى ركاب بعينه، أو يجرى ترهيبهم وترويعهم أدبياً كى يسيروا فى ركاب آخر، ولابد لنا أن نصر على التمسك بإنجاز الثورة فى أن تكون المواطنة ومصلحة الوطن هى الهدف والمسار.
نعرف أن بين مناصرى د.مرسى من يريد تحييد الأقباط، ويدرك هؤلاء أن للأقباط مخاوف تجاه مرشح الحرية والعدالة، وبدلاً من العمل على إزالة هذه المخاوف، فضلاً عن تفهمها، يجرى انتقاد الأقباط وتعييرهم بأنهم فلول.. والحق أن هناك قطاعاً من المواطنين المسلمين لديه الكثير من المخاوف تجاه مرشح الحرية والعدالة، فما بالنا بالمواطن القبطى؟! والمرشح يتجاهل هو وحزبه تلك المخاوف، ربما لحسابات خاصة مع السلفيين.
لقد امتلك الحرية والعدالة زمام الأكثرية البرلمانية ومع ذلك لم نجدهم التفتوا يوماً إلى بعض الهموم القبطية، ولا الهموم الوطنية، أخذوا البرلمان فى اتجاه يخصهم يقوم على ترسيخ أيديولوجيتهم.. خارج البرلمان الصورة ليست أفضل، يوم الأحد يكتب أحد الكتاب من الإخوان المسلمين مندداً بشعار «الدين لله والوطن للجميع» ويعتبره شعاراً علمانياً، ويقول إن الدين لله والوطن كذلك.. وعلى هذا النحو من التخويف للجميع يمضى البعض فى تيار الحرية والعدالة. من حق فريق د. مرسى أن يطمح لتأييد المواطنين الأقباط أو تحييدهم فى جولة الإعادة، لكنه لم يقدم لهؤلاء المواطنين كلاماً جاداً يخاطب ضميرهم الوطنى ويطمئنهم إلى مستقبلهم السياسى والوطنى كما فعل «حمدين»، هو يقول كلاماً تقليديا لا يقدم جديداً، بل فى مثل هذا الكلام الذى يقال من عقود تفاقمت مشاكلهم.
سوف تنتهى الانتخابات ويفوز من يفوز، لكن لا يجب أن نمزق روابط وطنية، من المهم أن نحرص على متانتها، سعياً لنيل بعض الأصوات.
من أجل هذا الوطن كفى ترهيباً للأقباط.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=60587&I=1185