مجدي ملاك
بقلم: مجدي ملاك
تمثل زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة أهمية كبيرة خاصة أنها تأتي بعد عدد كبير من الأعوام لم يزر الرئيس مبارك الولايات المتحدة في ظل تصاعد الخلافات في أثناء ولاية الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، ولعل هناك تخمة في عدد الملفات التي يفترض أن الرئيس مبارك قام بمناقشتها مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولا يمكن أن ننكر أن بعض من تلك الملفات سوف تخص الحريات والأقليات داخل مصر وهو أهم ملف تهتم به الإدارة الامريكية في ظل تراجعها عن ما يسمى بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وأعتقد أن الرئيس مبارك لديه مهمة صعبة جدًا في مجمل القضايا التي يمكن أن تُناقش مع الإدارة الأمريكية، فمن حيث القضايا الخارجية فلن تمثل تلك القضايا أي مشكلة مع الإدارة الأمريكية حيث يكاد يكون هناك تفاهم مشترك بين الإدراتين فيما يتعلق بالملفات الخارجية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية والموقف من البرنامج النووي الإيراني وغيرها من الملفات الخارجية التي تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للخارجية الأمريكية في سبيل تحسين صورتها في العالم العربي.
ولكن الملفات الأكثر حساسية سوف تكون تلك المتعلقة بالأوضاع الداخلية المصرية خاصة مع وجود عدد من الملفات الشائكة التي تعتبر غاية في الإحراج بالنسبة لنظام مبارك، ومن أهم تلك الملفات التي تمثل حساسية لنظام مبارك هو ملف التوريث الذي لم يجب عنه الرئيس مبارك بوضوح ونجح في الخروج منه دون أن يفهم الأمريكان شيئًا أو الشعب المصري المتابع لتلك القضية، حيث رد الرئيس مبارك في أحد البرامج التي أجرت معه حوار أنه لم يناقش قضية الخلافة مع نجله جمال مبارك، وهي إجابة تشير إلى رغبة النظام السياسي في تعويم قضية الإنتخابات الرئاسية لآخر لحظة، وفي اعتقادي أن الرئيس مبارك ربما بهذه الإجابة يعني أنه لم يفكر في التخلي عن الرئاسة بعد، وفي اعتقادي ان الرئيس مبارك لن يتخلى عن الرئاسة وسيظل في الحكم وسيرشح نفسه الإنتخابات القادمة أيضًا، ولعل الدافع من وراء هذا التحليل في تلك الفترة هو عدم إعلان الحزب الوطني حتى الآن عن مرشح الحزب، فلو كان هناك نية لترشيح جمال مبارك في المرحلة الحالية لقام الحزب الوطني بإعلان ذلك منذ فترة حتى يتسنى للحزب القيام بالدعاية الإنتخابية اللازمة من أجل ضمان فوز جمال مبارك سواء كان ذلك من خلال انتخابات نزيهة أم لا.. على أية حال من الواضح أن الصورة لم تكتمل بعد لدى الحزب الوطني ونظام مبارك فيما يتعلق بتلك القضية وربما ذهاب الرئيس في هذه الأثناء بسبب جس نبض الإدارة الامريكية فيما يتعلق بتلك القضية.
ولكن الأهم من تلك القضية قضايا الحريات، خاصة فيما يتعلق بمشاكل الأقباط الذين قاموا بتنظيم مظاهرات من أمريكا وكندا من أجل التعبير عن تلك المطالب، ولأول مرة تنظم مظاهرات ذات طابع متوازن من حيث الهجوم على الرئيس مبارك وفي نفس الوقت عدم إحراج الدولة المصرية بشكل كبير أمام الرأي العام العالمي، وهو ما ظهر في بعض من توجيهات الكنيسة المصرية لكيفية سير هذه المظاهرات وكيفية المطالبة بحقوق الأقباط بشكل يساعد على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه تلك المشاكل، ولعل حوار الدكتور مصطفى الفقي لقناة الجزيرة والذي تحدث فيه بشكل صريح عن وجود مشاكل كبيرة للأقباط، وأن الدولة المصرية هي السبب في كثير من هذه المشاكل بسبب بطئها في حل تلك المشكلات، واعترافه أن هناك تطرف من المجتمع المصري ناتج عن الإختلاط بالشعوب الصحراوية ذات الفكر المتطرف الذي لا يعبر عن روح التسامح المصري، هو أكبر دليل على نجاح المنظمات القبطية والأقباط في الفترة الأخيرة في التعبير عن المشاكل التي تواجههم بشكل متوازن وعقلاني ويعبر عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع، وأعتقد أن الرئيس مبارك يعلم تمامًا أن تلك الزيارة ستكون بالنسبة للأقباط هي الفرصة الأخيرة في ضرورة تحرك النظام المصري بشكل جدي تجاه حل تلك المشكلات، لأنه إذا لم يحدث تحرك فعلي على أرض الواقع بخصوص تلك القضايا مع زيادة المناخ المتطرف داخل البلاد سيكون الحال أسوأ في الفترة المقبلة التي تشهد تصاعد للتيار الديني.
فضايا مثل قانون بناء دور العبادة الموحد، وحرمان الأقباط من الوظائف في المناصب العليا كرؤساء للجامعات ومراكز القيادة في الداخلية والشرطة، والتوقف عن ما يُسمى تجاهل الأقباط مثلما ذكر الدكتور مصطفى الفقي لا بد أن يكون لها الأولوية في الحل من خلال قرارات صارمة في هذا الإتجاه، والقضاء على فكرة أن الوقت غير مناسب بسبب التشدد الموجود في المجتمع، فالدولة المصرية لا يجب أن تستسلم للتطرف بل عليها أن تحاربه وتساعد في القضاء عليه بالقانون.
أعتقد أن تلك الفرصة ستمثل أهمية خاصة للرئيس مبارك والنظام المصري في القضاء على التمييز ضد الأقباط والعمل على دمجهم بشكل أكبر في المجتمع، وإذا لم يحدث هذا فلا يوجد أدنى شك أن الحوادث الطائفية ستزيد بقوة في المرحلة المقبلة إذا لم تكن الدولة حاسمة في مواجهة التطرف، والكف عن التضحية بالأقباط من أجل إرضاء المزاج الديني.
أما فيما يتعلق بقضايا الحريات بشكل عام أعتقد أنه يمكن أن يأخذ أهمية أقل من قضايا الأقباط التي يمثل استمرارها تهديدًا لكيان المجتمع واستقراره الإجتماعي، خاصة أن قضية البهائيين تم إحراز تقدم كبير فيها، كما أن هناك حرية بشكل عام للمنظمات الحقوقية في العمل والتعبير، ويتبقى فقط استجابة النظام للقضايا التي تطرحها المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.
على النظام المصري والرئيس مبارك أن يدرك أنه لم يعد هناك مزيد من الوقت لتسويف القضايا الحيوية التي يتم طرحها سواء في داخل مصر من الأقباط، أو من خارج مصر من خلال أقباط المهجر الذين قاموا بمبادرة هي الأهم في تلك الزيارة من خلال نشر إعلان في جريدة الواشنطن تايمز يطالبون فيها الرئيس مبارك بالإفراج عن القس متاؤس المحبوس بتهمة التزوير، وهي تهمة لا يمكن أن يقوم بها كاهن يخدم الله ويطيع وصاياه، ومن هنا تتضح أهمية التشبيك بين الأدوار في الداخل والخارج ولا يتبقى سوى استجابة النظام المصري لكل تلك المطالبات حتى نستطيع أن نصدق أن الدولة المصرية هى دولة قانون وليست دولة تحيزات دينية ضيقة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6467&I=176