منير بشاي
بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
محمد حجازي، وماهر الجوهري، ومحمد رحومة، وناهد متولي، ونجلاء الإمام، والآلاف غيرهم بل ربما الملايين. جميعهم يشتركون في شيء واحد أنهم كانوا يومًا مسلمين وقرروا أن يتحولوا إلى المسيحية، ولذلك فهم يسمون أنفسهم العابرون أو المنتصرون بينما هناك من بين المسلمين من يعتبرهم مرتدين ويطالب بتطبيق حد الردة عليهم وهو القتل.
الغالبية العظمى من العابرين لم يكن لهم رأي في كونهم مسلمين، كثيرون منهم وجدوا انفسهم مسلمين لأنهم ولدوا في عائلات مسلمة، ومنهم من كان مسيحيًا واعتنق الإسلام ليتخلص من بعض المشاكل وليس عن اقتناع بالإسلام ثم قرر العودة إلى مسيحيته، وهناك من المسيحيين الذين اكتشفوا أنهم مسجلين كمسلمين لأن الأب كان قد تحول في لحظة ضعف في حياته إلى الإسلام لمدة وجيزة ثم قررالعودة إلى المسيحية، وبعدها عاش ذلك الأب ومات ودفن كمسيحي والأبناء لا يعلمون عن هذه الفترة من حياته شيئًا، وهناك من المسلمين من رأى بعد البحث أن الدين الإسلامي لا يناسبه وأنه يفضل أن يكون مسيحيًا. يحدث هذا بعد أن وضع الإسلام تحت مجهر الفحص لأول مرة في تاريخه بواسطة وسائل بث المعلومات الحديثة مثل الإنترنت والساتلايت وغرف الدردشة وغيرها من وسائل الإتصالات، وكذلك بعد ظهور تعاملات إلهية معجزية مع بعضهم عن طريق الرؤى والأحلام دون تدخل من العامل البشري.
هؤلاء يواجهون مشكلة كبرى في العالم الإسلامي إن أرادوا أن يعلنوا جهارًا عن إيمانهم الجديد، ومع أن القانون المصري لا ينص صراحة على عقوبة ضد من يتحول عن الإسلام ولكن رأى الفقهاء في الأمر يختلف في تشدده بناء على تفسيرهم للنصوص الإسلامية، ولكن معظمهم لا ينظر بعين العطف على هؤلاء المتحولين.
أما المعتدلون الذين يريدون إثبات سماحة الإسلام وتمشيه مع الحريات الشخصية وحق الإختيار فإنهم عادة يقتبسون للتدليل على رأيهم من بعض النصوص التي ينتقونها من الآيات المكية مثل "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون ١١٩: ٦) و"من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف ١٨ :٢٩) و"لا إكراه في الدين" (البقرة ٢: ٢٥٦). وفي المقابل يعتقد المتشددون أن هذا الإختيار الحر وعدم الإكراه متوفر ولكن قبل أن يدخل الإنسان إلى الإسلام. فلا يجب إجبار أحد على اعتناق الإسلام، ولكن بعد دخول الإسلام لا يجوز للمسلم ترك الإسلام وإلا أُعتبر مرتدًا يجب تطبيق الحد عليه، ويستند هؤلاء إلى ما جاء في الحديث على لسان الرسول قوله "من بدل دينه فإقتلوه" (رواه البخارى في ٩ : ٥٧)، وأيضًا قول الرسول في حديث آخر عن إبن مسعود "لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري ومسلم.
وفي الوقت الذي يرى المتشددون أن هذه الأحاديث واضحة لا تقبل اللبس، ولكن المعتدلون يقولون أن هذه الأحاديث أحادية المصدر، بمعنى أنها مسنودة بمصدر واحد فقط، ولذلك فهي في رأيهم أحاديث ضعيفة لا يمكن الأخذ بها، ويؤكدون أن الإرتداد عن الإسلام هو معصية يعاقب عليها الله في يوم الدين ولكن ليس جريمة دنيوية يعاقب عليها المجتمع، طبقا لما جاء في القرآن "ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" البقرة ٢ : ٢١٧.
ويؤيد هذا الإتجاه الفكرى مفتي مصر "الشيخ علي جمعة" الذي يقول أن المسلمين يمكنهم تغيير دينهم على أساس أن هذه مسألة "ضمير" بين الشخص وربه، وفى مقال نُشر في الموقع المشترك لصحيفة واشنطن بوست ومجلة نيوزويك قال الشيخ علي جمعة أن السؤال الرئيسي المطروح هو هل يستطيع شخص مسلم أن يختار دينا آخر؟ والإجابة نعم يستطيع. وأضاف إن تخلي الشخص عن دينه إثم يعاقب عليه الله يوم القيامة. وإذا كان الأمر يتعلق بشخص يرفض الإيمان فحسب فإنه ليس له عقاب دينوي. وأضاف ولكن إذا كان إعتناق ديانة أخرى من شأنه تقويض أساسات المجتمع فإن الأمر ينبغى أن يحال إلى القضاء.
ويبدو أن النقطة الخاصة "بتقويض أساسات المجتمع" هي التي تحكم الموضوع كله الآن، فإذا كان الشخص يتحول إلى المسيحية سرًا دون أن يعلم به أحد فليس هناك مشكلة، أما إذا تجرأ بأن يعلن جهارًا عن إيمانه الجديد أو حاول أن يغير أوراقه الثبوتية لتعكس إيمانه الجديد فهنا تفتح أمامه طاقات الغضب ويعامل كمرتكب للخيانة العظمى للأمة الإسلامية ويتهم بمحاولة تقويض المجتمع وبالتالي يجب تطبيق حد الردة عليه. ولا أدري كيف يكون المجتمع الإسلامي بهذه الهشاشة حتى أن متحولاً واحدًا أو حتى مليونًا يمكن أن يقوضوه؟ وإذا كان الإسلام هشًا ويمكن تقويضه فهل هي مشكلة المتحول أم مشكلة الإسلام؟ ورغم هذا قد ظهرت مؤخرًا اتجاهات من عابرين تجرأوا فيها على إعلان إيمانهم علنًا غير عابئين بالعواقب، وبعضهم لجأ للقضاء طلبًا في إثبات تحويله الرسمي للمسيحية حتى يعيش حياة طبيعية كمسيحي هو وأولاده. وأيضًا لأن الإشهارالعلني هو جزء من الإيمان المسيحي كما رسمه السيد المسيح.
الآراء الإسلامية في الموضوع متعددة ومتفاوتة ولكن جميعها تصب في إتجاه واحد أن الباب مفتوح على مصراعيه أمام من يريد أن يعتنق الإسلام وموصد (بالضبة والمفتاح) في وجه من يريد أن يتركه. ومن هنا جاء التعبير الشائع أن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقفولة، فهي مكفولة لمن يريد أن يسلم ومقفولة على كل من يريد ترك الإسلام.
والنقاش في هذا الموضوع لا يتعلق بمجرد تفسير لنصوص دينية فحسب ولكن يتعداه إلى حريات دينية كفلتها المواثيق الدولية ووقعت عليها والتزمت بها دول العالم بما فيها الدول الإسلامية. فتنص المادة 18 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1981 على أنه من حق الفرد ممارسة حرية الفكر والضمير والديانة والإعتقاد، كما تنص على منع الإصطهاد سواء من جانب الدولة ومؤسساتها أو من المجتمع. وسيستمر الصدام بين الشريعة الإسلامية والشرعية الدولية، بين الدول الإسلامية ودول العالم الحر، إلى أن يطور المسلمون عقيدتهم لتتمشى مع الحد الأدنى المقبول من الحريات في المجتمع الدولي.
وحتى يأتي ذلك الوقت ستستمر معاناة المتحولين من الإسلام للمسيحية. بالنسبة للإسلام هم مرتدون يستحقون الموت، ولكن في المسيح هم عابرون من الموت للحياة وسائرون في موكب المنتصرين مع المسيح كل حين.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6868&I=187