الخبراء يؤكدون: الشائعة جزء من تركيبة المصري

محمد زيان

-  د. صلاح قنصوة: مش المهم تكون صح ولا غلط.. والمصري دائمًا يفلسف الأمور بطريقته.
-  د. صفوت عبد الغني: التعتيم الحكومي وراء رغبة المواطن في التعليق وإطلاق الإشاعات.
-  خيري شلبي: أجهزة الدولة هي المسئول الرئيسي... ومصر في مقدمة الدول مُصدّرة الإشاعات.
تحقيق: محمد زيان - خاص الأقباط متحدون

الشائعة جزء من تركيبة المصريتحظىَ مصر بمعدل عال من انتشار الشائعات بشكل تكاد تكون الأولى عالميًا في تصديرها لهذا المنتج البسيط في التكلفة الغالي في نتائجه، فالإشاعة لا تكلف صاحبها إلا عدد من كرات تحريك اللسان وإخراج بعض الكلمات تتناقلها ألسنة عديدة تتمدد بعدها لتملأ مساحة كبيرة هي المسافة بين الحدث وردود الأفعال عليه في مجالات عديدة قد تكون الاقتصاد أو السياسة أو فروع أخرى، وعمومًا تبقى المحصلة النهائية في خسارة المجتمع.
سألنا الخبراء عن الشائعة والتفسير الطبيعي لسيرها في المجتمع، وهل الشائعة مكلفة؟ ولماذا تنطلق بهذا الشكل؟ وهل أصبحت مصر بلد إشاعات؟؟ في هذا التحقيق رصدنا مجموعة من الإشاعات التي انطلقت في مصر وأثارها ورأي الخبراء: 
"موت الرئيس"
أشهر الإشاعات التي سادت الأوساط المصرية في الفترة الماضية هي إشاعة موت الرئيس مبارك والتي تناقلتها أجهزة الإعلام المحلية والعالمية والتي قيل أن ورائها السفير الأمريكي السابق "فرانسيس ريتشاردونى" في إحدى اللقاءات شبه الدورية التي كان يعقدها مع المثقفين والإعلاميين ورجال الأعمال في مصر والذين تربطهم مصالح بالولايات المتحدة، ففي أحد هذه اللقاءات قال "ريتشاردونى": إنه شعر في أخر لقاء مع الرئيس مبارك بأن حالته الصحية ليست على ما يرام وأنه يريد أن يسمع رؤيتهم لمرحلة ما بعد مبارك‏..‏ وهنا وبعد أن انتقلت الشائعة كالنار في الهشيم خرج "دونى" وأعلن على الجميع أنه لم  يتعرض  لصحة الرئيس في حديثه مع هؤلاء الصحفيين والإعلاميين.
إلا أن الإشاعة انتشرت كالنار في الهشيم وتناقلتها وسائل الإعلام وهو ما أثر بالسلب على البورصة المصرية.
"موروث"
د. صلاح قنصوةويؤكد الدكتور "صلاح قنصوة" أستاذ الفلسفة بأكاديمية الفنون ومقرر لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة: أن المحدد  ليس هو مدى صحة أو عدم صحة الإشاعة، إذ أن مثل هذه الشائعات تنطلق من خلال موروث قديم أو تراكم في العقل الجمعي من خلال ملاحظة شيء معين وبالتالي يبدأ المواطن في نسج الخيالات من حوله ويتناقله مع ذويه، وهذه المسألة متأصلة في الشعب المصري عمومًا لدرجة أنك تجد من كثرة الإشاعات التي تنطلق في مصر أن يقول لك البعض تعليقًا على موقف معين أو خبر معين: "دي بلد إشاعات"، فتركيبة الشعب المصري المحب للحديث في كل ما هو جديد بطبعه تجعله لابتكار واختراع مواقف معينة ونسج الأخاييل حولها وبالتالي فهو ربما لم يكن يقصد أن تنتشر بهذه الصورة.
"الماء الملوث"
