مدرسة سياسية جديدة‮:‬ تكلم كثيرا‮.. ‬ولا تقل شيئا‮!!‬

بقلم: نبيل زكي

يستعد الحزب الحاكم بعد عيد الفطر المبارك لعقد مؤتمره السنوي،‮ ‬ومنذ شهور‮ ‬يعد جهاز الرطانة اللفظية في‮ ‬الحزب تقاريره المعتادة التي‮ ‬تختلط فيها الوعود بالامنيات،‮ ‬والتي‮ ‬يمكن ان تكون درسا نافعا لمدرسة جديدة في‮ ‬السياسة شعارها‮: »‬تكلم كثيرا واستخدم كلمات كبيرة‮.. ‬وتكلم طويلا‮.. ‬دون ان تقول شيئا‮«!‬ وكل من‮ ‬يريد ان‮ ‬يتأكد مما اقول‮.. ‬عليه ان‮ ‬يعيد قراءة تقرير امانة السياسات بمناسبة المؤتمر السنوي‮ ‬الاول للحزب الحاكم الذي‮ ‬صدر عقب المؤتمر العام الثامن للحزب،‮ ‬وبعد مرور عام علي‮ »‬استحداث‮« ‬أمانة السياسات‮.‬ وقد صدر هذا التقرير في‮ ‬سبتمبر عام‮ ‬2003‮ ‬أي‮ ‬قبل ست سنوات‮.‬ ‮

***‬ يركز تقرير امانة السياسات علي‮ ‬ايضاح ان اكثر المبادئ اهمية التي‮ ‬حرصت الامانة علي‮ ‬ترسيخها في‮ ‬اداء عملها هو مبدأ المشاركة في‮ ‬الحياة السياسية والعمل العام،‮ ‬بل ان من أولويات الامانة المذكورة‮: »‬الانفتاح علي‮ ‬فئات المجتمع الهامة والتحاور معها‮«‬،‮ ‬ليس فقط لنشر رسالة الحزب وكسب التأييد لسياساته،‮ ‬وإنما ايضا‮ »‬التعرف علي‮ ‬آراء هذه الفئات وتوجهاتها وهمومها‮« ‬والتي‮ »‬تؤمن الامانة بضرورة مراعاتها‮«.‬ وغالبية المصريين تعرف انه لا وجود ـ في‮ ‬واقع الحال ـ لمبدأ المشاركة وان الحزب الحاكم لا‮ ‬يحرص علي‮ ‬التعرف علي‮ ‬آراء الآخرين ولا حتي‮ ‬علي‮ ‬آراء المقربين منه‮. ‬وإذا قرر ان‮ ‬يتعرف علي‮ ‬هذه الآراء فانه‮ ‬يستمع‮. ‬ثم‮ ‬ينفذ القرارات والافكار التي‮ ‬سبق له ان توصل إليها‮.. ‬منفردا‮.‬ ونحتاج إلي‮ ‬ضبط اعصابنا،‮ ‬ونحن نقرأ في‮ ‬التقرير المشار إليه،‮ ‬ان امانة السياسات تؤمن بأن‮ »‬الحلول لمشاكل المجتمع ـ بتعقيداتها وتشعبها وتشابكها ـ ليست حكرا علي‮ ‬الحزب الوطني‮ ‬وحده،‮ ‬بل انها‮ ‬يجب ان تأتي‮ ‬من خلال عملية حوار تضم قاعدة مجتمعية عريضة من داخل الحزب وخارجه‮«!‬ ولسنا في‮ ‬حاجة إلي‮ ‬التذكير بالتعديلات الدستورية التي‮ ‬سمعنا وعودا بانها ستمنح مجلس الشعب ومجلس الوزراء صلاحيات اكبر بكثير،‮ ‬ولكننا وجدنا صلاحيات متواضعة في‮ ‬إطار الجمهورية الرئاسية،‮ ‬والمركزية في‮ ‬صنع القرار بحيث‮ ‬يظل مجلس الوزراء جهازا تنفيذيا ويظل مجلس الشعب للسلطة التشريعية‮.‬ كما ان الحزب الحاكم ضرب بعرض الحائط آراء كل الاحزاب السياسية بشأن طريقة تعديل المادة‮ ‬76‭.‬ غير ان تقارير امانة السياسات تفضل استعمال الكلمات الطنانة‮. ‬وهذه الكلمات تستخدم كبديل للفعل والممارسة‮.‬ التقرير المذكور‮ ‬يؤكد جدية الحزب الحاكم في‮ »‬تدعيم التواصل مع فئات المجتمع الفاعلة‮« »‬لاحظ هذه الالفاظ الفخمة خاصة كلمة‮ »‬الفاعلة‮«.‬

