صبري الباجا
بقلم: باحث/ صبري الباجا
تشهد ساحة السياسية المصرية حاليًا سباقًا محمومًا بين طوائف وجماعات مختلفة حول تسمية الرئيس القادم لمصر، اشتد وطيسه بعد تصريحات من قادة دينيين وممثلين لجماعات متعددة وبعض قادة أحزاب، وعلى الرغم من الضجيج العالي المصاحب لذلك نلحظ عددًا من النقاط الجوهرية التي لا يمكن لمراقب أن يغفلها:
الأولى: أن المرشح الذي يدور حوله النقاش لم يعلن عن رغبته ولو لمرة واحدة في الترشيح، بل ما زال ينفي ذلك رسميًا في كل مناسبة يظهر فيها من خلال وسائل الإعلام، وكذلك يفعل والده السيد الرئيس.
الثانية: السيد الرئيس ما زال يشغل المنصب حتى انتهاء مدته الرئاسية (2011) على الأقل!! ولا يوجد دستوريًا ما يمنع ترشيحه لمدد أخرى، إضافة إلى أن الرجل لم يبد أية رغبة في ترك المنصب، بل تصريحاته تؤكد أنه باق وحتى النفس الأخير في منصبه.
الثالثة: يتم هذا الصخب بعيدًا عن المشاركة الشعبية المنصرفة تمامًا عن العمل السياسي. والتي تبدو عاجزة عن أي مقاومة سياسية تجاه ما يحدث.
الرابعة: والأحزاب وجماعات المعارضة –أغلبها- فشلت في أن تكون قوة مؤثرة، وعجزوا أن يتوحدوا حول أجندة حدود دنيا تقود عملية التغيير المنشود.
ولكي يستقيم أمر الحوار يرى الكاتب أن ما يجب أن يوجه له الاهتمام في مصر وفي هذا التوقيت على وجه الخصوص وله أولوية السبق عن ما سواه هو:
كيف تُحكم مصر؟! وليس من يحكم مصر؟!!
1) حول كيف تُحكم مصر؟!
رغمًا عن كون مصر ما زالت تحكم تحت مسمى شرعية ثورة 23 يوليو 1952، والتي لم تصدر حتى الآن وثيقة جديدة تلغي مبادئها التي قامت من أجل تحقيقها وقُبلت مجتمعيًا على أساسها، إلا أنها شهدت تحولات مختلفة وجذرية في خلال فترات حكم الآباء المؤسسين الأول والثاني، وكذلك فترة حكم الرئيس الحالي والمنتسب لذات الثورة!!، ولعل نظرة للحصاد السياسي والإقتصادي والإجتماعي لفترة حكم الرئيس عبد الناصر، والتحولات التي شهدتها فترة حكم الرئيس السادات، وما آلت إليه الأوضاع في ظل حكم الرئيس الحالي، يثبت لنا أن الحاكم في مصر يُحكم -بالسلطات المطلقة- وفقًا لهواه وخياراته وطموحه ورؤيته، لا يحد من نزاهته أو فساده سوى قيمه ومثله الشخصية، بأكثر من الحكم من خلال المؤسسات الدستورية، أو المبادئ المُعلنة حتى ولو رفعت شعارات تعلن أن مصر دولة مؤسسات(!!) أو كما في قول آخر "مصر دولة العلم والإيمان" أو تحت شعار "الاستقرار طريق التنمية" ولا أظن أن شعار (الفكر الجديد) سيختلف عن نفس الممارسات والأساليب إن لم يكن أشد تعسفًا وإهدارًا لطاقات وإمكانات الوطن إذا ما قدر لأصحابه الوصول إلى الحكم، يؤكد ذلك تقلبات الأحداث التي مرت بها مصر والتحولات المتناقضة للمبادئ التي قامت على أساسها ثورة يوليو، وانعكاس ذلك على المواطن المصري.
ولعل في التقرير الصادر مؤخرًا عن مجلس الوزراء والخاص بقياس الاتجاهات والذي انتهى إلى: تراجع قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة. ففي عهد عبدالناصر كان ميل المصري للطمأنينة قويًا، لاعتماده على شخصه وعلى الدولة التي وفرت له كل شيء. وفي عهد السادات بدأ القلق والاكتئاب يتسربان إليه، واستمر ذلك خلال الثمانينات والتسعينات حتى اليوم.
ولوحظ أن المصري أصبح الآن مسكونًا بالانفعالات المختفية تحت بعض الصمت والسكينة، الأمر الذي يعبر عنه بالمجاملة حينًا وبالنفاق حينًا آخر. وانتهى الأمر به أن هرب إلى الغيبيات. حيث الطمأنينة المزيفة، وامتزجت عنده روح الفكاهة بالاكتئاب، حتى أصبحت الفكاهة تعبيرًا عن المرارة والسخرية وليست عن المرح.
• والتقرير في مجمله حصاد وتقييم فترات حكم الرؤساء الثلاث (عبد الناصر والسادات ومبارك) يوضح مدي التباين والاختلاف الشديد بينهم في التوجهات الوطنية والعمل لصالح جموع الشعب، وجميعهم عمل تحت نفس الثورة واستمد شرعية الاستمرار في الحكم منها، لكن ذلك لم يمنع أن يصبغ كل منهم الوطن بلونه، ويحدد دور الوطن وتأثيره ومكانته الدولية وفقًا لقدراته الشخصية ورؤيته الذاتية، ولعل ذلك ما يدعو إلى أهمية أن تكون الأولوية المطلقة في الحوار الدائر الآن هو وضع الأساس لـ كيف تُحكم مصر؟!.
• ولا أظن أننا في حاجة لاختراع العجلة مرة أخرى، فتجارب شعوب العالم ماثلة أمامنا، كما أن المبادرات المطروحة من أحزاب وجماعات وأفراد، بجانب مطالب مشروعة لفئات مهمشة من الشعب تصلح كإطار لأجندة حدود دنيا يُتفق عليها ويُبنى عليها لاستكمال إطار لـ كيف تحكم مصر؟.
• وتتلخص أهم بنود أجندة الحدود الدنيا في:
دولة مدنية حديثة وديمقراطية تقوم علي أساس المواطنة واحترام القانون، المواطنون فيها متساوين في الحقوق والواجبات دون تمييز أو إقصاء لأحد بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة الدينية أو المركز الاقتصادي والاجتماعي، ويتم فيها تداول السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة.
وليس هناك شك في أن دولة المواطنة هي التي ستقضي على حالة الاحتقان بسبب التمييز التي يتم التعامل به مع بعض فئات المجتمع مثل الأخوة المسيحيين أو البهائيين، أوالنوبيين أو غيرهم. وتسمح بتداول سلمي للسلطة، وتفعيل القانون فيها، بما يمكن أن يحد من دور الفساد، ووضع قواعد المحاسبة التي تحد من شخصنة نظام الحكم في المستقبل.
2) أما عن مَن يحكم مصر؟!
البدائل المطروحة على الساحة المصرية محصورة في أربعة سيناريوهات:
1- استمرار الرئيس مبارك.
2- التوريث (نجل الرئيس).
3- الإخوان واستبدال الطغيان العسكري بطغيان ديني.
4- العسكر وخمسون سنة أخر حكم عسكري.
ولكل من السيناريوهات السابقة مآخذ و لن يقود أي منها مصر إلى مستقبل أفضل، أو حتى تحقيق أية انفراجة إقتصادية أو سياسية أو اجتماعية وذلك لغياب أجندة وطنية شاملة، وسيناريو استمرار حكم الرئيس مبارك وترشيحه لدورة سادسة أمر قد يتم دون صراع يذكر إذا ما استمر وضع الأحزاب على ما هو عليه، وبقيت المادة (76) إلا أن نتائج ذلك ستزيد من حجم المشكلات التي تعاني منها مصر، مما يؤدي إلى وقوع النظام بأكمله تحت ثقل المشكلات المتعددة ويضع مصر في دائرة الفوضى المدمرة.
ويستبعد الباحث كل من سيناريو استيلاء أي من الأخوان أو العسكر على السلطة في الفترة الحالية على الأقل، لأسباب كثيرة وتحتاج إلى تفصيل أكثر، ويبقي السيناريو الذي يحتاج لبعض التفاصيل باعتبارة السيناريو الأكثر ضجيجًا...
سيناريو التوريث:
تطالعنا موجة جديدة من الأخبار عن توريث نجل الرئيس مبارك تشارك فيها الصحف المستقلة والمعارضة بشكل متساوٍ أو أكثر مما تشير إليه –ما بين سطور- الصحف القومية، وهو الأمر الذي ساهم بشكل وافر في ترديد اسمه في الشارع المصري أكثر من أي وقت مضى، وغير خافٍ ما يحدثه ذلك التكرار من الاعتياد وبالتالي إلغاء الدهشة أو الصدمة، كما أن ذلك حقق له شهرة ما كانت تحققها أية حملات إعلانية، حتى وإن أنفق فيها ثروة هائلة، وقد ساهم مؤخرًا عدد من التصريحات المعبرة عن تأييد ضمني أو صريح لنجل السيد الرئيس، كان أبرزها تصريح قداسة البابا، والذي لم يقابل بالارتياح في كثير من صفوف المسلمين والمسيجيين، على خلاف الترحيب الشعبي الهائل الذي يلقاه عادة حديث قداسة البابا من المسلمين والمسيحيين على السواء، تلاه تصريحات متضاربة من جماعة الإخوان والجماعات الصوفية، وأفراد من أصحاب المصالح، وكل منهم يسعي طالبًا وده وتأييده، وهو أمر مثير للدهشة بسبب اختلاف التوجهات السياسية لهذه الجماعات والأفراد من ناحية، وتضارب مطالبها من ناحية أخرى، ودلالة ذلك الأمر أن هذه الجماعات والطوائف بات في ذهنها -تحت ضغط كثرة الحديث عنه- أنه الرئيس القادم لمصر، فسارعت ملوحة له بالتأيد لا عن قناعة به ولكن أملاً في تحقيق مطالبها وهو ما سيمثل مأزق حقيقي إذا ما حاول سداد فواتير تأييده المبكر التي يستحيل تحقيقها جميعًا لتضاربها، لأن ما ينهي الكثير من هذه المشكلات لا يتأتى إلا من خلال تغير شامل للدولة وتحولها من دولة شمولية إلى دولة مدنية قائمة على أساس المواطنة، وهو أمر لن يسعى إليه، بسبب التوازنات وحاجته لزيادة القبضة الأمنية واتخاذ المزيد من الإجراءات المقيدة للحريات، لتثبيت نظامه في مواجهة معارضة مواجهتها لن تكون بالأمر السهل، وعليه يمكن القول أن ذلك التسرع والذي ظهر وكأنه تصويت مبكر، كان في غير موضعه.
فإذا أضفنا لذلك نوعًا من التحليل الموضوعي لشخص السيد (نجل الرئيس) المستهدف توريثه حكم مصر باستخدام مصفوفة تقييم علمية تحسب كل من (نقاط القوة التي يملكها مقابل نقاط الضعف، وكذلك الفرص المتاحة له في مواجهة التهديدات)
تشير الحسابات النهائية لنتائج هذه المصفوفة إلى:
انخفاض نقاط القوة مقابل ارتفاع نقاط الضعف، ونقص في الفرص مقابل زيادة في التهديدات، وهو ما يعني تهافت سيناريو التوريث.
فهل نوجه اهتمامنا إلى الاتفاق على وضع أساس لـ كيف تحكم مصر؟.
ثم بعدها لن تكون هناك مشكلة في من يأتي لحكم مصر على أساس أجندة وطنية مُتفق عليها من جميع عناصر الأمة، وليس على هوى أجندته الخاصة.!!
باحث/ صبري الباجا
s.elbaga@yahoo.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=6826&I=186