الخطاب الديني وحتمية التجديد (1-2)

القس. رفعت فكري

بقلم: القس.رفعت فكري سعيد
الخطبة التي ألقاها الشيخ السلفي أحمد السيسي والتي كانت بعنوان “الطابور الخامس” بمسجد عباد الرحمن  بسبورتنج بالأسكندرية الأسبوع الماضي, تتطلب من المجتمع المصري وقفة جادة, ولا يجب أن تمر مرور الكرام دون محاسبة أو مساءلة, فهناك من يعبث بأمن الوطن جهاراً نهاراً , عياناً بياناً, مستخدماً أقوى خطاب مؤثر في الوجدان المصري ألا وهو الخطاب الديني   .

ونظراً لأن الخطاب الديني يُعد من أقوى الخطابات وأكثرها سماعاً وتأثيراً وقراءة, كثيراً مادعا الرئيس حسني مبارك ـ في معظم احتفالات الدولة بليلة القدر  ـ إلي تجديد الخطاب الديني,  وبات من الواضح أن الرئيس يكرر هذه الدعوة سنوياً مطالباً بالتجديد بين الحين والآخر دون كلل أو ملل, لأنه أحس إنه ليس من منصت ولا مجيب, بل إن هناك من يظن أن تجديد الخطاب الديني هو بدعة بل هو عين الكفر!!
 ومما لاشك فيه أن العالم العربي صار في هذه الأيام العصيبة أحوج ما يكون إلى هذه الدعوة ‏,فالخطاب الديني من شأنه أن يصنع إما أصدقاء للحضارة أو أعداء لها, ‏ وقد حان الوقت لترجمة دعوة الرئيس مبارك وتفعيلها على أرض الواقع وتحويلها من القول إلى الفعل,‏ فإننا بالفعل في حاجة إلي خطاب ديني متطور في دور عبادتنا‏,‏ وبيوتنا‏,‏ ومدارسنا‏,‏ ومناهج تعليمنا‏,‏ وإعلامنا‏,‏ وثقافتنا‏,‏ وسلوك مجتمعنا‏.إننا في حاجة إلي خطاب ديني جديد‏,‏ ومتجدد‏,‏ يعلم الناس المحبة‏ وينشر قيم الاعتدال والتسامح‏,‏ ويحاصر الغلو والتطرف‏,‏ ويركز على جوهر الدين لا مظهره ‏, ويهتم بلبه لا بقشره,‏ ويعلي قيم العمل والاجتهاد‏,‏ ويجسد تعاليم الدين في المعاملات والسلوك وواقع الحياة ‏,‏ وينفتح على العالم‏ وعلى الإنسانية من حولنا, وحتى يسهم الخطاب الديني في صناعة أصدقاء للإنسانية والحضارة يجب أن يتسم بالآتي :-

أولاً :- يجب أن يؤكد الخطاب الديني على مبدأ التنوع الخلاق في المجتمع وأن يدعو لمبدأ الحوار بين مختلف الطوائف والتيارات, مؤصلاً قيم التسامح الاجتماعي التي تؤسس لقبول المغايرة وحق الاختلاف, وكذلك يجب أن يسهم في إشاعة حقوق المساواة التي ترفض وتنقض كل ألوان التمييز العرقي أو الجنسي أو الديني أو الطائفي أو الاعتقادي.

ثانيا ً:- يجب أن يدعم الخطاب الديني ثقافة التسامح واللطف وينبذ ثقافة الإرهاب والعنف, فلا يجوز أبداً إرهاب المبدعين بوعيد العقاب وسوء المآب, فالخطاب الذي ينشر ثقافة العنف والإرهاب يدعو المستمعين لأن يستبدلوا بالخنجر الكلمة وبالرصاصة الجملة وبالقنبلة الفقرة, فخطاب العنف التكفيري تتحول كلماته إلى مولدات للعنف الفكري أو المعنوي, وبالتالي فهذا الخطاب يدعو كل من يستمع إليه إلى ترجمة رمزية العنف اللغوي إلى جدية الفعل المادي للإرهاب الذي لا يتردد في إراقة الدماء دون تفرقة بين مذنبين وأبرياء, لذا يجب أن يخلو الخطاب الديني من إشاعة الأفكار التي تحض على العنف والإرهاب وسفك الدماء . 
     
ثالثاً :- يجب أن يخلو الخطاب الديني من السخرية والهزء من معتقدات وإيمانيات الآخرين, فلايجوز لأحد أن يهزأ من معتقدات وإيمانيات الآخرين المغايرين له , فالعاقل هو الذي يقبل ويقر عقلانياً ومنطقياً  بوجود عقائد أخرى وهو قد يرى أن معتقداته هي الأفضل وهو يعتز بها للغاية ولكنه لايرى أبداً أن أصحاب العقائد الأخرى أشخاص مشبوهون أو كافرون أو مهرطقون بل إنه استنادا على العقل يراهم أصحاب اختيار آخر يختلف معه في الكثير ويتفق معه في الكثير وهذا التفكير العقلاني يستند على التسامح الفكري وقبول الآخر المغاير واحترام معتقداته دون استهزاء أو تجريح أو تكفير .

رابعاً :- بات من اللازم أن يتصالح الخطاب الديني مع التفكير العلمي, فالخطاب الديني في عالمنا العربي لا يزال غارقاً في الخرافات والخزعبلات التي لا يقبلها عقل ولا يقرها منطق, فما أكثر الموروثات التي يعتبرها البعض من الثوابت ولكنها مع الأسف الشديد تتنافى مع أبسط قواعد العلم والمنطق . أما من غربلة للموروثات للتخلص من كل ما يتعارض مع العلم الحديث؟!!
وللحديث بقية