د. صبري فوزي جوهرة
بقلم: صبرى فوزى جوهرة
أبدأ بالاعتراف بأننى اكتب هذا المقال بعد تردد طويل ليس من طباعى و بالرغم من ذلك فقد قررت ان افعل نظرا لخطورة ما ارى و ما اسمع حولى. من مبادئى عدم التدخل بالتعليق على ما يجرى من شئون الكنيسة الداخلية و ما يقال عن وجود "تيارات" متنافسة داخل جسم الكنيسة الكهنوتى منها ممثلا فى المجمع المقدس و العلمانى وهو بدوره يتميز الى شطرين, رسمى هو المجلس المللى العام, و غير رسمى تتعالى اصواته باضطراد تتناول جميعها شؤن الكنيسة الداخلية فى الاذاعات و الصحف.
يرجع صمتى فى تناول قضايا الكنيسة الداخلية الى اسباب عدة اولها احترامى البنوىالتام لرئيس الكنيسة على الارض, حضرة صاحب القداسه و الغبطة البابا البطريرك انبا شنودة الثالث, و هو من اعظم من جلس على عرش مار مرقس من الرجال بلا منازع. فالرئيس الوقتى للكنيسة يتمتع بالقداسة و الحكمة و الذكاء النادر و هو بلا شك خادم امين لسيده وكنيسته وشعبه يسعى الى خلاصه و يعمل على راحته, وهو محب لمصر لا يكل و لا يتردد فى بذل ما يستطيع من جهود تزكيها مكانة سامية و حكمة نادرة و محبة غامرة للحفاظ على سلامة الوطن و امنه. فالكنيسة و القدر الذى اتيح له من التعامل فيما يوجه مصير الوطن تحظى بصلاة و عقل و قلب هذا البطريرك ادام الله ايامه على الارض لسنين عديدة مقبلة. و فى هذا المضمار, اجد انه من الامانة ان اقول اننى تشرفت بالمثول بين يديه لعدة ساعات فى مقر اقامته بالقاهرة و فى بعض زياراته المتعددة للولايات المتحدة. عززت لقاءاتى بقداسته كل ما كنت اعلم عن شخصه الوديع المحب و ما يتمتع به من معرفة بمجرى الامور و طبائع البشر و الاحداث. هذا بالاضافة الى خفة الظل المصريى الاصيلو و الكاريزما التى لا تقوم.
كان من الضرورى ان اوضح ما سيلى فى هذا المقال بهذه المقدمة الطويلة لابرر ما قد يبدو من بعض التجاوز فيما ساعرض عند تناول صلب الموضوع, خاصة و قد سبق لى ان اوضحت امتناعى التام فى الماضى عن التعرض بابداء الرأى فى شؤن الكنيسة الداخلية ليس فقط لثقتى التامة فى قدرات رئيسها الارضى بل ايضا لعدم معرفتى بكافة الحقائق و عدم الرغبة فى و المقدرة على استقصاء طبائع الاشخاص و اصول الاحداث بما يرضى احساسى الفطرى بالعدالة و الالتزام بقواعدها شبه المقدسة.
انا شديد الحزن و لا اريد ان اقول القلق على ما يجرى من احداث و مناورات حول اختيار الرئيس القادم للكنيسة. الحزن فمسبباته واضحة, اما القلق فاعزوه الى حبى الشديد للكنيسة و لمصر, وهو بلا شك فى غير موضعه لان صاحب الكنيسة قد وعد بان قوى الجحيم لن تقوى عليها, و لاانه بارك شعبه مصر بالالتجاء اليها و باقامة مذبح له فى وسطها. على اى الاحوال, دعنى اشارككم هذه الخواطر.
1. من المسلم به انه "من قلة الذوق" و الادب و انعدام الاخلاق و انكار الجميل ان يتجاسر احد مهما كان غرضه او وضعه او مكانته بقول او بفعل ما حملته لنا الانباء المخزية عن "التنبوء" بوقت و شخص من سيخلف البابا, خاصة اثناء حياته على الارض و التى اعلم ان الغالبية العظمى من الاقباط و الكثير من مسلمى مصر يصلون من اجل الحفاظ عليها و اطالتها. فهل يظن مروجو هذه السخافات ان "الناس هبل" ستصدق ما يتدنى الى سفليات الشعوذة و قبول انبياء كذبة جدد حذرنا المسيح من شرور الانقياد لهم. و كان ما نحن نعانى منه الان فعلا لا يكفى للتذكرة بخطورة الانصياع لهم و بما يجلبون على العالم من كوارث لا تنقطع.
2. تزايد عدد المطارنة و الاساقفة فى المجمع المقدس, وهو السلطة الدينية العليا للكرازة المرقسية على الارض, الى ما يتعدى المئة و العشرين عضوا و ذلك لحرص البابا الجالس على الكرسى المرقسى حاليا على انتشار و تكثيف الرعاية و الخدمة المتاحة لشعب المسيح فى مصر و المهجر.
3. من المتوقع, و قد ازدادت اعداد اعضاء المجمع المقدس الى هذا القدر, ان تتبلور داخله جماعات مختلفة الاتجاهات و الوسائل و ان كان من المفترض ان يلتزم الجميع بالتعاليم الرسولية الارثوذكسية التى تسلمناها و حافظنا عليها بالحرص الشديد و الدماء الغزيرة سكبت من أجلها. ناهيك طبعا عن السلوك المسيحى القويم المفترض و المتوقع من خلفاء رسل المسيح و رعاة شعبه.
4. من الواضح, نتيجة لما نسمع و نرى, ان ليس جميع اعضاء المجمع المقدس بالملائكة. فقد اثبت البعض منهم انهم معرضون للتجارب و الاخطاء والطموحات و الاهتمامات الدنيوية. و من هنا بدأت المناورات الرخيصة و التربص المقيت و المخزى للقفز لاعتلاء الكرسى البابوى فور خلوه.
5. لا شك ان الدولة, و هى غير صديقة للكنيسة و لا تتمنى لها النجاح او التقدم او الخير كما يعلم اكثر الاقباط جهلا و سذاجة , قد غرست بعض المفضلين لديها بين جماعات المجمع المختلفة. و لا شك ايضا انها ستعمل بكل ما تملك من جبروت و حيل شيطانية وضيعة على تجليس رجلها المختار على الكرسى البطريركى.
6. اما المجلس المللى, فهو بالاضافة الى عدم فاعليته المخزية فى المطالبة بحقوق الاقباط و اسئناس السلطة الحاكمة المذرى على الاقل للبعض من اعضائه الذين رأينا و سمعنا منهم ما لم نرى او نسمع من شيوخ التعصب الاسلامى, هو عامل سلبى ليس فقط فى كفاح الاقباط للحصول على حقوقهم المدنية بل انه قد يكون, و فى غالب الظن سيكون, حصان طروادة آخر ستخترق به السلطة اخطر ما سيواجه الاقباط من قرارات و هو اختيار الرئيس القادم للكنيسة بما يلائم مشروع اسلمة مصر و القضاء على الهوية والوجود القبطى بها.
7. ففيمن يثق الاقباط اذن عند اختيار راعيهم القادم؟ فى رأى الخاص, و اعلنه بلا تردد, ان الاجابة على هذا السؤال المصيرى هوالثقة فى شخص واحد لتحديد من يصلح لهذه المسؤلية الجسيمة. هذا الشخص هو البابا أنبا شنوده الثالث ذاته. فهو بكل اخلاصه لسيده الذى ائتمنه على شعبه, ولعظم شعوره بهذه المسؤلية حتى اثناء تكالب المرض على جسده, ولحبه الغامر الشامل غير المشروط لشعبه و وطنه ولكل القدر و المقدارالذى وضعه فيه التاريخ بثبات كأحد اعظم باباوات الاسكندرية, و لوافر علمه بمن حوله و ما يجرى بينهم من تفاعلات و احداث, ليس هناك من هو افضل منه لاختيار خليفته سوى المسيح.
لهذا أدعو قداسته بكل الاحترام و التواضع والمحبة و الاخلاص البنوى, و بالرغم من تجاوزى قواعد السلوك القويم فى هذا الشأن, و لأملى الشديد فى ان قداستة سيغفر لى هذا التجاوز لعلمه بقدر حبى و احترامى لشخصه الكريم, ان يتفضل بالافصاح "علنا" عن الاسلوب الامثل الذى يراه لاختيار خليفته بعد عمر متوشالح بل و بالاشارة الى الاشخاص الذين يراهم صالحين لهذه الخدمة ثقيلة الاعباء و هذه المسؤلية الجسيمة تجاه مصرو اقباطها. ان تفضلتم و فعلتم يا صاحب القداسة فلى اعتقاد راسخ بان سيكون فى ذلك الكثير من الحماية لشعبك الذى احبك و احببته كثيرا.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6626&I=180