هاني دانيال
بقلم: هاني دانيال
بين فترة وأخرى يخرج علينا المفكر الكبير "طارق البشري" ببعض الآراء، ولكونه من المفكرين الكبار يعتبر الكثيرين ما يكتبه في عداد الأمور المهمة -وإن كنت أختلف معه في كثير من الآراء والأفكار- وخاصة وأنه تراجع عن الكثير من الأفكار التي كان يؤمن وينادي بها في فترة التسعينيات وربما لموقف معين تغير 180 درجة رغم محاولات البعض الاستفسار منه عن سر هذا التحول الجذري، خاصة وأن الموقف الذي دعاه لذلك هو نتاج مشكلات متراكمة للمجتمع وليس مجرد خطأ لجهة أو شخص ما.
أقول هذا بمناسبة نشر جريدة "الشروق" في عددها ليوم الجمعة دراسة للمستشار طارق البشري عن "حرب الحدود بين حرية التعبير والثوابت الدينية" فيها الكثير من الآراء الصادمة وغير الكاملة لا لسبب، وإنما لأنها أعدّت لأمر ما لم يكشف عنه المفكر الكبير ولكن يمكن التعرف من المغزى من خلال قراءة السطور ورغم أن الجريدة اتبعت المانشيتات الجاذبة إلا أن القارئ سيقرأ أفكار صادمة.
أشار البشري إلى أنه في السنتين الماضيتين أثير موضوع "الحق في التعبير" وعلاقته "بالثوابت الدينية" أثير ذلك في صور ملموسة تتعلق بما ورد ببعض القصص والروايات من عبارات لا يمكن للنفس المؤمنة بالدين أن تتقبل قراءتها أو سماعها أو تلقيها بأي وسيلة من وسائل الأداء والتلقي سواء بالنسبة للذات الإلهية والرسالة النبوية، أو بالنسبة لما يقع بعامة في قلب المؤمن موقع التسليم والخشوع.
نوّه البشري إلى إننا إذا استندنا إلى بيانات حقوق الإنسان التي صيغت في إطار المرجعية الفكرية للثقافة الغربية وصارت هي الإطار الذي تترسم به الحقوق في هذه الثقافة، نلحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في المادة الثانية منه على أن «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي» فهو يميز بين لحقوق وبين الحريات فالعطف كما يقال يقتضى المُغايرة، وعطف الحريات على الحقوق في تمتع الإنسان بها يفيد أن لكل من اللفظين صلاحيته الخاصة، بما يؤكد ما سبق ذكره عن التمييز بين الحق وبين الرخصة أو الإباحة،كما أن المادة الثامنة عشرة من ذات البيان تنص على أن «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرًا أم مع الجماعة» كما تنص المادة التاسعة عشرة "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير".
استطرد بقوله: يشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية، ويلاحظ على هذين النصين أنه من وجهة نظرنا نحن المتدينين بدين الإسلام، أن لدينا تحفظات تتعلق بحرية ترك المسلم لدينه على تفاصيل ليس المجال مجال الحديث عنها ولا ذكر الخلافات بشأنها!
واعتبر أنه من هذا المنطلق يبدو أن حق الفرد وحريته في التعبير إنما يتغير ويخضع لحقوق الجماعة ولما لها من حرم وعصم!
لا أعرف هل هذه الدراسة يمكن تطبيقها في مصر والعالم العربي فقط، أم يمكن تطبيقها في العالم أجمع؟، وأنا أعترف إنني أقرأ هذا الطرح لأول مرة رغم أنني قرأت الكثير عن حقوق الإنسان وتفسيرات للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد المدني للحقوق السياسية والمدنية، والعهد المدني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن الكل يتحدث عن الحق بشكله المطلق وليس بشكله النسبي، وأن العالم يتقدم وينظر للأمام ويعظم من حرية الفرد طالما أنه لم يعتدي على حرية المجتمع.
من زاوية أخرى أطرح رؤيتي على المفكر الكبير بنفس تفكيره وعلى الرغم من اختلاف الحالة في أوربا ومصر ولكنني سأطرح المقارنة، فالمسلمين في الغرب يقومون ببعض الأمور التي تعد من الأمور المرتبطة بالدين مثل ذبح الذبائح في الشوارع، فهل هذا يأتي ضمن حرية الفرد أم ضمن حرية المجتمع؟، كذلك الرموز الدينية -مثل الحجاب- والإصرار عليها رغم اختلاف تقاليد و زي المجتمعات الغربية عن المجتمع الإسلامي ومع ذلك هناك رغبة في فرض هذا الزي حتى ولو اختلف ذلك مع تقاليد المجتمع؟!
نفس الأمر من خلال الصلاة في الشوارع ربما يرجع ذلك لعدم وجود المكان المناسب أو ما يسمح للمصلين بالصلاة، فهل يجوز ذلك ونضعه ضمن حرية الفرد أم نضعه ضمن حرية المجتمع؟ كذلك ما نراه من رفض الخمور ولحم الخنازير وغيرها من الأمور التي تعد من المحرمات في الإسلام، ولكنها في نظر الغرب حلال ولديهم الحق الكافي في استخدامها، هنا هل يلتزم المسلم بالتعامل مع مثل هذه باعتبارها من حق المجتمع أن يقوم بها أم يرفضها لأنه دينه حثه على ذلك؟
وأيضًا الغرب يؤمن بحرية الاعتقاد والتعبير ولا يعتبر هناك شيء مطلق، بل ينظر لكل الأمور على أنها نسبية،فهل يقبل المسلم الذي يعيش في الغرب ما يراه من أعمال فنية وأدبية تتهكم على دينه باعتبار أن المجتمع الذي يعيش فيه يؤمن بالحرية المطلقة أم أنه يرفضها لأنها تختلف مع قناعته وحريته؟!
هناك الكثير من الأمور المتناقضة في هذه الدراسة وربما خرجت خصيصاً للمجتمع المصري أو العربي، ولكنها لا يمكن أن تطبق في الغرب تحت أي ظرف لأن هناك لكل مجتمع تقاليده وثقافته، أما أن نقدم آلية معينة لا يمكن قبولها في كل المجتمعات والنظر لذلك على أنه من الأمور المطلقة ولا يجب الخوض فيها فهو بالطبع يختلف مع عنوان الدراسة التي تحمل "حرية التعبير"!
هناك الكثير من الأمور التي يمكن الخوض فيها ولكننا نكتفي هنا بالتعليق على هذه الرسالة ولكننا نعد بعرض أفكار المستشار طارق البشري وتناقضها مع بعضها البعض لا لسبب إلا لحدث معين كما ذكرنا مسبقًا ونطرح حوله النقاش للتعرف على حالة الارتداد الثقافي التي أصبحنا نعاني منها في الفترة الأخيرة!
http://www.copts-united.com/article.php?A=6547&I=178