بقلم : نبيل عبدالفتاح
لابد من وقف عمليات التحول نحوالطائفية- كنظام اجتماعي, ونمط علاقات ومعاش, وحصص, ولغة يومية, وإشارات وعلامات رمزية, لأن الرؤية النعامية- من نعامة- ثبت فشلها تاريخيا, ومعها تراث من الشعارات الجوفاء حول المؤامرة الخارجية علي الوحدة الوطنية! والأعداء الذين يتربصون بالأمن والاستقرار الداخلي!
أثناء كل أزمة طائفية تستدعي الشعارات السابقة, ومعها مقولة أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها! والتعبير ذائع وبليغ, لكن إمعان النظر يكشف عن عدم نكران وجود الفتنة- وهو تعبير ومفردة دينية- لكنها نائمة! من ناحية أخري يحيل التعبير/ الشعار المسئولية عن وأدها إلي الله سبحانه وتعالي بلعنة من أيقظها والعياذ بالله. تعبير ذائع يكشف عن ضعف روح المسئولية- في الإعلام وتصريحات بعض رجال السياسة والدين- والإرادة والعزم السياسي علي مواجهة مصادر الفتن الطائفية, ونشطائها والأهم التصدي لعمليات التحول إلي النظام الطائفي في المجال الاجتماعي.
أحد أبرز ملامح الإخفاق في إيجاد سياسة فاعلة في مواجهة عمليات التحول والتمدد نحو الطائفية, يتمثل في غموض الرؤية السياسية للمواجهة, والتناقض بين مقولاتها وشعاراتها المعلنة, وبين المسكوت عنه. الخطاب/ الرؤية يعتمد علي مبادئ المواطنة والحرية الدينية والحق في ممارسة الشعائر الدينية, والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين المصريين أيا كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية والنوعية والمناطقية والاجتماعية. خطاب فوقي وموسمي يقال إزاء خطابات انتقادية من أقباط المهجر, وبعض المنظمات الحقوقية العاملة في مجال الحريات الدينية, وحقوق الأقليات, أو إزاء تقارير أمريكية, أو كتابات صحفية أورو-أمريكية حول بعض أشكال التحيز السلبي إزاء الأقباط في قضايا عديدة من بعض موظفي جهاز الدولة البيروقراطي!
الخطاب المضمر يشير إلي أننا إزاء قضايا موروثة وتاريخية ومعقدة وتحتاج إلي وقت طويل لمعاجتها. ومن ناحية أخري, ثمة تخوف من مواجهة ضارية مع ثقافة الغلو الديني والسلفي التي تنتشر- بتوافق وتواطؤ- بعضهم داخل أجهزة الدولة, لإثبات أن النظام والصفوة الحاكمة لا تعادي القيم والعقائد والطقوس الإسلامية, وأشكال التأسلم السياسي والاجتماعي الاستعراضية الطابع والممارسة!
ازدواجية الخطاب باتت معروفة, وتشكل في ذاتها عائقا اتصاليا في التعامل مع التمدد السريع نحو الطائفية, ويحمل نذر خطر داهم علي تركيبة الأمة الواحدة! ثمة حاجة لضرورة مراجعة أساليب التعامل مع أشكال الانتقال نحو الطائفية الاجتماعية, وذلك قبل طرحنا حزمة حلول يمكن استعمالها في هذا الصدد.
أولا: فشل النظام العرفي وآلياته في حل منازعات متعددي الأديان:
يعود إخفاق المجالس العرفية وآلياتها وأساليب حلها إلي مايلي:
1- معرفة الأطراف المتنازعة من المسلمين والأقباط أن مآل النزاع الطائفي هو الحل العرفي( التعويضات, وتقبيل اللحي تحت إشراف الأمن والمحافظ وبعض أعضاء مجلسي الشعب والشوري من الحزب الحاكم, وبعض رجال الدين الرسميين). من ناحية ثانية يدرك الأطراف أن اللجوء إلي النظام العرفي يعني إفلات الجميع من تطبيق قانون الدولة وعقوباته الرادعة في حالات جرائم الضرب, الحرق, وإتلاف المزروعات, والضرب المفضي إلي موت أو إلي عاهة مستديمة.. إلخ. من ناحية ثالثة الطرف المعتدي- ذو الغلبة العددية-يدرك أنه حقق الأهداف المبتغاة من العدوان علي الغير الديني- غالبا مسيحيا-, وهو إشاعة الخوف والرعب وتكبيله بالصمت عند كل اعتداء!
2- تكرار اللجوء إلي المجالس العرفية أثبت فشل وعدم جدوي الاتفاقات التي يصل إليها أطراف النزاع الطائفي والتي تميل الي بعض التنازلات المختلفة وهو ما يشمل توطؤا من أطراف رسمية- منوط بهم تطبيق القانون- علي عدم إعمال قواعده وأحكامه علي المخالفين لها.
3-المجلس العرفي يطبق قانون الأكثرية العددية إزاء الأقلية المغايرة دينيا, وهو أمر حاكم لذهنية المتفاوضين والوسطاء من رجال الأمن والدين والحزب الحاكم وكبار العائلات وذوي النفوذ, وميلهم إلي مرضاة الأقلية ماديا, والأغلبية معنويا وتكريس بعض هيبتها.
4- اعمال القانون العرفي يؤدي إلي إعادة إنتاج النزعة الطائفية ويساهم في تسريع معدلات التحول إلي الانقسام الطائفي الاجتماعي الرأسي والأفقي في السلم الطبقي.
5- تعميق الوعي والانتماء الديني المتشدد علي الوعي السياسي بالانتماء القومي والوطني لمصر الأمة والدولة الحديثة. يكرس الانتماء الديني الضيق وشبه المغلق معاني الانسلاخ عن جسم الأمة الحديثة وتضاريسه الاجتماعية والسياسية المتعددة والمركبة. ويترتب علي ذلك نبذ فكرة ومعاني الموحدات الوطنية, والتاريخ والذاكرات المشتركة حول الوقائع التاريخية الكبري للكفاح الوطني المشترك- للمسيحيين والمسلمين معا- والمؤسسة لتاريخ الدولة والأمة. يؤدي أيضا وأيضا تسييد سلطة الديني إلي نفي الهويات المؤسسة للرأسمال الرمزي للأمة الواحدة!
6- لجوء بعض أجهزة القضاء إلي القضاء العرفي- مجالس الصلح- تعني استبعاد سلطة النظام القضائي الرسمي في نظر المنازعات القانونية المترتبة علي المشاكل الطائفية سواء كانت ذات طبيعة جنائية أو إدارية أو مدنية أو دستورية بين المواطنين المسلمين والمسيحيين أو البهائيين أطراف النزاعات. يؤدي ما سبق إلي عديد من النتائج الخطيرة علي هيبة ومكانة ونفوذ الدولة وسلطاتها وقضائها الوطني, ونشير إلي بعضها تمثيلا لا حصرا فيما يلي:
أ- إشاعة معني عجز الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية والإدارية عن تطبيق القانون الرسمي.
ب- إضعاف هيبة ونفوذ القضاء والجماعة القضائية, وهو أمر كرسته المجالس العرفية, وهجوم بعض الصحف القومية علي القضاة الإصلاحيين, وكيل بعض الاتهامات لبعضهم بتسيس أعمالهم! وهو ما يتماشي مع رغبة بعض دوائر رجال أعمال, والوزراء في إضعاف القضاة والقضاء! أدي ذلك إلي نتائج وبيلة كبروز بعض اعتداءات الجمهور علي بعض القضاة من أهالي واتباع بعض المتهمين بعد صدور أحكام ضدهم!
ج- أدت المجالس العرفية في القضايا الطائفية تحت إشراف بعض أجهزة الدولة إلي بروز ظاهرة التشكيك في الأحكام القضائية, والبحث في نوايا بعض القضاة, وتجريح نزاهة بعضهم في أحكامهم!!
7 - كرست المجالس العرفية دور وسلطة رجال الدين في الحياة المدنية, وفرض سلطانهم وتوجيهاتهم علي المواطنين في قضايا اجتماعية وسياسية, مما أدي ولا يزال إلي تمدد تدين المجال العام عموما والسياسي خصوصا إسلاميا ومسيحيا, وهو ما كرس تسييس الدين ورجاله من حيث لا تحتسب بعض أجهزة الدولة الأمنية والمحلية ورجالها.
ثانيا: فشل آليات المواءمة السياسية في التعامل مع التوترات والعنف ذي الوجوه والتأويل الديني والطائفي, وذلك عن طريق التغاضي وتجاهل بعض تجاوزات من لدن بعض رجال الدين, بل المبالغة في مجاملتهم, وهو أسلوب لم يحقق نجاحا لعديد من الأسباب نذكر بعضها تمثيلا لا حصرا فيما يلي:
1- المجاملة أدت إلي رهانات بعض الأطراف علي الدعم الدولي وأساليب المناصرة من الجمعيات الحقوقية الدولية المعنية بحقوق الأقليات الدينية أو العرقية بكل انعكاسات ذلك علي معاني الاندماج والوحدة الوطنية.
2-ممارسة الضعوط الخارجية علي النخبة السياسية الحاكمة مما يؤدي إلي لجوئها إلي قانون الملاءمة السياسية في بعض المنازعات, وعدم تطبيق قانون الدولة, ولجوئها إلي القضاء العرفي. ترتب علي ذلك أمر بالغ الخطورة ألا وهو إشاعة إدراك ملتبس لدي الأغلبية المسلمة حول فكرة استقواء بعض نشطاء الأقباط- وآخرين داخل المؤسسة الدينية- بالغرب والخارج! هذا الإدراك يشيعه بعضهم- من ذوي التوجه الإسلامي السياسي- بهدف إعادة إنتاج الصراع الإسلامي مع الغرب, بكل ما ينطوي عليه من صور سلبية عن الاستعمار الغربي, والاستكبار والصليبية الدولية إلي آخر هذا التيار المتدفق من الصور البسيطة والساذجة والنمطية التي يجيد بعض هؤلاء ترويجها في بلاهة وخفة لا تحتمل!
إن فشل الآليات السابقة, يعكس نمطية في التفكير البيروقراطي الذي يدير مشاكل التحول نحو الطائفية, وتحتاج إلي مراجعات نقدية وسياسية لها, مع آليات أخري فاشلة ستعرض لها في المقال القادم, في سعينا إلي بلورة سياسية جديدة لوقف التحول نحو الطائفية الاجتماعية والسياسية والدينية في مصرنا العزيزة.
نقلا عن الأهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=6715&I=182