الوفد - كتب: ياسر شوري
لا يمكن وصف ما يحدث بالحزام الأخضر بمدينة ٦ أكتوبر إلا بالجريمة المنظمة فالوقائع التي كشفت »الوفد« جزءا منها بالأمس تؤكد أن جهاز مدينة ٦ أكتوبر تواطأ مع كبار رجال الأعمال والمستثمرين لأراضي الحزام الأخضر وأبرم معهم اتفاقا علي السماح لهم بالحصول علي مياه الصرف الصحي من محطة الصرف بأكتوبر بشكل معلن بسعر 25قرشا للمتر من المياه لري أراضيهم بالحزام الأخضر وتقديم المحاصيل للناس بعد ذلك في صورة خضراوات وفاكهة متشبعة بمياه الصرف الصحي والصناعي وإصابتهم بالأمراض. »الوفد« خاضت رحلة لمدة ٤ ساعات رصدت خلالها الجريمة داخل تلك المساحة الشاسعة من الأراضي والتي تبلغ مساحتها ٢٢ ألف فدان يتم ريها بالكامل بمياه الصرف الصحي.
الرحلة بدأت بمحطة مياه الشرب والصرف الصحي بمدينة ٦ أكتوبر الواقعة علي طريق الواحات وتحديدا خلف المنطقة الصناعية. محطة المياه تبدو هادئة خالية من الموظفين وعلي بابها حارس أمن وحيد استوقف السيارة التي نستقلها وسألنا انتم مين؟ فقلنا نحن من وزارة الزراعة فأدخلنا علي الفور وطلب مكتب المهندس محمود سعيد لإبلاغه بوصولنا!! في مكتب مدير المحطة حصلنا علي أول الخيط وهو أن المحطة بالفعل تقدم مياه الصرف للمستثمرين بمقابل.. مدير المحطة رفض التصريح بأي شيء خاص بالموضوع وقال: إن مسئوليته تقع علي كل ما هو داخل المحطة وليس خارجها.
تركته وتوجهت علي الفور الي بداية الحزام الأخضر من عند بوابة »٦« خلف محطة الصرف الصحي.. تحايلنا علي الدخول كالعادة وبدأت رحلة الرصد التي كشفت لنا عن أهوال لا يصدقها عقل. فالأراضي بالكامل التي تبدأ من بوابة »٦« وتنتهي عند البوابة المواجهة لمدينة الشيخ زايد يتم ريها عن طريق شبكة صرف صحي عملاقة تنقل مياه الصرف الخام مباشرة من محطة أكتوبر الي الأراضي الزراعية عن طريق مواسير ضخمة ومواتير سحب وخراطيم كبيرة، وبشكل مكثف طوال اليوم،
وليس هذا فقط،وإنما تجري عملية في منتهي الغرابة في هذه الأراضي المترامية الأطراف فكل عدة فدادين أنشئ لها حوض ضخم لتخزين مياه الصرف الصحي وترسيب المواد الثقيلة لاستخدامها كسماد في بدايات عملية الزرع، وتتنوع الخضراوات والفاكهة المروية بتلك المياه ما بين نخيل، وبطيخ، وطماطم، وسبانخ، وبسلة، وقلقاس وكوسة، وباذنجان، وجرجير، وهذه الخضراوات والفاكهة ترسل مباشرة الي أسواق مدينة ٦ أكتوبر وبعضها تحمله سيارات النقل المنتشرة بالمكان الي سوق العبور. وتعد محطة الصرف الصحي بأكتوبر واحدة من أكبر محطات الصرف لأنها تستقبل صرف جميع مساكن أكتوبر وجميع مصانعها، وإذا كان الصرف الصحي العادي حسب المتخصصين يسبب الفشل الكلوي وأمراض القولون فإن صرف المصانع بما يحتويه من معادن ثقيلة يسبب السرطان والعياذ بالله. وقصة الحزام الأخضر حول مدينة ٦ أكتوبر بدأت في عام 1985 علي يد المهندس حسب الله الكفراوي وزير الاسكان الاسبق عندما فكر في إنشاء حزام اخضر بعمق 2 كيلو حول مدينة 6 أكتوبر وزراعته بالأشجار الخشبية ليكون بمثابة مصدات للرياح وحماية المدينة من ظاهرة التصحر وخصص لذلك مساحة 22 الف فدان وفي عام 2005 حدث تحول غريب في تلك الأراضي فبعد خروج الكفراوي من الوزارة انتهي ما يسمي بالحزام الأخضر، وبيعت هذه الاراضي بالكامل لرجال الاعمال والمستثمرين وغيرهم بعد انشاء شركة تسمي شركة 6 أكتوبر الزراعية شارك فيها 800 مساهم التهموا جميع الاراضي،
وفي عام 2005 تولي رئاسة مجلس إدارة الشركة المهندس مجدي بركات الذي يمتلك ومعه أعضاء مجلس الإدارة 4 آلاف فدان وكان اول قرار له بعد ذلك هو تخريب شبكة المياه الحلوة واستبدالها بشبكة ري بمياه الصرف الصحي، وإبرم اتفاقا مع جهاز مدينة 6 أكتوبر يقضي بحصول الشركة علي مياه الصرف مقابل 25 قرشاً للمتر، وعندما سأل رئيس جهاز أكتوبر في ذلك الوقت كيف تسمح بذلك ؟ قال أُمال أودي مياه الصرف فين !! والغريب ان الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الاسبق علم بالامر وقال للمستثمرين ممنوع زراعة اي خضروات أو اشجار مثمرة بمياه الصرف الصحي، ولكنة لم يصدر قراراً محدداً فاستمر الوضع كما هو حتي هذه الايام. والاغرب ان المنطقة تحتوي علي محطة للمياه العكرة الصالحة للزراعة ولم يتم استخدامها بسبب وصول سعر المياه بها الي »4« جنيهات والارخص هو استخدام مياه الصرف الصحي.
وتبدو قصة الحزام الأخضر والصرف الصحي أغرب من الخيال فقد تسبب استخدام تلك المياه الرخيصة التي تأتي بإنتاجية عالية الي ارتفاع أسعار الأراضي بالحزام الأخضر بشكل مخيف فقد حصل هؤلاء المستثمرون علي هذه الأراضي بعد تدمير ما يسمي بالحزام الأخضر علي الفدان بسعر ألف جنيه بالإضافة الي بنية أساسية تقدر بـ٥١ ألف جنيه تسدد علي ٤ سنوات واليوم بعد أن ذاع صيت إنتاجية هذه الأراضي وصل سعر الفدان الواحد بالداخل الي مليون جنيه وسعر الفدان المجاور للبوابات الي ٢ مليون جنيه. أما المدهش فهو أن جهاز مدينة ٦ أكتوبر »شرب مقلب« من المستثمرين الذين امتنعوا عن سداد أسعار مياه الصرف الصحي التي حصلوا عليها حتي وصلت المبالغ المستحقة علي شركة ٦ أكتوبر الزراعية بفوائدها إلي ٢٢ مليون جنيه.
ومعروف أن مستشفي ٦ أكتوبر شهد منذ عامين حالات اصابة بالفشل الكلوي بمعدلات كبيرة ولم يتم تفسير الأسباب الت تقف وراءها وقتها والبعض اتهم مياه أكتوبر، ولم يكن أحد يتصور أن السبب الرئيسي يكمن في تلك الخضراوات والفاكهة التي تتغذي علي مياه الصرف وتحمل كل هذه الأمراض الفتاكة وتنقلها للناس في أكتوبر والمدن الجديدة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6297&I=171