أقباط المهجر.. وحق التظاهر والاحتجاج

إسحاق إبراهيم

بقلم: إسحق إبراهيم
بدأت زيارة الرئيس حسني مبارك إلى الولايات المتحدة أمس السبت -والتي يحلو للبعض أن يصفها بالتاريخية- وذلك للظروف المحلية والإقليمية وطبيعة الملفات والقضايا التي سيناقشها مبارك مع نظيره الأمريكي، أعد النظام المصري لهذه الزيارة في اتجاهين الأول بتحديد أجندة الزيارة ولقاءات الرئيس والقضايا التي سيتم بحثها والتي لن تخرج عن تعزيز دور مصر الإقليمي على حساب إيران وعودة مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجارة وملف انتقال السلطة. وبالتزامن مع ذلك عمل المسئولون إلى مخاطبة ود المصريين وحشدهم المتعاملين مع النظام لمواجهة تحركات التجمعات المصرية خاصة القبطية التي أعلنت عن تنظيم مظاهرة أمام البيت الأبيض الثلاثاء القادم 18 أغسطس.
بطبيعة الحال تعرض أقباط المهجر لحملة شرسة يقودها تحالف -نادرًا ما يتفق على موقف موحد– يضم  رموزًا في الحكم أو على علاقة به ومعارضين من مختلف الأطياف (يسار وليبراليين وإسلاميين وقوميين) ورجال الدين المسيحي والإسلامي.

وكالعادة لم يتغير السلاح المستخدم ضد الأقباط فتارة هم خونة وعملاء ولهم علاقات مشبوه بالصهيونية العالمية وإسرائيل، وتارة أخرى بأن مشاكل وهموم الأقباط يجب أن تعرض داخل البيت المصري وكأن الأقباط لم يطرحوا مشاكلهم في الداخل ولم تسمعهم الحكومة والأجهزة الأمنية خلال عشرات السنوات لتتعرف على مشكلاتهم لحلها!! وتارة ثالثة بعدم استعداء الدول الأجنبية.
ومما يثير الدهشة أن قادة هذه الحملة يمارسون ازدواجية مقيتة في نفس الوقت، فهم يرفضون تظاهر الأقباط ويعتبروه دعوة إلى تدخل الغير في الشأن المصري، وفي نفس الوقت يتظاهرون ويجمعون تبرعات لمناصرة المسلمين في أي مكان مهما كانت قضيتهم، ألا يعد هذا تدخلاً في الشأن الداخلي لدولة أخرى؟!
إن الأقباط لم يطالبوا بفرض عقوبات على مصر أو قطع المعونة كما يشيع المتربصون وإنما سعوا لعرض قضيتهم العادلة ولفت الانتباه إلى همومهم بعض أن فاض الكيل، فالحركة القبطية كما أكد الباحث مجدي خليل مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات واحد الشخصيات المنظمة للمظاهرة حركة حقوقية لا تشكل معارضة أو مناهضة لنظام الحكم في مصر وإنما ترفع مطالب حقوقية صرفة في إطار الدستور والمواثيق الدولية، نادىَ بها الأقباط داخل مصر ولا حياة لمن تنادي، فالحكومة لا تسمع إلا صوت أجهزة الأمن المتحيزة ضد حقوق الأقباط.

إن أقباط المهجر مواطنون مصريون مازال يتمتع أغلبهم بالجنسية المصرية ويستخدمون حقًا نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 21 (يكون الحق في التجمع السلمي معترفًا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقًا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم).
وكذلك الدستور المصري الذي أكد على احترام هذا الحق في المادة 54 التي نصّت على أن (للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء وغير حاملين سلاحًا دون حاجة إلى إخطار سابق ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون).
ولا يخفىَ على أحد تزايد استخدام حق التظاهر والاحتجاج خلال  الأعوام الماضية، فلا يكاد يمر يومًا دون وجود مظاهرة  تعترض على أوضاعًا اقتصادية وتطالب بتعديل الأجور أو تنادي بإصلاح سياسية أو لمناصرة الأشقاء في فلسطين وأفغانستان والعراق.

ماذا يطلب الأقباط؟
يطالب الأقباط بالمواطنة والمساواة، يريدون قانونًا موحدًا لدور العبادة، وهذا القانون محبوس في أدراج مجلس الشعب منذ خمس سنوات تقريبًا، تقدم به العضو "أحمد جويلى" رئيس لجنة المقترحات والشكاوى وتمت الموافقة عليه وإحالته إلى اللجنة المختصة وهي لجنة الإسكان والتي يرأسها طلعت "مصطفى" شقيق رجل الأعمال "هشام طلعت مصطفى" المتهم في قتل الفنانة سوزان تميم كما تقدم ثلاثة أعضاء آخرين في دورة برلمانية تالية بنفس مشروع القانون وكان مصيره أيضًا أدراج المجلس!! ورغم ذلك يكذب السيد فتحي سرور رئيس المجلس ويدعي أن القانون لم يصل إلى المجلس!!
الأقباط يريدون تحدد معايير ثابتة لبناء الكنائس سواء على أساس المنطقة الجغرافية أو عدد السكان، المهم أن يكون هناك مسار قانوني واضح ومحدد، وأن لا أن يترك الأمر لتقارير الأجهزة الأمنية والمحليات التي تعطل "المراكب السايرة".
يريد الأقباط أيضًا تفعيل وجودهم السياسي، فمن غير المعقل أن يقتصر وجودهم في مجلس الشعب على نسبة لا تزيد عن ربع في المائة في حين أن نسبتهم إلى إجمالي لسكان لن تقل عن عشرة في المائة، لقد ثبتت التجربة أن تعيين عدد من أنصار النظام في المجالس التشريعية غير مُجدي فهؤلاء أياديهم مكبلة، فهم لا يستطيعون مخالفة من قام بتعينهم وزملائهم غير مقتنعون بهم.

كان النظام الحاكم يملك أن يقر كوته للأقباط مثل المرأة كخطوة تصحيحية لكنه لم يفعل!! وكان النظام الحاكم يملك إقرار قانون الانتخاب بالقائمة النسبية، وأن يشجع وضع الأقباط في مراكز متقدمة بالقائمة وهو نظام يسمح بنجاح الفئات المهمشة لكنه لم يفعل!! فالنظام تمسك بالانتخاب الفردي الذي يقف حجر عثرة أمام نجاح الأقباط في أي انتخابات.
وفي نفس السياق يأتي الحديث عن تولي الوظائف العامة وغياب الأقباط عن المراكز القيادية في كثير من الأجهزة ومن أبرزها المخابرات العامة وأمن الدولة ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات والقضاء ووكلاء الوزراء، هذا الغياب يرسخ مفهوم خاطئ بأن الأقباط أقل مواطنة من أقرانهم المسلمين، فالأقباط يريدون تطبيق معايير الكفاءة، لا يريدون تمييزًا لصالحهم لكن أن يتم اختيار الأصلح والذي تتوفر فيه متطلبات الوظيفة.
إذا كان التظاهر حق قانوني ويمارسه المصريون باختلاف أطيافهم ومن أجل قضايا ليس محلية فقط، وإذا كانت مطالب الأقباط مشروعة وحقيقية وغير مبالغ فيها وإذا كان مناخ الحرية في أمريكا يسمح لهم بممارسة هذا الحق، فمن واجب أقباط المهجر التظاهر بأسلوب وشكل متحضر.
وإذا كانت الكنيسة لها حسابات دقيقة خاصة مع النظام قائمة على الموائمة فأن الأقباط ليسوا مطالبين بالالتزام بهذه الحسابات.

Ishak_assaad@yahoo.com