أوقفوا الحرب القذرة على الأقليات العراقية!

عزيز الحاج

بقلم: عزيز الحاج
بينما هدأت، مؤقتا فقط، حرب إحراق الكنائس العراقية، فإن الحرب الإرهابية، هذه المرة، تركز على أقليات دينية أخرى، هي الشبك والأيزيدية. فخلال الأيام الماضية وقع العشرات من الشبك قتلى وجرحى، ضحايا  تفجيرات المجرمين الدمويين من محترفي الإرهاب. واليوم، يسقط في بلدة القلعة، وسط قضاء سنجار في شمال غربي الموصل، أكثر من 17 قتيلا و20 جريحا من الأيزيدية.
إن الأيزيدية أقلية دينية تتحدث بالكردية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرضون فيها للقتل الجماعي، فمعلوم أن تفجير أربع شاحنات في بلدة القحطانية، قرب سنجار، قبل سنوات قليلة، قد تسبب في مقتل 500 من المواطنين الأيزيديين. وللعلم فإن سنجار قريبة من الحدود السورية.
إن الحرب على الأقليات الدينية قد بدأت فور سقوط النظام السابق، وكان هذا موضوع العشرات من المقالات والتعليقات والتقارير الموثقة.

لقد بدأت الحرب، كما بينا في مقالات كثيرة سابقة منذ سقوط صدام في بغداد والبصرة، موجهة نيرانها للمسيحيين والصابئة المندائيين؛ حرب شنها أتباع مقتدى الصدر والقاعدة، وكل المتطرفين الدينيين على اختلافهم. وكان المسيحيون هم الأكثر ضحايا بشرية، وكنائسهم الأكثر تعرضا للعدوان من بين الأماكن الدينية العراقية. وقبل أسابيع قليلة وقعت كنائس جديدة ضحية التفجيرات.
لقد طالب المثقفون العراقيون الأحرار، وممثلو الأقليات الدينية، مرة بعد أخرى، بوجوب اتخاذ إجراءات حكومية حازمة لحماية هذه الأقليات وأماكن عبادتهم، ولكن ما تم عمليا لم يخرج عن بعض التصريحات والوعود ليس إلا.
لقد تعود السيد المالكي التفاخر بضمان الأمن، ناسبا ما تحقق فعلا من تحسن أمني نسبي لحكومته وحدها، متجاهلا التضحيات الكبرى لقوات التحالف. وأعلن الأفراح يوم انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، ولكن ها هو الأمن يتصدع من جديد في الآونة الأخيرة، مما يدل على أن ما تحقق ظل معرضا للتصدع، ومن ثم، كان لابد من عدم الاستعجال بخروج القوات الأميركية من المدن؛ فرغم أن خروجهم كان تنفيذا للاتفاقية الأمنية، فقد كان ممكنا أن تناشد الحكومة تنفيذ الخطة على مراحل وتدريجيا، وكان المالكي، ولا يزال، إلى التخفيف من حدة مفاخراته الأمنية.
 
إن الأقليات الدينية أهداف "سهلة" للإرهابيين القتلة، وهي غير محمية، وخصوصا عندما يكون  الضحايا سكان مدن صغيرة وقرى بعيدة، بينما التركيز الأمني هو على المناطق الرئيسية. ولكن هذا لا ينفي تقصير الحكومة بكل أطرافها.
إن الحكومة تعبئ الجيوش والطائرات لحماية زوار العتبات الشيعية المقدسة، مشجعة، مع كل الأحزاب الدينية الشيعية، على الزيارات "المليونية" دون تنبيه الجماهير مسبقا إلى المخاطر الأمنية للزيارات الكثيفة، وإلى تربص القاعديين بها. لم يفعلوا ذلك حتى عندما كان الإرهاب في غاية الاشتعال، ولم يتعظوا من مأساة جسر الأعظمية. فليكن! ولكن أية إجراءات فعلية وقوية اتخذت لحماية الأقليات الدينية حتى في المدن الكبرى كالموصل وبغداد والبصرة؟! ثم كم مرة وقف أمثال جلال الصغير أو القنباجي للتنديد بالحملة على المسيحيين وبقية الأقليات؟! ما يفعلونه مرة هو أن زيارة كربلاء أهم سبع مرات من الحج إلى  مكة، وأن كل الزوار لهم الجنة "غرانتي ميّة بالميّة". أما الشيخ الصغير، فإنه يبدع حقا في الحملة على حرية الفكر والنشر، والتحريض على كتاب أحرار كالأستاذ أحمد عبد الحسين. والحكومة تخصص أموالا طائلة جدا لحماية المسئولين، من وزراء ونواب ومدراء عامين ووكلاء وزراء، وإذا استثنينا عدد  حمايات أعضاء البرلمان ووزارة الدفاع، فإن000 128 عنصر أمني مسجلون رسما في وزارة الداخلية، معظمهم لحماية  المسئولين والشخصيات الرسمية، ولكل عنصر مرتب 500 دولار شهريا.  نعم، لابد من صيانة أمن المسئولين، ولكن المبالغة الحالية في غير محلها، وتكلف أموالا طائلة.. فليكن أيضا! ويبقى السؤال، وهو ما إجراءاتهم لحماية الكنائس ةغيرها من دور العبادة، التي تتعرض للعدوان منذ سنوات عديدة؟؟ وكم خصصوا لذلك من مال ومن عناصر أمن؟!
    
السيد المالكي راح هذه الأيام يوجه باستمرار أصابع الاتهام لأطراف داخلية لها "أجندات خارجية"، لا في الموضوع الأمني فقط، بل وأيضا في تعطيل القوانين والقرارات الضرورية. اعتاد ذلك من دون إفصاح عن هذه الجهات، الداخلية منها أو الخارجية، مع أن الشعب يريد أن يعرف، وإن كنا نخمن أنه لا يقصد إيران، ولا أيضا سوريا، التي لا يزال الأميركيون يعتقدون أن الإرهابيين مستمرون في التسلل من حدودها.
إن كل القوى والعناصر الوطنية المخلصة لوحدة العراق وسعادة وأمن شعبه، مدعوة لرفع الأصوات عاليا للمطالبة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية الأقليات الدينية. كما أن على الرأي العام الدولي أن يرفع صوته في هذا الشأن.
فلنهتف جميعا: لا للحرب الدموية القذرة على الأقليات الدينية في العراق!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع