لطيف شاكر
بقلم: لطيف شاكر
وطني غيور أم خائن لوطنه
من يتهم الجنرال يعقوب حنا بالخيانة لأنه عمل مع الفرنسيين فهو غريب عن تاريخ مصر , لأن شيوخ مصر المسلمين كانوا يخدمونالفرنسيين ايضا وكانوا من أعضاء الديوان الذي حكم مصر باسم الفرنسيين
( من كلمات الاستاذ عبد العزيز جمال الدين في كتابه المسيحية في مصر اصدار اخبار اليوم)
طبقا لاتفاقية العريش المبرمة بين القوات الفرنسية وكل من القوات الانجليزية والسلطان العالي التركي , بعد هزيمة فرنسا في معركة ابي قير البحرية, نتيجة تعثر مينو القائد الفرنسي في قيادة المعركة, اشترطت فرنسا للانسحاب ان يتم نقل افراد القوات الفرنسية بكامل معداتهم وعداتهم علي المراكب الانجليزية والتركية , علي ان تتعهد تركيا وحلفاؤها بعدم التعرض للقوات الفرنسية حال ارتحالها( وقد وعت تركيا الدرس الذي منيت فيه بهزيمة نكراء عند هجومها علي القوات الفرنسية في موقعة عين شمس بعد التوقيع علي معاهدة العريش حيث ذهب خيالهم الي استضعاف الجيش الفرنسي بسبب توقيعه علي المعاهدة ).
يؤكد المؤرخون ان جلاء القوات الفرنسية لم يأخذ شكل الانسحاب الذليل لانه لو كان هذا لما تركوا الجيش الفرنسي يرحل بكامل قواته ومعداته وعلي نفقة انجلترا وتركيا و بالشروط التي وضعها قائد القوات الفرنسية وطبقا لجدولة وضعت بواسطته للرحيل والجلاء بدون خسارة.
كان ضمن شروط اتفاقية العريش السماح لكل من يرغب الرحيل مع القوات الفرنسية مع منحهم الآمان وعدم التعرض لهم حتي في حالة عودتهم الي مصر اذا رغبوا في عدم البقاء في فرنسا او تحت اي ظروف حتي يتمكن لهم العودة باطمئنان ( للاسف عند عودة بعض المصريين الي وطنهم استقبلتهم سيوف الاتراك, وكان قطع الرقاب في انتظارهم, وهذه عادة الاتراك في نقض العهود )
غادر مع القوات الفرنسية علي المراكب الانجليزية عدد كبير من المصريين المسيحين وعدد قليل من المسلمين ممن خاف علي نفسه ويذكر منهم بعض اسماء مثل عبدالعال الاغا ويوسف الحموي وآخرين بصحبة الجنرال يعقوب وعائلتة وبعض اقربائه, وقد سمي يعقوب هذه المجموعه التي رحلت معه بالوفد المصري, وضم هذه المجموعة عدد من المترجمين لغرض ترجمة المناقشات مع المسئولين البريطانيين والفرنسيين حال التقدم بمشروع الاستقلال الاول لمصر. وهذا يؤكد هدف يعقوب الاساسي من مغادرته البلاد .
وكانت لفتة طيبة من الجنرال يعقوب بزيارته قبطان باشا حسين في قصرة قبل سفره حيث حاول قبطان ان يثنيه عن عزمه في السفر لللاستفاده بجهوده وافكاره , الا ان يعقوب آثر الرحيل لانه يحمل هدفا ساميا يريد تحقيقه... اما هذا الهدف فأتركه لشيوخ المؤرخين وعلماء التاريخ :
يقول عميد المؤرخين د. محمد شفيق غربال : ...أما سبب هجرة يعقوب انما لتحقيق مشروع خطير وهو السعي لدي الحكومات الاوربية لتحقيق استقلال مصر , ولا اظن ان خروج يعقوب كان للخلاص بنفسه, فمثله ممن يمكنهم تصفية الحساب الماضي مع العثمانيين المنتصرين, وقد حاول القبطان باشا ان يغريه بالبقاء في مصر ووعده ومناه, ولكنه رفض وآثر الرحيل للعمل في ميدان جديد.
ويقول د. محمد صبري في مؤلفه تاريخ مصر الحديث : ان يعقوب في بداية الاحتلال الفرنسي التحق بخدمة الفرنسيين الذين يحملون رآية الحرية وبارح مصر علي رأس وفد مصري مؤلف من أعيان القبط وبعض المسلمين وكانت فكرته الاساسية مخاطبة انجلترا في أمر استقلال مصر , ولكن وفاته العاجلة في الطريق قضت علي مشروع مفاوضة دول اوربا في ذلك الاستقلال .
ويقول د. احمد عزت عبد الكريم : المعلم يعقوب كان من عيون القبط في مصر أيد الفرنسيين في قتالهم المماليك فمنحوه رتبة الجنرالية , وادرك يعقوب عند رحيل الفرنسيين ان الوقت قد حان لتقرير المسألة المصرية علي نحو يضمن استقلال البلاد وهي تتمتع بكل مقوماته .
ويذكر جاك تاجرعن سلامه موسي انه كتب في مذكراته التي نشرت في جريدة مصر بتاريخ26-11-1946 عدة مقالات يمجد فيها اعمال الجنرال يعقوب الذي اعتبره أول من رفع صوته في مصر وفي أوربا مطالبا بحرية البلاد واستقلالها .
ويقول د.لويس عوض : ولكن الجنرال يعقوب كان يحمل في جعبته مشروعا خطيرا كان في نيته عرضه علي الانجليز والفرنسيين وهذا هو مشروع استقلال مصر ,
ونشرت الجمعية الجغرافية وثائق جديدة في اوراق وزارة الخارجية البريطانية تحت عنوان "مصر المستقلة"مشروع سنة 1801م,ويقول مسيو جورج دوانان هذه الوثائق تدل عل ان فكرة الاستقلال المصري التي نشأت في كنف حملة بونابرت قد اشرق نورها في نفوس المصريين في مستهل القرن التاسع عشر فان احدهم وهو المعلم يعقوب القبطي قد تصدي للترجمة عما في ضميرهم لو لم يصيبه ميتة عاجلة حالت بينه وبين الدفاع عن قضيته امام حكومات اوربا .
ولضيق المساحة أكتفي بأقوال هؤلاء المؤرخون , لان الذين أرخوا وأيدوا سبب خروج يعقوب لعرض مشروع الاستقلال عدد كثيرمن المؤرخين وكتاب التاريخ , وما ذكرته هنا هو علي سبيل المثال وليس الحصر.
ومع هذا اصدرت هيئة الثقافة في مصر كتاب د. احمد الصاوي الذي سبق نشره عام 1986واتهم فيه يعقوب بالخيانة وكأن الوطن كان محكوما من مصريين وطنيين وليس من غرباء اشرار يقول عنهم الجبرتي اشر من مشي علي الارض ولم يلقي الكتاب قبولا من الاغلبية الا ان الهيئة المذكورة أعادت نشره هذه الايام في وقت تعيش فيه مصر علي صفيح ساخن , واحتقانات اجتماعية وطائفية , نتمني من الله ان يجنبنا آثارها المدمرة , وينجينا من ثقافة التحيز والتمييز. ويقول الاستاذ نبيل عبد الفتاح الكاتب المستنير بجريدة الاهرام القاهرية في هذا الصدد ان التساهل والتهاون امام الخطابات الدينية الاسلامية المتشددة والتي تتناول عقائد وطقوس ورموز وتاريخ المسيحيين أمر بالغ الخطورة, لأنه يشكل ازدراء ومسا بكرامات وعقائد مكون رئيسي من أبناء الأمة, شارك تاريخيا في تشكلها التاريخي- ويقول ايضا في نفس المقالة ان التحول نحو الطائفية يغزو الحياة اليومية للمصريين ويؤدي الي انتاج ثقافة انقسامية بينهم علي انقاض ثقافة التكوين التاريخي للامة والدولة العصرية.......وتزداد الأمور اختلاطا واضطرابا مع بناء كل طرف لهوياته علي اساس ديني واختزالها في تأويل وضعي وتاريخي لعقائده وأصوله واستبعاده للآخر الديني في الوطن ....
الفرق بين الاحتلال العثماني المملوكي والاحتلال الفرنسي
في المقالات السابقة ذكرنا الآثار الوخيمة والمعاملات الوحشية الغير آدمية لكل من الاحتلال العثماني والسكان المماليك ويلخصها الجبرتي في عبارة رائعة " أشر من مشي علي الارض ".
وحينما نذكر ماتركه الاحتلال الفرنسي من أعمال رائعة يدهش المرء بين الذي أخذ ونهب وسلب وبين الذي أعطي ومنح وأصلح.
وهنا أقولها صراحة اذا كانت مصر في حالة اضطرار لحكم محتل ما فليكن الاحتلال الفرنسي بلا منازعة ولا أقولها كقبطي مسيحي بل كمصري قبطي لاننا أول من شرب منهم كأس المرارة وتجرعنا منهم المذلة والهوان, ويكفي ان اذكر ماكتبه جاك تاجر في ص 220 بكتابه اقباط ومسلمون ( وعمل مينو علي تحقيق مشروع بونابرت الخاص بتجريد الموظفين الاقباط من امتيازاتهم ) ويصف مرارة الاقباط قائلا في ص226( فان الاقباط كانوا يتمنون رحيل هذا الاحنبي الذي لم يفيدهم بشئ , بل كان وجوده بينهم يزيد كره الاسلام لهم).
وعن أهمية ودور الحملة الفرنسية أسرد ماكتبه د. صبحي وحيده في كتابه القيم أصول المسألة المصرية ( وقد اخفقت الحملة الفرنسيةعسكريا ولكنها أفلحت في توجيه أضواءالعلم الحديث الي ماضي مصر البعيد ولفتت نظر الدول الأوربية الي أهمية مركز مصر السياسي ثم فتح نفوس ابناء مصر للافكار الغربية الحديثة, ونحن نجد أول صدي هذه التيارات في مشروع المعلم يعقوب لتحرير مصر من الحكم العثماني .......وقد اتجه الالفي بك بعد يعقوب الي الانجليز واستعان بهم في محاولة استعادة حكمه في مصر . ولكنه لم يكن الالفي في ذلك أكثر من حاكم أجنبي معزول يلتمس السبيل لاسترداد حكمه فلم يرتفع الي الوعي الذي بلغه يعقوب ) .
نتائج الحملة الفرنسيـــــة
- كان لهذه الحملة الاثر الأول في تكوين مصر الحديثة والقضاء علي زهرة شباب الفرسان المماليك مما مهد هذا لحكم محمد علي فيما بعد .
- ان وفود طائفة من العلماء الفرنسيين الي مصر للتنقيب عن آثارها والوقوف علي أسرار طبيعتها المجهولة قد ايقظ في المصريين روحا جديدة , بعد ان كان حملة العلم في مصر مقتصرة في مخيلة المصريين علي حملة الشرع , وكانوا يتوهمون انهم محيطون بكافة العلوم الدنيوية من الرياضيات والفن والهندسة والكيمياء والعلوم التطبيقية وخلافه .
- عملوا علي تشجيع ابناء مصر علي العلم والمعرفة والبحث ويقول الجبرتي " رأوا التجارب العلمية الجديدة وغير ذلك من أمور وأحوال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لايسعها عقول أمثالنا ".
- كانت للمطبعة التي أتي بها نابليون معه , والصحيفتين التي اصدرهما, أثرا بالغا في تشكيل الوعي المصري ونضج التفكير العصري وتثقيفهم بالمعرفة والعلم الحديث.
- أشرك نابليون كبار العلماء في حكم مصر عن طريق الديوان المشكل منهم ومن الفرنسيين. وبذلك يكون نابليون أول من ادخل المبدأ النيابي في مصر, بعد ان كنا مجرد عبيدا أذلاء لدي السلطان التركي الفاجر او المملوكي الأجير المرتزق .
- قامت الحملة بتحسين الطرق وتوسيعها واضاءة الشوارع والحارات وغرس الاشجار علي جوانب الطرق ورش الشوارع وغسلها وردموا البرك والمستنقعات .
- أهتموا بصحة المصريين فأمروا بنظافة البيوت, ونشر الغسيل علي اسطح المنازل لتعريضها لاشعة الشمس لقتل الجرثيم وعينوا لهذه المهمة إمرأة ورجلين لمتابعة هذا العمل والمرور علي البيوت .
- وحفاظا علي الصحة ألزموا الاهالي بدفن موتاهم في اماكن بعيدة عن العمران, ونقلوا المدافن خارج منطقة السكن.
- قاموا باصلاح مقياس الروضة الذي أهمله الاتراك والمماليك لعدم اهتمامهم بما يفيد البلد اثناء فيضان النيل ومايترتب عنه من آثار مدمرة .
- اكتشاف حجر رشيد وفك رموز اللغة المصرية ومعرفة حضارة مصر العظيمة ولغتها وكان هذا الحدث له أثر كبير وبالغ الاهمية لدي جميع المحافل الدولية .
- أنقذوا مصر من مظالم المماليك ونهب واستغلال خيرات البلاد ووحشية الاتراك الذين تشددوا في خراب مصر لانها اذا حصلت علي الثمرة قطعت عروقها , فلذلك لم يبقوا بيد الناس الا النذر القليل الذي يسد رمقهم وصار الشعب مختفين تحت حجاب الفقر وقاية لانفسهم من سوء ظلمهم .
- أرست الحملة العدالة الاجتماعية وحرية الرأي ومنح الحقوق للشعب المصري وحث ابنائهم علي التعليم والدراسة .
ولتنشيط ذاكرة التاريخ يقول الكاتب القدير د.رفعت السعيد عندما اراد سليم الاول احتلال مصر اصدر مفتي الانام شيخ الاسلام بالاستانه له فتوي بوجوب غزو مصر لأن أهلها قطاع طرق والحرب والقتال ضدهم جهاد والمقتول في هذه الغزوة شهيد !!!
ويكمل قائلا :ويروي ابن إياس عن جرائم العثمانيين قائلا :واتجهوا الي الطحانين فأخذوا البغال والخيول وجمال السقايين ونهبوا كل مافي شون القمح ثم صاروا يأخذون مواشي الفلاحين ودجاجهم وأوزهم وأغنامهم وحتي أبواب بيوتهم وخشب السقوف وقاموا بأسر الصبيان وسبي البنات باعتبار أنهم أبنا كفار وراح يبيعونهم بأبخس الأثمان... وترك سليم الاول قبل رحيله واليا علي مصر وصفه ابن اياس قائلا كان يصبح كل صباح وهو مخمور فيحكم في الناس بالعسف والظلم وهو سكران وينقل عن د.عبد العزيز الشناوي : وجيلا بعد جيل يتراكم الظلم العثماني ليترسخ في أعماق الشعب المصري كراهية وسخرية .....وردد الشعب يارب يامتجلي أهلك العثمانلي.
وختاما ..هل من سامع أم لهم آذان ولايسمعون, ولهم عيون ولاينظرون .... متي نسمع وننظر..ارجو الاننتظر كثيرا حتي لانفقد كل شئ... نصرخ الي الله اان يهبنا العقل والحكمة .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=7019&I=191