الزواج بين الفكر المسيحى 00 والمنظور الأجتماعى (1- 2)

القس. أيمن لويس

بقلم: القس أيمن لويس
وجدت انه من المهم تناول هذا الموضوع الهام من هذا المنظور وذلك بعدما وجدت ان نفراً من الكتاب لم يتطرق له رغم كل ما أثُيرمن نقاش وجدل فى أوساطنا الإعلامية حول موضوع الزواج المسيحى والضغوط الخارجية التى تُمارس على الكنيسة لتغيرموقفها وترضى بقبول كلمة الطلاق لأى سبب لتُصبح مبدءاً مستصاغ وكلمة متداولة بين العائلات المسيحية وهذا أمر فى غاية الصعوبة ، كما لوحظ مؤخراً أن هناك بعض من الكُتاب من غيرالمسيحيين أعطوا أنفسهم الحق للإفتاء فى موضوع الزواج عند المسيحيين ، مقدمين تفسيرات خاصة ونقد غيرموضعى دون أدنى جهد للأستناد بأى فكر صادرمن الجانب المسيحى وفى جهل واضح بمعرفة النصوص الكتابية .

 من كام سنه فاتت كنت فى زيارة لأوكرانيا ولاحظت ندرة الذين يتحدثون الإنجليزية حتى لو تهته مثلى ، أدركت ساعتها صعوبة أنك تتحدث لغة مختلفة عن لغة الاغلبية ، هكذا الحال عندما يتحدث المسيحيون المحافظون عن الزواج  فى مصر الآن . إذ يقدم العالم بصفة عامة ومجتمعنا بصفة خاصة مفاهيم مغايرة ومختلفة عن المفهوم والثقافة المسيحية والكتابية للزواج ، للدرجة التى نرى أنها جعلت الزواج أنحرف عن المسار الذى شرعة الله والقصد الذى أوجده من أجله . كما نرى أيضاً أن هذا الأنحراف هو السبب الأساسى لفشل تحقيق السعادة الزوجية وظهور الكلمة الكريهة الطلاق . وهى بالطبع غريبة على بدن إيماننا وعقيدتنا ، أتذكر وأنا طفل عندما كان يُذكر أن فلان أو فلانه طُلق نشعر بهول المصيبة والخجل ، كما كانت الكلمة نادرة الذكر تكاد تصل لحد العيب ، ولم يكن لها ذكر تقريباً بين العائلات المسيحية ، ولكى نعود لأصل هويتنا فى هذا الموضوع المقدس لابد أن نكون على أدراك وفهم لثقافة مجتمعنا وقيمه عن الزواج ؟ وهل هى تتوافق مع قيمنا وثقافتنا الروحية ؟ وهل سلوكيتنا فى كل ما يتعلق بموضوع الزواج يسير وفق مفاهيم المجتمع متأثرين  بكل ما يمارس من ضغوط  الثقافة الدينية المغايرة أم بحسب القيم الروحية التى نؤمن بها ؟ وهل فقد الجزء ثقافته متأثراً بالكل كما يتلاشى الدخان فى الفضاء الفسيح ؟ وللمساعدة تعالى معى عزيزى نحلل معاً ما نؤمن به نحن المسيحيين وما يؤمن به مجتمعنا من قيم وثقافة ، و يمكن إيجازها فى النقاط التالية :

أولاً: أستخدام كلمة نكاح عوضاً عن كلمة الزواج .
ثانياً: أسس ومبادئ الأختيار للأرتباط ( الجمال ، المال ، النسب ) .
ثالثاً: المرأة وقيمتها ودورها ومدى أهليتها .
    رابعاً: مفهوم صلة الرحم ، والخضوع للوالدين على حساب العلاقة الزوجية .
   خامساً: الزواج كعهد وليس كعقد والعلاقة والفرق بينهما .
   
        أولاً: منذ بدء منحنى التحول من الدولة المدنية للدولة الدينية فى التصاعد ، بدء معه ظهور العديد من المصطلحات والكلمات التى لم نكن نسمعها مثل كلمة نكاح .  وفى علم الدلالة نتعلم أن اللفظ يعبرعن المعنى والمعنى يحدد الهدف ... و فى مجتمعنا أصبح شائعاً أستخدام كلمة نكاح عندما يتكلمون عن الزواج والأرتباط خصوصاً فى البرامج الدينية فى الإعلام العربى ، والمعنى اللغوى الدال على كلمة نكاح هو العلاقة الجنسية وحينما يستخدم هذا اللفظ للتعبيرعن العلاقة الزوجية فهذا يحدد الهدف والغاية الأساسية من الأرتباط ، وبذلك يصبح الهدف الأساسى من الزواج هو أشباع الأحتياج الجنسى والأشباع الحسى لأرضاء ظمأ الشهوة . وبالبحث فى المسيحية ومن خلال نصوص الكتاب المقدس لانجد أى وجود لهذه الكلمة (النكاح) بل كلمة ( الزواج ) هى الأكثر شيوعاً ، ومنذ البداية يعلن الله أن الهدف من الزواج هو الأتحاد بين أثنين ذكراً و أنثى يلتصقا ليصيرا جسداً واحداً ( تك 2 : 24 ) ... وحسب النص بالوحى " وقال الرب الإله: ليس جيداً أن يكون آدم وحده ، فأصنع له معيناً نظيره" فالهدف هو رغبة الله فى جعل الأنسان الذى خلقه يشعر بالسعادة ، ولعلم الله سبحانه لأحتياج الأنسان لشريك يؤنس وحدته فجلب من آدم الأنسان الأول حواء ، هذا هو الهدف الأول والأساسى والأسمى لخطة الله من الزواج ، ويأتى الهدف الآخر أنه من خلال ممارسة السعادة والحب يكون الأكثاروالأثمار ،  فنجد الكتاب المقدس يستخدم  لغة راقية ووقورة للأشارة عن العلاقة الجسدية بين الزوجين " فيقول : وعرف آدم حواء أمرأته فحبلت وولدت قايين .." (تك 4: 1) . فهناك أهداف سامية للعلاقة الزوجية ،  إلا أن أختزال الأمرفى التمتع باللذه الجنسية يوضح لنا الصورة ، لماذا كل هذه الأنواع من أنظمة الزواج التى نسمع عنها فى مجتمعنا !!؟ ، ولماذا خالف ملوك وأنبياء سنة الله بعدم الأكتفاء بزوجة واحدة ؟ .

     ثانياً: ولما عرفنا أن القصد الأعلى فى مجتمعنا من الزواج هو النكاح فمن الطبيعى أن تكون أسس الأختيار مبنية على هذه القيم بحسب ترتيبها .. ولأن العرف من البدء أن للرجل حق المبادرة والأختيار فقد أعلن المجتمع أن المرأة تنكح لثلاث جمالها ومالها ونسبها ، وطبيعى أن يكون تقيم العروس أيضا للعريس على هذه العناصر الثلاث مع أختلاف الأولويات ، وهذا مخالف لأسس الأختيار التى يقدمها الإيمان المسيحى ، فالوحى يحذرنا من الأنقياد لهذه الأشياء الثلاثة كأسس عند أختيار شريك الحياة . ويقدم لنا الكتاب المقدس الوصايا والعِبرالتى تعرفنا مبادى‘ وأسس الأختيار الصحيح والنتائج الخطيرة المترتبة على الأختياربحسب ثقافة المجتمع .
المبدءالأول .. الجمال : يقدم لنا الكتاب المقدس قصص  للزواج لكى نعتبر بها ووصايا لكى نلتزم بها نختار منها ما يلى : 1-  فى قصة زواج أسحاق أبن أبراهيم (تك 24) فى حدود سنة 2026 ق . م تقريباً نرى أن أسس الأختيار لم تكن هى الجانب الحسى أو الشكل الخارجى بل جمال الروح والطباع والشخصية بعد طلب المشورة الألهية ! وهذا هو النموذج الامثل 2- أما فى قصة زواج شمشون ( قض 14، 16 ) نجد نموذج الزواج حسب مفهوم العالم والمجتمع فيقدم لنا الكتاب النتائج المترتبة علي الزواج الذى يبنى على الرغبة والشهوة ، وما يترتب عليه  من ندم ودمار. 3- وأخيراً ما تكلم به الوحى فى سفر الأمثال 31 مقدماً  لنا شرح تفصيلى  عن صفات الزوج الصالحة والأسس التى يتم عليها الزواج ، وقبل نهاية الأصحاح يفجر لنا الوحى المفاجئة فى عدد 30 عندما يقول " الحسن غش والجمال باطل أما المراة المُتقية الرب فهى تمدح"إن من يضع أهتمامه  فقط على الجمال الظاهرى أنما نشبه بمن يعجب بقارورة عطر جميلة جذابة ويقتنيها ولايعلم أن بداخلها سُم  زعاف . فكم من جمال خارجى خادع يخفى خلفه من القُبح ما يستعصى معه الشفاء ويعجزعن العلاج  وكم من أصحاب بشرةً سمراء يمتلكون قلوب ناصعة البياض .  

المبدا الثانى .. المال: المال يميل مع الزمن ، هذا المبدأ ينزل بالزواج لمستوى الصفقات التجارية ، وليس منظورنا للمال إنه من زينة الحياة الدنيا ، بل  تعلمنا كلمة الرب أن المال أصل كل الشرور ، إن أبتغاه قوم ضلوا وزاغوا عن الإيمان ، وأن محبة المال تفسد المحبة الحقيقية السامية التى ترتقى بالمشاعر الأنسانية ،  فالمال وسيلة وليس هدف ، إن القيمة الحقيقية فى المسيحية للفرد وليس للأشياء .(عب13: 5) "لتكن سيرتكم خالية من محبة المال" وليس من قبيل الصدفة أن تأتى هذه الوصية التى تتحدث عن المال مباشرتاً بعد الوصية التى تتحدث عن الزواج !

أما المبدأ الثالث .. وهو النسب :يهتم الكتاب المقدس بالنسب ولكن بمفهوم مختلف عن المفهوم المقدم لنا من العالم الخارجى من مجتمعنا ، فالمجتمع يتكلم  عن النسب من جهة أمرين الأول السلطة والنفوذ والثانى من باب الغنى والتفاخر والتعالى وهذه القيم ضد القيم التى يريدنا الرب أن نسلك فيها ، فعندما يكلمنا الكتاب المقدس عن النسب يكلمنا عن طيبة الأصل ورقى الطباع وحالة الإيمان ... إن المفاهيم الاولى عن النسب إنما تُرضى الطبيعة الساقطة من أشباع للشهوة والأنانية والطمع .
     هكذا يتضح لنا مدى أختلاف  وجهة نظر الإيمان المسيحى فى أسس الأختيار التى ينبغى أن يبنى عليها الزواج عن الشائع فى ثقافة مجتمعنا.

القس أيمن لويس
Yahoo.com@pas_ ayman

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع