مخاطر التفسير الحرفي للقرآن

أشرف عبد القادر

بقلم- أشرف عبد القادر
نفرق دائماً بين الدين والفكر الديني، الدين ثابت، والفكر متغير ومتحرك بتغير الزمان والمكان، الإمام الشافعي غير فقهه عندما إنتقل من العراق إلى مصر، فالزمان والمكان هامان لفهم الآيات القرآنيه، فتاريخية النص هامة جداً لفهمه، ولقد أخطا الفقهاء خطأ فادحاً عندما أطلقوا عبارة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، والعكس هو الصحيح، فالعبرة بخصوص اللفظ والحادثة لا بعموم اللفظ، فعدم معرفتنا بأسباب نزول الأيات ومكانها يربك تفكيرنا، فهناك أحداث خاصة نزلت فيها نصوص خاصة لإناس معينين لا يمكن تعميمها على جميع المسلمين.
المتأسلمون هم خوارج هذا العصر، وهم الذين مازالوا يتمسكون بالتفسير الحرفي للقرآن، فهم يقفون أمام النصوص صماً وعمياناًَ، فمن المعروف أن الخوارج كانوا أول من أخذ بالتفسير الحرفي للقرآن، فمثلاً عندما عرضت عليهم الآية التي تقول على لسان نوح عليه السلام:  (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلون عبادك ولا يلدون إلا فاجراً كفاراًَ) فأفتوا بقتل الرجال... والنساء... بل وحتى الأطفال حتى لا يشبوا كافرين ويلدون كفاراً مثلهم، تماماً كما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي بقتل الأجنة اليهود في بطون أمهاتهم، فالمتأسلمون يعذبون خصومهم والمختلفين معهم في الرأي بالفهم الخاطئ للآية "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين".
وأحكي لكم رواية توضح مخاطر التفسير الحرفي للقرآن على المسلمين، وكيف أنها تخلط الأمور:  يروي ابن حزم أن الصحابي الجليل عبد الله ابن خباب كان يمضي هو وزوجته في الطريق فإعترضته جماعة من الخوارج، فعلق المصحف في عنقه، فأمسك به الخوارج وقالوا:
إن الذي في عنقك يأمرنا بقتلك
فقال: كيف؟
فقالوا له: ما قولك في أبي بكر؟
فقال: خيراً.
وما قولك في عمر؟
فقال: خيراً.
ثم قالوا له: ما قولك في علي وقبوله التحكيم؟
قال: علي أعلم مني ومنكم بالقرآن، فذبحوه.
ويمضي ابن حزم قائلاً: وكان إلى جوارهم ضيعة لأحد النصارى فقالوا لصاحبها: بعنا بعضاً من تمر؟
فقال: خذوه بلا ثمن.
قالوا: ديننا ينهانا عن ذلك.
فقال لهم: أتقتلون ابن خباب (المسلم) وتحافظون على تمري؟!.
وفي ذات الطريق سلك واصل ابن عطاء مؤسس الفكر الإعتزالي (المسلم) فسأله الخوارج هو وجماعته: من أنتم؟
فقال ابن عطاء: مشركون نستجير بكم.
فقال الخوارج: إبتعدوا.
فرد عليهم واصل: ألم تسمعوا بالآية الكريمة « فإن أحداً من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله".
فأجلسوهم وأسمعوهم كلام الله، فأكمل لهم واصل الآية "ثم أبلغه مأمنه".
فأرسلوا معهم حراساً منهم حتى أبلغوهم مأمنهم.
نرى في هذه الحادثة مخاطر التفسير الحرفي للقرآن فالذي علق المصحف في عنقه قتلوه والذي قال إنه مشرك حرسوه حتى بلغ مأمنه !!.
المتأسلمون، خوارج هذا العصر، يتبنون نفس المنهج: القراءة الحرفية والذبح على الهويه، حسن البنا عندما تعرض إلى أول خلاف داخل جماعته حيث (إختلف معه بعض الإخوان عندما قبل دعماً مالياً من شركة قناة السويس الإستعمارية) فأمر بضرب أعناق المخالفين، مستنداً إلى الحديث القائل: «من خرج عن الجماعة فإضربوا عنقه بحد السيف".
خوارج هذا العصر يريدون العودة بنا إلى عصور الجاهلية الأولى، فشكري مصطفى أمير تنظيم الجهاد في فترة الثمانينات في مصر يتشبث في كتابه "التوسمات" بالتفسير الحرفي للآية "واعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل" بقوله «هذا خطاب موجه للمؤمنين في أول الزمان وفي آخر الزمان، والقوة كما جاء في الحديث هي الرمي، والخيل هي الخيل، فإذا جاء من يقول إن الخيل لا تصلح الآن نقول له عندما نقاتل سيكون قتالنا بالسيف والرمي والخيل" بالله عليكم أليس هذا الهراء جنوناً!!
والدليل على أنهم كاذبون وأنهم يقولون الشيء ويفعلون ضده، أن شكري مصطفى وجماعته عندما إغتالوا الشيخ الذهبي لم يقتلوه بالسيف، كما يدعون، بل قتلوه بالمسدس وهو من وإختراع الغرب "الكافر".
ولماذا عندما يمرضون لا يتداوون بالحجامة وبول الإبل، كما يزعمون أن في ذلك شفاء، ويهرعون إلى مشافي أوروبا وأدويتهم الكافرة، مثلاً الشيخ القرضاوي يذهب إلى لندن لإجراء أبسط العمليات الجراحية لكنه يحرم في الوقت نفسه تشريح الجثث لطلبة الجراحة المسلمين!.
آن الأوان لتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، علينا أن نركن إلى العلم ونسمع ما يقوله، مجال الدين هو الروحانيات والعبادات والأخلاق الحميدة، والتآخي، والتضامن مع الفقراء والمستضعفين، هذا هو مجاله وليس له في سوق العلم ما يذوق كما يقول المثل.
علينا أن نعاصر عصرنا، لأننا - الآن- مصابون بإنفصام في الشخصية، فنحن نتمتع بآخر ما أنتجه العقل البشري "الغربي" من تكنولوجيا "ونكفرهم" لأنهم "أولاد القردة والخنازير"، ونعيش على فقه القرون الوسطى حيث فتاوى ابن تيميه وفقه الجهاد والإستشهاد، نعيش بأجسادنا في القرن الحادي والعشرين، وبأرواحنا في القرون الوسطى، فالعالم العربي والإسلامي مريض بإزدواج الشخصية.
فإما أن نأخذ بالعلم وأسبابه ونواكب روح عصرنا، وإما أن نظل متسمرين في فقه القرون الوسطى ليحكمنا الأموات من وراء قبورهم، فالمسألة لم تعد تحتاج لمزيد من تضييع الوقت، فهي بالتعبير الشكسبيري "نكون أو لا نكون" فعلينا الإختيار ولكن إذا ما إخترنا التمسك بفقه القرون الوسطى علينا أن نترك للغرب كل ما إخترعه من تكنولوجيا غير مسبوقة وكل ما هو جميل في حياتنا وكما قالت د. وفاء سلطان "سيتخلون عندئذ حتى عن سراويلهم!!!".

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع