أحداث رفح مؤشر على المستقبل المظلم المتربص بشعبنا

طلعت الصفدي

بقلم: طلعت الصفدي
تابعت جماهير شعبنا الفلسطيني ، وقواه الوطنية ، ومؤسسات حقوق الإنسان، والعديد من الدول العربية وإلاقليمية والدولية  ، وقوات الاحتلال الاسرائيلى المتربصة والمتأهبة، تطورات الأحداث المأساوية  في مدينة رفح ، قلعة الصمود الجنوبية من الوطن ، الملطخة بالدماء ، والتصفيات الجسدية  لعناصر المجموعات السلفية التي تحصنت في مسجد ابن تيمية التي أقدمت عليها حكومة حماس  بلا رحمة ولا شفقة ، وراح ضحيتها أكثر من 25 قتيلا ، وحوالي 150 جريحا جميعهم  من أبناء شعبنا .

وإذا كنا نختلف مع هذه المجموعات السلفية سياسيا واجتماعيا وديمقراطيا  ،فكرا ومنهجا وحياة  بسبب اعتمادها أسلوب العنف لفرض رؤيتها الخاصة على المجتمع الفلسطيني ، والذي ما زال لم ينجز مرحلة التحرر الوطني ، عبر استخدامها وسائل التفجير لبعض مراكز الانترنت ، وبعض محلات الحلاقة والكوافير ، وإحراق بعض المؤسسات ،  وإلقاء القنابل اليدوية باتجاه سيارة مدير عمليات الوكالة أثناء مغادرته لأحد مدارس الوكالة بعد الانتهاء من المخيم الصيفي للأطفال في مدينة رفح تحت حجة اختلاط الأطفال ، واتهامها من قبل أجهزة الحكومة المقالة بوضعها العبوات الناسفة أسفل منصة العروسين في مدينة خانيونس وغيرها وغيرها...  أن مثل هذه المسلكيات  تندرج في قائمة الإرهاب والتطرف ، وسياسة التخويف والإكراه ضد  شعبنا ، وفرض نهجها الظلامى  على المجتمع الفلسطيني ، وحتى الدعوة لإقامة الإمارة الإسلامية في فلسطين لا تمتلك مقومات النجاح أولا بسبب وجود الاحتلال الاسرائيلى ، وثانيا بسبب الحصار المشدد والإغلاق المتواصل على قطاع غزة ، وثالثا  الاعتماد على التهريب  وفائض  الأنفاق ، وتجارة السوق التي يعج بها السوق التجاري والمالي ،وتنامي شركات تبييض الأموال المهربة ، والمستقطعة من المواطنين كضرائب على البطالة والجوع والانقسام  ، أو نتاج بيع المساعدات العربية والدولية التي لا تصل لمستحقيها من الفقراء والمستضعفين والعاطلين عن العمل والمعوزين.
 
وهى بمجملها تعبير سافر عن انتهاك فظ للحقوق العامة والخاصة للمواطنين وامتهان لكرامتهم والتعدي على حرماتهم بدعوى الحفاظ على الآداب العامة ، وهى محاولات مشبوهة تهدف في محصلتها بوعي أو بدون وعى  لحرف نضال  جماهير شعبنا عن معركته الحقيقية على الأرض  مع الاحتلال في الضفة الغربية التي ينهشها الاحتلال بشكل استيطاني يوميا  ، وإلهاء المواطنين بقضايا ثانوية  لا تحتاج للعنف ،بل للتسامح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ،والعمل على تحسين المناخ الحضاري المجتمعي ،وتعزيز الجبهة الداخلية ،  وخصوصا أن الشعب الفلسطيني شعب  محافظ وليس أصوليا ، وان مثل هذه الممارسات تتناقض مع تراثه وتقاليده المجيدة .

وعلى الوجه الآخر فان تعامل الحكومة المقالة مع هذه المجموعات باستخدام القوة ، وبأدوات قمعية  ليست مستغربة ،أو بعيدة عن مفاهيم هذه الجماعات  الأصولية، فكلاهما ينتمي  للإسلام السياسي ، وجذورهما تنبع من حركة الإخوان المسلمين   ، وممارستها  المتطرفة المتكررة منذ أكثر من عامين مع الخصوم السياسيين واضحة ،وما محاولتها الأخيرة فرض رؤيتها الخاصة على لباس المحاميات الفلسطينيات أمام المحاكم النظامية  ، وإشاعة اللباس والحجاب على طالبات المرحلة الثانوية إلا تأكيدا لذلك .
إن هدفها غير المعلن  في عدم قبولها  لقوى منافسة أخرى مؤثرة  على ساحة قطاع غزة ولو كان  من ضلعها الأيمن  ، ولو أدى ذلك للتعامل معها وتصفيتها ، خصوصا في ظل  مجموعة من المتغيرات العربية والإقليمية والدولية تمسها وتؤثر في بقائها ، فهل الهدف من مجزرة رفح   تقديم رسائل وإشارات وإيماءات لمن يهمه الأمر، وكتعبير عن وجهها الجديد ، وبرجماتيتها الجديدة بعد أن فشلت في الحصول على شرعيتها حتى من بين الداعمين لها ؟؟

إن  اهتزاز شعبية احمدي نجاد في إيران بعد الانتخابات الرئاسية ، كونه الممول المالي الأول لحركة حماس ، وانقسام المجتمع الايرانى بين محافظين وإصلاحيين ،   وتصاعد موجات الاحتجاجات الجماهيرية ،وصيحاتها الرافضة  للتدخل في الشؤون الداخلية لكل من فلسطين ولبنان وأفريقيا، ومطالبتها بوقف الدعم لحركتي حماس وحزب الله ، والاهتمام بقضايا الشعب الايرانى الداخلية الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة، والتوقف عن توتير العلاقات مع العالم العربي  والدولي ، وإخفاق حزب الله في لبنان في تحسين نفوذه ومواقعه عبر الانتخابات البرلمانية اللبنانية ، وتصاعد التوتر على الحدود اللبنانية ، والتهديدات الإسرائيلية المتكررة للبنان  ، والانفتاح السوري على الإدارة الأمريكية الجديدة والدول الأوربية، واستقبالها الوفود المختلفة لتحسين سمعتها ، وإخراجها من عزلتها المفروضة عليها  ، واستمرارها التمسك بالمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل التي ترعاها  تركيا ( حلف الناتو ) ، ونجاح انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح في بيت لحم بعد غياب عشرين عاما ، وإعادة انتخاب قيادتها المركزية ومجلسها الثوري ، على طريق ترتيب بيتها ،واستجماع قوتها ،واعترافها بأخطائها التي أفقدتها جماهيرها ومواقعها وخصوصا قطاع غزة ،وإعادة دور اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باستكمال الشواغر لأعضائها، كمقدمة لإجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني ،مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية للمجلس التشريعي الفلسطيني التي تنتهي ولاية كل منهما  الدستورية بعد 25/1/2010 ولا يلوح في الأفق إمكانية إجراؤها.. 

وتزايد ضغوط  حكومة نتينياهو العنصرية والمتطرفة  ،ومحاولة فرض شروطا تعجيزية جديدة كالاعتراف بيهودية الدولة ، والخسائر الفادحة جراء العدوان الاسرائيلى المتواصل على شعبنا وحصاره المحكم على قطاع غزة ، وتصاعد نقمة الجماهير المسحوقة ،وتردى أوضاعها الأمنية والمعيشية.. الخ  كل هذه المتغيرات ربما فرضت على حكومة حماس أن تعيد حساباتها ، وتظهر  استعدادا للتعامل معها ومع حكومة اوباما ، وتقديم عربونا ودفعة أولى على الحساب  وشهادة حسن سير وسلوك عبر تصفية هذه الجماعات التي تحاول تعطيل مهمتها ، منتهزة ذريعة إعلان هذه الجماعات انتمائها للقاعدة ،ودعوتها لإمارة غزة الإسلامية ، وليست ردا على  ممارساتها وسلوكها طيلة الأربع سنوات الماضية .
لقد أثبتت  حكومة  حماس قدرتها ورغبتها في الحفاظ  على  الهدوء والسكينة على حدود  غزة مع إسرائيل، وتابعت ملاحقة مطلقي الصواريخ والهاونات على البلدات الإسرائيلية، والتي كانت في الماضي نضالا تحولت بعد الانقلاب إلى خيانة للمصالح العليا للشعب الفلسطيني ...  هل تنتظر اعترافا بشرعية انقلابها في قطاع غزة ، والاحتفاظ بدورها في مفاوضات لاحقه ؟؟ وهل  وصلت رسائلها وإشاراتها وايمائاتها  لمن يهمه الأمر  في انتظار  بعض المكاسب على حساب الوطن والشعب والقضية ؟؟؟   إن المستقبل القريب سيعطى الجواب الشافي والمغزى الحقيقي للمجزرة التي ارتكبتها في رفح  ،وان غدا لناظره قريب .

طلعت الصفدى
غزة فلسطين
talat_alsafadi@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع