بقلم: عمرو الشوبكي
أجري جمال مبارك أمين لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم حوارا مع شباب الجامعات من الباحثين والأساتذة حول مجموعة من القضايا قيل إنها سياسية، كما تواصل مع حوالي 12 ألف شاب آخر عن طريق الشبكة العنكبوتية في تطور لافت لشكل الحوار السياسي بين أبرز قيادة في الحزب الوطني والشباب. والمؤكد أن من حق جمال مبارك (باعتباره قيادي في حزب سياسي) أن يتواصل مع الجماهير وأن يتحاور مع الشباب وأن يجول المحافظات، بشرط أن تعطي نفس هذه الفرصة لباقي قادة الأحزاب السياسية. لقد سمح لجمال مبارك وحده أن يتواصل مع 230 من أساتذة الجامعات الشباب والمعيدين، في الوقت الذي لا يمكن فيه لزعيم أي حزب معارض أن يدخل الجامعة من الأساس، وإذا كان تحدث عن أن مستقبل مصر سيشهد وجود 3 أحزاب معارضة قوية، فهل يمكن أن يسمح لقادة ثلاثة أحزاب شرعية رئيسية كمحمود أباظة، وأسامة الغزالي حرب، وأيمن نور، أن يدخلوا أي مؤسسة عامة أو حتي يقيموا مؤتمراتهم السياسية والحزبية خارج مقرات أحزابهم كما يفعل أمين لجنة السياسات؟. بالتأكيد لا فغير مسموح لأي من هؤلاء التحرك في الشارع مثلما يتحرك جمال مبارك، وغير متاح لأي منهم الحضور في الإعلام الحكومي "القومي" مثلما يفعل أمين لجنة السياسات، هذا رغم أنهم جميعا رؤساء أحزاب شرعية ديمقراطية، ولم يعرف عنهم انتماؤهم لتنظيمات متطرفة حتي يعتبرهم النظام خطرا عليه. والحقيقة أن هذا »الحق الاستثنائي« لم يعطي فقط لجمال مبارك للتحرك كيفما يشاء ودون غيره في الداخل،
إنما أعطي له أيضا للتحرك في الخارج، فلازال كثير منا يتذكر زيارته إلي واشنطن شبه السرية وشبة المعلنة بداية هذا العام ، وشملت لقاءات مع دبلوماسيين في وزارة الخارجية، وخبراء في مراكز بحوث، ورغم أنه أعطي لنفسه الحق بأن يقوم بمهام لا يستطيع سياسي آخر أن يقوم بها إلا واتهم بالخيانة والعمالة لأمريكا في تناقض صارخ بين ما هو مسموح لسياسي لأنه نجل الرئيس وآخر من باقي الناس. وإذا كان الخطاب الرسمي يري أن الدولة والمسئولين الحكوميين هم وحدهم الذين لهم حق التواصل مع الدول والحكومات الغربية والأمريكية، وأن قيام غيرهم بهذا الدور يعتبر نوعاً من الاستقواء بالخارج علي حساب الوطن، فكيف سيتعامل هذا الخطاب مع ذهاب أمين لجنة السياسات المتكرر إلي واشنطن (يفترض أن يسافر مع الرئيس اليوم)، وكيف يعطي الحق لشخص واحد في عرض ما سمي »بإنجازات« الإصلاح، ويحرم منها كل نظرائه من السياسيين المصريين. وعلي عكس تلك الصورة »الانفتاحية« في الخارج، فإن لقاءات الداخل تشهد نمطا فريدا من الانغلاق، فلا يدعي فيها كل الشباب إنما نوعية منهم، ولعل ما جري مع د. شادي الغزالي حرب الناشط السياسي في حزب الجبهة الديمقراطية (حزب شرعي وليبرالي التوجه) يدل علي تحكم العقلية الأمنية المغلقة في اختيار المدعوين، فالشاب الذي حصل علي منحة من الاتحاد الأوربي بالتعاون مع وزارة التعليم العالي من أجل السفر إلي بريطانيا، كان من بين من وجهت لهم الدعوة لحضور حوار الأربعاء الماضي، واتصل بي وأخبرني قبل اللقاء أنه ينوي الحضور وينوي أيضا طرح بعض الأسئلة السياسية لم تختلف عما ذكره بعض الشباب، ولكن مع فارق واحد أن شادي الغزالي لأنه سياسي فسيعرف يتكلم وسيبدو من حديثه أنه فاهم، والمؤسف أنه ليس مطلوبا في هذه الحوارات أن يحضرها أحد فاهم لأن هناك شخصاً واحداً فقط هو المسموح له أن يكون سياسيا وفاهما وتسلط عليه الأضواء.
ورغم أني لم أكن مرحبا بذهابه لأن منحته قد تضيع بعد أن أصبحت متوقفة علي الموافقة الأمنية وأن البلد يحتاج إلي طبيب متعلم أكثر مما يحتاج إلي سياسيين يقتصر دورهم علي سؤال في حوار. وتركت الطبيب الشاب لاختياره خاصة أنه كان لايزال في الإسكندرية إلي أن اتصلوا به وأخبروه إنه لا يمكنه حضور اللقاء في مفارقة صادمة لكونه لا يحمل فكراً متطرفاً، ولا عضواً في تنظيم سري ومع ذلك لم يسمح له بالحضور لأن المطلوب هو حضور مستمعين لا محاورين.
والحقيقة أن تلك اللقاءات المعلبة التي اعتاد جمال مبارك واحمد عز القيام بها في محافظات مصر المختلفة تعكس أزمة حقيقية في جوهر مشروع جمال مبارك وتحوله من مشروع سياسي قابل للفشل والنجاح ضمن مشاريع أخري إلي مشروع للتوريث بامتياز. فالمشروع السياسي سيعني بالأساس بالحوار مع الخصوم والمنافسين والسوياسيين من كل الاتجاهات، ويعني أيضا بأن الحوار مع شباب غير حزبي ينتمي إلي مؤسسة عامة كالجامعة، لا يجب أن يستبعد منه أحد، طالما ليسوا أعضاء في تنظيمات سرية أو متطرفة. إن الحياة السياسية في مصر لن تطور بالأمنيات الطيبة وبالقول بضرورة وجود 3 أحزاب قوية لأن ما يجري علي الأرض هو إضعاف دائم للأحزاب وتغييب لدور السياسيين، كما أن اتهام المجتمع بأنه يقاوم التغيير قد يكون صحيحا، ولكنه ليس بسبب كون هذا المجتمع يعاني من مشكلات »جينية« تخص عموم المصريين إنما بسبب فقدانه الثقة في حكومته وفي إحساسه بأن من يدفع الثمن هو المواطن البسيط وليس أهل الحكم وكبار رجال الأعمال. إن مقاومة المصريين أحيانا للتغيير وللإصلاح الاقتصادي ترجع لكونهم يعتقدون أنها تصب في صالح »شلة توريث« استبعدت كل القوي والأفكار والرموز الإصلاحية، الموجودة داخل النظام وخارجه، في مشهد ترحم فيه الكثيرون علي أيام الدولة التسلطية بعد أن رأوا مرحلة الفوضي والعشوائية ولا نظام.
بالتأكيد كان يمكن لهذه الحوارات أن تكون بداية نمط جديد في الممارسة السياسية، وتفتح الباب أمام رؤية إصلاحية جديدة خاصة أن كل بدائل مرحلة »ما بعد الرئيس مبارك« لازالت من داخل النظام، وكان أحداها مشروع جمال مبارك الذي فشل منذ 2002، أن يترجم »دردشة« لجنة السياسات حول الإصلاح، إلي تحول ديمقراطي حقيقي وتدريجي، وأصبح واحداً من مشاريع تكريس الوضع القائم رغم مظهره الجديد والشاب.
*نقلاً عن جريدة الوفد
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=6375&I=173