شائعة أخرى انتشرت في مصر بعنوان "الماء فيه سم قاتل" وكانت في عام 2006، حيث انتشرت إشاعة  تلوث ماء النيل بشكل ارتبك معه الجميع في مصر، وقيل أن هذه الشائعة كانت وراءها شركات المياه المعدنية بقصد تحقيق أرباح عالية، وقد أرجع المراقبون انتشار الإشاعة وقتها إلى رغبة المواطن المصري في إيجاد تفسير للعدد الكبير لحالات الفشل الكلوي في مصر.
إشاعة تقول: "لو قربت من الفرخة هتكاكى وتموت" انتشرت أيضًا في أعقاب أزمة التعامل الحكومي مع أنفلونزا الطيور لدرجة أن هناك حالة من الهلع انتابت المجتمع المصري خوفًا من الاقتراب من الفراخ.
"لبان جنسي"
بالإضافة إلى شائعة اللبان الجنسي وعدم موت صدام حسين والذي كتب فيه "أنيس الدغيدى" كتابًا كبير.
أما شائعة اللبن السيراميك فقد تناقلتها بشكل كبير وسائل الإعلام لدرجة أنها احتلت مساحة كبيرة وقتها.
قيل أن الهدف منها الإقبال على اللبن المعلب غالي الثمن ‏وهو الأمر الذي تحقق للشركات المنتجة لهذا النوع من الألبان وبالتالي استنزاف المواطن المصري والإضرار به اقتصاديًا.
"تعتيم"
أما أسباب الشائعات وانتشارها بهذا الشكل فيورده الدكتور "صفوت عبد الغني" أستاذ الإعلام بأكاديمية أخبار اليوم في التعتيم الذي تمارسه الحكومة في أحيان كثيرة والذي يأخذ منحنى التنبؤ عند المواطن العادي ومحاولته فلسفة وتبرير كل ما يحدث، وبالتالي فأن المواطن المصري قد يفسر موقفًا سياسيًا معينًا اتخذته الحكومة في صورة تضر المجتمع كله وتحقق خسائر اقتصادية جسيمة للمجتمع.
أما الرغبة في وضع التصورات والتعليق على أفعال الحكومة فهو التفسير الثاني الذي يورده "عبد الغني" لكل ما يقوم به المواطن المصري من التعليق على الأحداث وإصدار الإشاعات التي تسري في المجتمع بغير قصد أن يطلق شائعة، ناهيك عن أن المواطن المصري لديه الرغبة المبدئية في إصدار الشائعات فهي جزء من التكوينة المصرية وجزء من الشخصية المصرية.
"الوثائق الكاذبة"
ومن الشائعات القديمة ما قيل في عام ‏1928‏ عمّا سميَّ وقتها الوثائق الكاذبة التي كان الهدف من وراءها إقالة حكومة النحاس وكان الملك فؤاد وراءها وكانت هذه الوثائق تدين رئيس الوزراء "مصطفى النحاس" رئيس الوزراء وتحمل اختلاسات ومجموعة من الأفعال.‏
وفي هذا العام انطلقت شائعة عن زيادة رسوم الزواج ساهمت في زيادة الإقبال على الزواج حتى عن الشباب دون السن القانوني وهي الإشاعة التي انطلقت عام ‏1956‏ أيضًا حيث خرجت شائعة تقول بزيادة رسوم الزواج.
"شفافية"
المؤرخ خيري شلبي ويشير المؤرخ خيري شلبي إلى أن غياب الشفافية والمعلومات السليمة وتدفقها بشكل طبيعي من الجهات المسئولة في الدولة هو السبب الأساسي والرئيسي في اندفاع تيار الشائعات ليجرف المجتمع وربما يسبب له المشكلات التي تكبده خسائر في مجال الاقتصاد والسياسة وطريقة سير الأمور الطبيعية داخل هذا المجتمع.
ويؤكد شلبي: أن مصر تحظى بقدر كبير من الشائعات التي لا تنطلق في العالم بحكم الشخصية المصرية التي لديها قدر ضئيل من القراءة مع رغبة كبيرة في فلسفة الأمور وتبريرها وإطلاق الأحكام حولها.