د. عبد الخالق حسين
راهن كثيرون من الذين لا يريدون للشعب العراقي خيراً، على فشل العملية السياسية في العراق منذ سقوط نظام البعث الفاشي يوم 9 نيسان/أبريل 2003، وبدوافع مختلفة، أهمها خوفهم على أن يصلهم الدور في إسقاط أنظمتهم المستبدة. كما وراح بعضهم وحتى إلى وقت قريب، يصور العملية بأنها قد فشلت أصلاً ولا أمل في نجاحها، وأن أمريكا تبحث الآن عن مخرج من مأزقها لحفظ ماء الوجه وانتصار "المقاومة الوطنية"!!! ولكن للتاريخ منطقه الخاص وهو نجاح عملية تحرير العراق والانتقال به وبالمنطقة كلها إلى مرحلة حضارية جديدة في سلّم التحضر والتطور، لمواكبة ما يجري في العالم من تقدم ودمقرطة أنظمة الحكم وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وعلى النقيض من الناعقين والضاربين على طبول التشاؤم ومحاولاتهم لإثارة الفتن وإشعال الحروب الأهلية والطائفية على أمل عودة البعث المقبور "حزب العودة!!!".. الخ، أعلنا تفاؤلنا الراسخ بمستقبل الديمقراطية في العراق ونجاح العملية السياسية ودون الاستهانة بالثمن الباهظ بسبب الإرهاب، مستندين في أحكامنا على ثقتنا بشعبنا الذي أصر على خوض أربع عمليات تصويت بنجاح تام رغم الإرهاب، وهذا دليل على تمسك شعبنا بالديمقراطية ورفضه المطلق لعودة الديكتاتورية.
إن معظم الذين عارضوا إسقاط الفاشية في العراق كانت حجتهم أن تاريخ أمريكا لا يشجع على نشر الديمقراطية، وأنها لم تسقط النظام البعثي لسواد عيون العراقيين، وأن أمريكا هي التي جاءت بالبعث للحكم ...الخ، ونتيجة لغياب الوعي السياسي الصحيح لدى قطاع من الناس والشارع العربي المضلل، لذا رأى هؤلاء أن أقصر طريق لكسب الشعبية هو شتم أمريكا ووصم كل من يخالفهم في ذلك بالعمالة للإمبريالية والصهيونية!! ولكن نسي هؤلاء أن كل شيء قد تغير بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك المعسكر الاشتراكي، وكارثة 11 سبتمبر، والسياسة متغيرة بتغير المصالح ولا شيء غير المصالح، ومعها يتغير الأعداء والأصدقاء، وإذا كانت مصالح أمريكا تلتقي مع مصالح شعبنا لأول مرة في التاريخ، فمن الغباء تضييع الفرصة وعدم استثمارها لصالح شعبنا. وهذا ما حصل.
وها نحن نشهد الانتصارات المتتالية التي تحققت في العراق، وعلى رأسها ترسيخ الديمقراطية يوماً بعد يوم كما برز ذلك بكل وضوح نجاح الانتخابات الأخيرة، وبناء القوات العراقية المسلحة ونجاحها في إلحاق الهزيمة بالإرهابيين من فلول البعث وحلفائهم من أتباع القاعدة. وهذه التطورات الإيجابية بمجموعها تشكل أخباراً سيئة لأعداء دمقرطة العراق طبعاً.
وما إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة 27/2/2009 بسحب نحو مائة ألف من القوات الأمريكية المقاتلة من العراق في نهاية آب/أغسطس من العام القادم، إلا دليل على نجاح العملية السياسية في العراق، وقدرة العراقيين على إدارة أمورهم بأنفسهم، والاعتماد على قدراتهم الذاتية في حماية بلادهم من الأشرار، والبدء بالإعمار.
وقد جاء هذا التأكيد على لسان رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي الذي "ابلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال اتصال هاتفي جرى بينهما مساء الجمعة ان القوات العراقية باتت قادرة على تولي الملفات الأمنية في البلاد والتصدي للإرهابيين ".
إن جدولة الانسحاب الدليل لا يعني أبداً تخلي أمريكا عن مسؤولياتها الأخلاقية إزاء العراق كما يتصور البعض، بل دليل على التزامها بهذه المسؤوليات وحرصها على أمن العراق إذ أنها (أمريكا) ستترك ما بين 35 ألف إلى 50 ألف من قواتها في العراق لمواصلة تدريب الجيش العراقي وتطويره إلى مستوى الجيوش الحديثة، وتجهيزه بالمعدات اللازمة خاصة اللوجستية والقتالية، إذ كما أكداً الرئيس أوباما في خطابه الأخير أمام المارنز: "ان سحب تلك القوات يعد جزءا من استراتيجيته لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة بالأساليب الديمقراطية." كما وشدد على انه لا يمكن التعامل مع العراق برؤية منفصلة عن أفغانستان والشرق الأوسط، وان ادارته " ستتقدم بحذر فيما يتعلق بالانسحاب من العراق، وان القادة الأمريكيين سينفذون عملية الانسحاب بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وان الذكرى السادسة للحرب على العراق ستحل الشهر المقبل، حيث تحسنت الظروف الأمنية كما تحسنت أوضاع الجيش العراقي وتراجع نفوذ تنظيم القاعدة".
وفي رده على من يشكك في نجاح العملية السياسية في العراق، أكد وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس إنه "من الخطأ الحديث عن نصر أو هزيمة في العراق" معتبرا أن هذه مصطلحات مطاطة دائما. وأعرب عن اعتقاده بأن مهمة القوات الأمريكية في العراق كانت ناجحة.
مرة أخرى أود أن أؤكد للذين يتمنون فشل الديمقراطية في العراق، أن السياسة الخارجية في أمريكا لن تتغير بتغير الرؤساء، وكل المؤشرات التي ذكرناها أعلاه تدل على ذلك. فالانسحاب المسؤول والمبرمج يقرره القادة الميدانيون، كما أكد ذلك أوباما مراراً. كذلك ويجب أن لا ننسى أنه تم تقليص عدد القوات الأمريكية في العراق في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس جورج بوش، من 170 ألف إلى 142 ألف مقاتل في الوقت الحاضر. لذلك فالانسحاب هو مقرر مسبقاً وحسب ما تمليه الظروف الأمنية في العراق، وجاهزية القوات العراقية للتصدي للإرهاب، وتقدير القادة الميدانيين
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=70&I=2