ويفاخر التقرير بأن وثائق الحزب الحاكم تتضمن‮ »‬سياسات محددة وتفصيلية‮« ‬يتقدم بها الحزب في‮ ‬كافة القضايا التي‮ ‬تناولها علي‮ ‬مدار العام الماضي‮ »‬بما‮ ‬يمثل نقلة نوعية في‮ ‬كيفية تعامل الحزب مع السياسات العامة‮«.‬ والواضح ان‮ »‬كافة القضايا‮« ‬التي‮ ‬تناولها الحزب لم تشمل توفير مياه الشرب النقية للمصريين وإقامة شبكة للصرف الصحي،‮ ‬مما أدي‮ ‬إلي‮ ‬الكوارث التي‮ ‬نشهدها الآن‮. ‬كما ان‮ »‬كافة القضايا‮« ‬لم تشمل تحرير المصريين من المناطق العشوائية التي‮ ‬زادت في‮ ‬الفترة من‮ ‬1994‮ ‬حتي‮ ‬2006‮ ‬من‮ ‬404‮ ‬إلي‮ ‬1211،‮ ‬كما زاد عدد سكان المناطق العشوائية في‮ ‬مصر من‮ ‬12‮ ‬مليونا إلي‮ ‬17‮ ‬مليونا خلال نفس الفترة‮.‬ ولم‮ ‬يعتبر الحزب الحاكم ان نآكل الرقعة الزراعية في‮ ‬الوادي‮ ‬والدلتا‮ ‬يمثل اي‮ ‬مشكلة،‮ ‬ولم‮ ‬يجد حلولا لها سوي‮ ‬تكريس البناء علي‮ ‬الاراضي‮ ‬الزراعية رغم اعتراف احد اعضاء مكتب امانة السياسات بان مساحة الاراضي‮ ‬الزراعية التي‮ ‬استقطعت بهدف البناء فوقها وإقامة انشطة اقتصادية بلغت مليونا و700‮ ‬ألف فدان خلال العشر سنوات السابقة علي‮ ‬عام‮ ‬2004،‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬عهد نفس هذا الحزب الحاكم‮. ‬

وتشير التقديرات إلي‮ ‬اننا فقدنا‮ ‬2‮ ‬مليون فدان من الاراضي‮ ‬الزراعية وهي‮ ‬مساحة تعادل كل ما تم استصلاحه من أراض منذ عام‮ ‬1982‭.‬ وتبشرنا امانة سياسات الحزب الحاكم منذ ست سنوات بأن الحزب انطلق في‮ ‬إعداد‮ »‬حزمة السياسات المطروحة‮«.‬ ‮»‬لاحظ كلمة‮ »‬حزمة‮« ‬الفخمة ايضا‮«! ‬في‮ »‬كافة التخصصات‮» (‬مرة اخري‮) ‬من‮ »‬رؤية واضحة وشاملة لاولويات الاصلاح‮«!.‬ والطريف ان تقرير امانة السياسات‮ ‬يسجل في‮ ‬عام‮ ‬2003‮ ‬ان قضية‮ »‬الحفاظ علي‮ ‬الاراضي‮ ‬الزراعية‮« ‬يعتبر من المجالات الاساسية التي‮ ‬تؤثر علي‮ ‬الحياة اليومية للمواطن بشكل مباشر وملموس‮«.‬ والسـؤال الآن‮: ‬ما الذي‮ ‬فعله الحزب الحاكم للحفاظ علي‮ ‬الاراضي‮ ‬الزراعية خلال السنوات الست الماضية؟ كل ما نعرفه ان عندنا وزيرا‮ ‬ينتمي‮ ‬إلي‮ ‬الحزب الحاكم‮ ‬يوافق علي‮ ‬البناء فوق الاراضي‮ ‬الزراعية،‮ ‬ويعتبر ان‮ »‬منع البناء علي‮ ‬الاراضي‮ ‬الزراعية هو السبب في‮ ‬تدهور بيئتنا العمرانية‮«!‬ ‮

***‬ التوجهات الرئيسية للحزب كما شرحها تقرير امانة السياسات‮ »‬التي‮ ‬تم تطويرها في‮ ‬شكل سياسات محددة‮« ‬هي‮ ‬زيادة معدلات النمو والتشغيل‮.‬ ونحن نعرف ان معدل النمو انخفض بسبب تأثر مصر بالازمة الاقتصادية ـ المالية العالمية وان معدل التشغيل انخفض ايضا وازداد عدد العاطلين عن العمل‮.‬ غير ان اكثر العبارات التي‮ ‬وردت في‮ ‬تقرير امانة السياسات،‮ ‬بعيدا عن الواقع وتناقضا مع الحقائق‮.. ‬عبارة‮:‬ ‮»‬الالتزام بالمسئولية الاجتماعية للدولة‮«.‬ ونحن نعرف ان الدولة انسحبت من معظم المهام التي‮ ‬كانت تضطلع بها،‮ ‬وانها تخلت عن مسئوليتها الاجتماعية تجاه المواطنين ولم تعد تقدم لهم الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية علي‮ ‬النحو اللائق‮.‬ ولم‮ ‬يبق من منجزات الحزب الحاكم سوي‮ ‬ظهور سوق بيع الاطفال‮ »‬سعر الطفل‮ ‬20‮ ‬ألف جنيه في‮ ‬المتوسط‮« ‬وزيادة عدد الوفيات بسبب المياه الملوثة مع ملاحظة‮ ‬غياب ممثلي‮ ‬الحكومة ـ من اعضاء الحزب الحاكم وامانة سياساته ـ خلال مناقشة مجلسي‮ ‬الشعب والشوري‮ ‬قضايا تتعلق بالصحة العامة،‮ ‬والسماح باستيراد أغذية فاسدة‮.. ‬بل ان الفساد وصل إلي‮ .. ‬الادوية والمستشفيات حتي‮ ‬إن مسئولا حكوميا اعترف بان‮ ‬25٪‮ ‬من مرضي‮ ‬المستشفيات‮ ‬يصابون بفيروس‮ »‬سي‮« ‬عقب اجراء العمليات الجراحية لهم نتيجة ارتفاع نسبة العدوي‮ ‬في‮ ‬المستشفيات‮!‬

ومن طرائف تقرير أمانة السياسات قبل‮ ‬6‮ ‬سنوات انه‮ ‬يتفاخر بخطوة تنفيذ الاشراف القضائي‮ ‬الكامل علي‮ ‬الانتخابات،‮ ‬باعتبارها من‮ »‬الخطوات الملموسة التي‮ ‬اتخذها الحزب وحكومته في‮ ‬مجال الاصلاح السياسي‮«.‬ وهي‮ ‬الخطوة التي‮ ‬قامت حكومة الحزب أو حزب الحكومة بإلغائها‮!!‬ ووعدتنا ورقة امانة السياسات بتحقيق طموح اكبر هو‮ »‬تعبئة طاقات المجتمع لتحقيق النهضة الشاملة‮«.‬ والنتيجة هي‮ ‬تراجع مصر في‮ ‬مؤشرات التنافسية إلي‮ ‬المركز‮ ‬81‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬‭/‬2008‮ ‬2009‮ » ‬وكان‮ ‬77‮ ‬في‮ ‬العام السابق‮« ‬وتراجعها في‮ ‬مؤشرات كفاءة سوق العمل إلي‮ ‬المرتبة الاخيرة‮ »‬134‮ ‬من‮ ‬134‮ ‬دولة‮« ‬وفي‮ ‬الاستخدام الامثل للموهبة‮ »‬134‮ ‬من‮ ‬134‮«‬،‮ ‬وفي‮ ‬الصحة والتعليم الاساسي‮ »‬المركز‮ ‬88‮ ‬بعد ان كانت في‮ ‬المركز‮ ‬83‮«‬،‮ ‬وفي‮ ‬كفاءة سوق السلع‮ »‬المركز‮ ‬87‮ ‬بعد المركز‮ ‬76‮«‬،‮ ‬وفي‮ ‬هجرة الموهوبين من اصحاب العقول للبحث عن فرص عمل في‮ ‬الخارج‮ »‬129‮ ‬من‮ ‬134‮ ‬دولة‮« ‬وفي‮ ‬المحسوبية بدلا من الكفاءة،‮ ‬احتلت مصر المرتبة الاخيرة،‮ ‬وفي‮ ‬الفساد تحتل المركز رقم‮ ‬115‭.‬ حقا‮.. ‬انها نهضة شاملة‮!!‬

نقلا عن الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع