جريدة الجريدة - شريف حلمي
العلاقة بين الدين والدولة تُعد واحدة من أكثر علاقات المجال السياسي تعقيداً، ذلك أنهما ينتميان إلى حقلين مختلفين، لكنهما متداخلان بقوة، وبين آراء تنادي بالدمج بينهما وأخرى تدعو إلى فصلهما رصدت 'الجريدة' ملامح هذا الجدل في سياق الحوار التالي مع د. نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق.
• كيف يمكن فك الالتباس بين تجديد الفكر الديني والحفاظ على قواعد الفتوى؟
- ليس ثمة أي التباس بين التجديد والحفاظ على الأصول، لكن قد يبدو هذا الالتباس واضحاً لغير العارفين بالأصول الشرعية، الذين يظن بعضهم أن تجديد الفكر يعني إلغاء الأصل وهذا خطأ، فتجديد الفكر هو العودة إلى فهم الدين فهماً صحيحاً بعد أن أُدخلت عليه أفكار بعيدة عنه آخذين في الاعتبار الالتزام بالأصول الشرعية ورؤيتها من منظور يوافق روح العصر.
• أيعني ذلك ترك الفضاء الديني لكل متجول؟
- المولى عز وجل، أمرنا بالتدبر والتفكر في شؤون كونه ومنها شريعته، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العقل، لكن التفكر في الشأن الشرعي أمر، واستنتاج أمور أو قواعد غير مبنية على أسس شرعية أمر آخر. الأول محمود والثاني مكروه، لأنه يُفضي إلى تشبث العقول وإرباك المجتمع وهذا أمر فيه شطط عن صحيح الدين.
• هل توجد فتاوى بعينها في هذا الشأن؟
- لا تحضرني واقعة بعينها، لكن وضع الفتوى خلال السنوات الأخيرة يدعو إلى الأسف.
• هل من بين هذه الفتاوى تلك التي أطلقها المفكر جمال البنا بجواز تبادل القبلات بين الشباب والشابات في غير الإطار الشرعي...؟
- هذه الدعوة إفساد للمجتمع، وأنا أعتقد أن هناك من يقف وراء هذا.
البنا ليس من أهل الاختصاص، ودعواه هذه تصنف فتوى ولكنها غير مستندة إلى أصل شرعي ثابت.
أعتبر كلامه هذا تطاولاً على الثوابت الأصلية وازدراءً للأديان والمقصود منه زعزعة الأصل.
• إذاً أنت مع المنادين بضرورة وجود قانون لضبط الفتوى؟
- نعم. يجب أن تراعي الفتوى المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، بالإضافة إلى أن من حق ولي الأمر معاقبة من يُفسد المجتمع بفتواه.
• لكن هناك تخوفاً في حال صدور مثل هذا القانون من تسييس الفتوى لمصلحة الحاكم؟
- الفتوى حكم شرعي لا يمكن لأي إنسان أن يسيسها بخروجه عن حكم الله لمصلحة الحاكم، لكن ربما تخدم مصلحة الحاكم مصادفةً.
• هل تخضع الفتوى للسياسة العليا للدولة؟
- السياسة هي التي تخضع للدين، ولا يصح أن نقول لا دين في السياسة، والصحيح هو أنه لا سياسة في الدين بمعنى أن الدين يسيس ولا يتسيس، فالدين يحكم الجميع العامة والخاصة وضمنهم الحاكم، والكل يخضع لسياسة الدين وليس العكس.
أتعجب من محاولات البعض إقصاء الدين عن الساحة المدنية باعتبارها مسيسة، وأقول لهؤلاء:
الإسلام دين مدني بطبيعته ما عدا القواعد الأساسية له، حتى السياسة الحزبية الإسلام لا يفرق بينها وبين السياسة الإنسانية، فالدين يشمل الاثنتين وإذا سلمنا أن الدين لا يستطيع تنظيم واحتواء هذه المسائل فإننا بذلك نتهمه بالقصور والعياذ بالله. النظام الإسلامي حُكمت به ممالك وقَويت به شوكة المسلمين وخرج بهم من نكسات عديدة.
• هل ترى أن الدولة الدينية أصبح لها مكان في عصرنا الحالي؟
- لا يوجد في الإسلام دولة دينية، لكن الخلط في دعوة البعض إلى تطبيق الشريعة يدفع إلى اتهامهم بأنهم يطالبون بإقامة دولة دينية، وذلك يزيد عزوف الحكام عن الإسلام. أنا ضد إقامة دولة دينية كهنوتية، لأن الإسلام دين عبادات ومعاملات ولا يصح أن نأخذ من الدين نصفه ونأخذ من غيرنا النصف الآخر.
• هل أنت مع إقامة أحزاب سياسية على أساس ديني؟
- مع ذلك بضوابط.
• ما هي هذه الضوابط؟
- ألا يكون هذا الحزب أو ذاك يتخذ من الإسلام دعايات أو شعارات، والمهم أن يكون لدى الحزب 'برنامج' يتطابق مع القواعد الشرعية.
• تقصد أن استغلال الدين لتحقيق مصلحة خاصة مكروه؟
- بل غير مشروع. عندما يستغل الدين في غير محله فأنت تمارس أشد أنواع الإكراه المعنوي على من أمامك، خاصة وأنت تتحدث مع أمة تعتز به فعندما يتحدث الشرع يصمت الجميع ولا يجادل، فالتحدث باسم الدين في غير منزله أمر خطير يضر بأمن الأمة واستقرارها.
• أشيع أنك أُعفيت من منصبك بسبب فتواك بأن التطبيع مع إسرائيل حرام شرعاً ما حقيقة ذلك؟
- أجيب عن نصف تساؤلك وهو أن التطبيع مع إسرائيل حرام شرعاً في أي صورة وآخرها تصدير الغاز المصري إليها. أما النصف الثاني من السؤال فلا تعليق.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6576&I=178