محمود يوسف بكير
بقلم: محمود يوسف بكير
الحمار حيوان طيب ومطيع ووديع ويمتلك صبرًا لا حدود له وهو رمز للعطاء بلا مقابل تقريبًا، لذلك يتخذه الحزب الديمقراطي في أمريكا شعارًا له. بالإضافة إلى أنه قنوع ويرضى بالقليل فليس عنده مشكلة أن يأكل أي شيء أو أن ينام في أي مكان والأهم من كل هذا أنه لا يعترض على نوعية مَن يركبه، فهو يدرك أنه مركوب مركوب وهو يؤمن إيمانًا عميقًا أنه خُلق لغرض واحد ألا وهو أن يُمتطىَ وأن يسير حسبما توجهه عصا الراكب في طاعة أبدية عمياء، ولهذا كله يتعرض الحمار كثيرًا للظلم والامتهان.
رأيت حشدًا كبيرًا من البشر يتحلقون مجموعة من الأشخاص يتجاذبون فيما بينهم حمارًا مسكينًا ويتجادلون في صخب لا يخلو من عنف على من يركبه وكان الحمار كالعادة مجللاً بالصمت ينظر إلى الأرض في انتظار حسم هذه المعركة حتى ينطلق بالراكب المظفر إلى حيثما يشاء.
كان من بين هؤلاء الأشخاص المتعاركين رجل سمين يرتدي ثيابًا فاخرة وتبدو عليه أمارات الصحة والسطوة والقوة يرفع صوته الجهوري ويدعي أنه من نفس البلد التي ينتمي إليها الحمار وأنه يعرفه منذ الصغر وأن أباه كان يأخذه على حجره فوق ظهر هذا الحمار ومن ثم فهو أحق الناس به. لقيت إدعاءات الرجل تأييدًا من بعض الحشد من أناس تبدو عليهم أيضًا علامات الغنى ويرتدون نظارات سوداء.
رأيت رجلاً آخرًا ذا لحية كثيفة ويرتدى جلبابًا أبيضًا وتقف وراءه امرأة متلفعة بالسواد، رأيته يصرخ في وجه الحضور بأنه يحمل رسالة من جهة عليا تأمره أن يخلص هذا الحمار المسكين من سطوة هذا الرجل السمين الذي يستغل الحمار أسوأ استغلال ويسيء معاملته، وبدأ يتوعد الجميع بأنه لن يبرح المكان إلا وهو وزوجته على ظهر هذا الحمار وإلا فالموت للجميع وشهر سيفه عاليًا وعلى الفور اندلعت من أغلبية الحشد أصوات مؤيده ومباركة.
هناك أيضًا رجل أبيض يرتدى ما يشبه ملابس الكاو بوى الأمريكي يحاجي الجميع وهو يربت على ظهر الحمار بحنان مصطنع أنه أتىَ لتحريره من الظلم والقهر والهوان الذي يتعرض له وسط هذه البيئة المتخلفة التي لا تعي أن للحمير حقوقًا كما هو الحال للبشر ولقى هذا الكلام استحسانًا من البعض وعندها هم الرجل ذو اللحية للاحتكاك به ولكن الرجل الأبيض أخرج بسرعة مسدسًا من جيبه فالتزم الرجل الملتحي الصمت.
ظهر أيضًا من بين الحشد رجل يرتدى نظارة طبية وبدأ في إلقاء محاضرة معقدة عن حقوق الحمار التاريخية في إطار الصراع الحضاري والمذهبي ومعطيات التحليل المكروكوزمى الهيكلي وتداعيات اللبرالية الراديكالية وإفرازاتها المخاطية.... الخ. ولكن أحدًا لم يفهمه ولم يلق تأييدًا ذا بال فتراجع إلى الخلف.
ظهر أناس آخرون من مشارب مختلفة كل يدعى أنه أحق بامتطاء الحمار ولكن بدا واضحًا أن الحمار سيكون على الأرجح من نصيب واحد من الثلاثة الأقوياء، أما الرجل السمين أو الرجل الملتحي أو الرجل الأبيض.
وفجأة لاحظت من مكاني أن الحمار يبدو متململاً وغير سعيد بما يحدث حوله وما هي إلا لحظات حتى انطلق بشكل مفاجئ للجميع نحو ترعة غير بعيدة وانطلقنا جميعًا خلفه نحاول اللحاق به ولكنه كان يبرطع بسرعة غير عادية ورأيناه من بعيد يدرك حافة الترعة ويلقي بنفسه فيها ولما وصلنا إلى ذات الموقع لم نعثر له على أثر.
البعض قال أنه انتحر غرقًا والبعض قال أن الحمار يجيد العوم ولابد أنه عبر الترعة إلى البر المقابل وانطلق هاربًا بعد أن قرر أن ينعم بحريته لأول مرة في حياته.
اعترتنا جميعًا حالة من الذهول لما حدث فلم يكن أحد يتصور أن يثور الحمار إلى هذا الحد ويعرض نفسه للغرق طمعًا في الحرية والكرامة.
أصيب الرجل السمين بصدمة كبيرة وقرر مغادرة المكان، وعلى الفور تبعه مؤيدوه من أصحاب النظارات السوداء.
البعض فسّر هذا بأن الرجل السمين يخشى أن يعود الحمار للانتقام منه على ما فعله به فيما مضى، أما الرجل الأبيض فقد اختفى أيضًا وقيل في هذا أن مبرر حضوره قد انتهى لأن الحمار أصبح حرًا وطليقًا، أما الرجل الملتحي فقد بدا سعيدًا للغاية وقيل في هذا أنه يعرف أن الحمار سيعود إليه كي يجرب حظه معه.
والله أعلم.
مستشار اقتصادي مصري
mahmoudyoussef@hotmail.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=7055&I=192