د. ميشيل فهمي
بقلم: د. ميشيل فهمي
أولاً وثانيًا وحادي عشر، أطلب أن لا يُفهَم من هذه المقالة أنها ضد المطالبة بحقوق الأقباط بمصر المحروسة، لكنها اختلاف على وسيلة المُطَالبة لأن هناك عشرات الوسائل لم تُتبَع بعد.
الدعوة تم إطلاقها قبل نحو شهر على موقع "الفيس بوك" من قبل بعض الشباب المتحمس مشكورين سموا أنفسهم "أقباط من أجل مصر" بعدما رأوا ازدياد تجاهل حكومة مصر المحروسة لمشاكل الأقباط وازدياد موجات الاحتقان والكراهية بالشارع المٌسلم تجاه أقباط مصر، وقد أكد ذلك ما جاء بنص الدعوة إلى الإضراب حيث جاء فيه أن سبب الإضراب سببه "تخاذل الدولة تجاه عديد من الأحداث التي يكون الأقباط طرفًا فيها".. وهنا تُثَار التساؤلات التالية:
من الجهة المنظمة للإضراب؟ وهل تحصلوا على تصريح (مُلزِم بقوة القانون) من الداخلية؟ وأين مكان التجمع؟ وهل في عدة بلاد أم في القاهرة فقط؟ والكثير الكثير من الأسئلة التنظيمية.
اليوم المقترح: يوم 11 سبتمبر الحالي بمناسبة رأس السنة القبطية، وهو يوم بعيد عن ذكاء وفِطنة الداعين له لأنه يوم جمعة (العطلة الرسمية للمحروسة) والذي فيه تتوقف البلاد والعِباد عن العمل إلا من صلاة الجمعة للآلاف المؤلفة من المصريين المسلمين!!! وهو يوم يتعارض مع معنى ومفهوم وهدف الإضراب....، فبادئ ذي بدء يجب أن نُعِرّف ما المقصود بالإضراب من حيث اللغة: أنه الكف والإعراض، فيقال أضربت عن الشيء أي كففت وأعرضت عن فعله، فماذا سيكف الأقباط عن فعل ماذا؟ وهذا التساؤل أكده لي أقرب أصدقائي، وأصدق من عمل بالشأن القبطي.
أما التعريف العملي لا اللغوي للإضراب فهو: الامتناع الجماعي المؤقت عن العمل الواجب على المضربين أداؤه بمقتضى العقود المبرمة مع رب العمل أو التزاماتهم تجاهه والذي يحدث نتيجة لوجود خلافات بين الطرفين وبنية الرجوع إلى العمل بعد حسم الخلافات.. وهذا معناه أن الإضراب في محيط العاملين والعمل فقط.
وتنتهي الإضرابات بواحدة من ثلاث نتائج لا رابع لهم:
1 – نجاح الإضراب، وذلك بالاستجابة لمطالب المضربين (وهذا استحالة في حالتنا هذه).
2 - أو فشل الإضراب عندما لا تتم الاستجابة لمطالبهم وإنهاء الإضراب ( وهو المتوقع).
3 – أو أن تكون نهايته صلحيًا بالوصول إلى صيغة ترضي الطرفين (وأيضًا استحالة).
ونتساءل هنا هل عرف الداعون إلى الإضراب بأي طريقة سينتهي إضرابهم؟
وقد اعترف الرئيس المستقبلي (طِبقًا لمٌطالبة قيادات الكنيسة) لمصر المحروسة جمال مبارك في العديد من لقاءاته الاستعدادية للحملة الرئاسية بوجود مشاكل للأقباط بمصر مؤكدا أن حلها الوحيد هو الحوار الهادئ والمصارحة، ولكن حين نقول (لا للإضراب... ونعم لاستمرار المطالبة بالحقوق) فنعني بهذا الكثير، من حيث أن يكون الاحتفال برأس السنة القبطية (تاريخ الشهداء) مُناسبة بأن تُرفع صلوات بجميع الكنائس وترسل بيانات من كافة مجالس الكنائس من أسوان للإسكندرية بهذه المطالبات إلى (رئاسة الجمهورية – رئاسة مجلس الوزراء – مجلسي الشعب والشورى – الوزارات المعنية...الخ) بالإضافة إلى استمرار العمل الدءوب من توأم الجهاد القبطي بالخارج ألا وهم بعض أقباط المهجر الجادين المخلصين لوطنهم والحريصين على أهلهم والساعين لحل قضيتهم، والاتصال بالمنظمات والجهات والهيئات الحقوقية المدني العالمية والدولية لأن ثبت فعالية مثل هذه الأنشطة الخارجية في مساندة القضية الداخلية.
وفي هذا السياق لابد من التعرض للساحة النضالية القبطية الآن للتعرف على آليات العمل في شأن الحصول علي حقوق الأقباط المهدرة.
أولاً: منذ حوالي أربعة عقود انحصرت وانعقدت قيادة المجتمع المدني القبطي بكافة أنشطته (الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والرياضية، والفنية، والشبابية، وحتى الترفيهية ....الخ) في أيدي قادة رجال الكنيسة والكهنوت، لميول قادة الكنيسة للعب هذا الدور (خاصة القيادي السياسي) المحبب لنفوسهم من ناحية، ولتشجيع الدولة لهم للعب هذا الدور السياسي لقيادة الأقباط منذ عام 1952 للعديد من الأسباب، نذكر منها على سبيل المثال فقط لا الحصر:
• سهولة التحكم فيهم لانعدام خبراتهم السياسية والدنيوية لقصر خبراتهم على الحياة الروحية فقط وتَبِعاتها.
• سهولة ترويضهم للخضوع لرغبات الحكومة لعدم حنكتهم التفاوضية وسابق خبراتهم العملية الدنيوية.
• سهولة التحكم في الشعب القبطي بأسره عن طريقهم، لقوة تأثيرهم عليه وانصياعه لهم وخضوعه لقياداتهم التي شملت كافة مناحي ونواحي الحياة العامة، ولم تعد قاصرة على الحياة الروحية فقط داخل المحيط الكنسي.
من هذا المنطلق لهذا الدور، رسخت تلك القيادات في أذهان ووجدان الشعب القبطي خاصة الشباب منهم أنهم لا ينتمون لهذا العالم الدنيوي بل إلى العالم السمائي واختلطت وتضببت الرؤى وتبلبلت أذهان كثير من الشباب في هذا الصدد، وقد أدى ذلك إلى تحقيق ما كانت تريده الدولة بمصر المحروسة ألا وهو: شيوع وتأصيل (السلبية السياسية) بين الشعب القبطي خاصة الشباب، وقد حاولت الكنيسة تخفيف هذه الجرعة مؤخرًا بحثهم على التسجيل الانتخابي للمشاركة عن طريق أسقفية الشباب (مديرية الشباب باللغة المدنية).
ثانيًا: مع ازدياد هجرة الكثير من الأقباط ووصول الخدمات الكنسية لهم منذ بداية السبعينيات لم تنجح القيادات الكنسية في الخارج في لعب الدور السياسي لأقباط المهجر بنفس القدر الذي نجحت به في داخل مصر المحروسة، لاختلاف المناخ البيئي والعلمي والاجتماعي والسياسي وارتفاع سقف الحريات بالخارج عن الداخل... فَوِلدت جماعات تبلورت في شكل منظمات وهيئات حقوقية قبطية بالخارج في محاولات مستمرة ودائبة لكشف الاضطهادات والتمييزات للأقباط بمصر المحروسة أمام العالم أجمع..، في محاولات ضاغطة للحصول على حقوقهم، ولا يستطيع إلا مُكَابِر حقيقة أن بعض الأقباط بالخارج من ضِعاف النفوس قد ركبوا هذه الموجة وانشقوا عن هيئات ومنظمات جادة مٌكونين جماعاتهم الهلامية بتشجيع مباشر أو غير مباشر من بعض الجهات الأمنية السيادية بمصر المحروسة، فتشتت وتشرذمت الجهود بدلاً من أن تتحد وتقوى، وظلت هاتان الفئتان منفردتان بالساحة السياسية القبطية زمنًا، وبعد فترة ومع ازدياد العدد الكمي لا الكيفي) لتلك الهيئات والمنظمات بالخارج ظهر تضارب مصالحهم واختلفت وسائلهم وطرقهم.. مما أثر سلبًا على تحقيق أهدافهم التي أمل الجميع في تحقيقها.
ونتيجة لزيادة الضغوط الاضطهادية وتضخك الاحتقانات الطائفية مع ارتفاع سقف الحريات بمصر المحروسة وُلِدت علي استحياء فئة ثالثة في صورة بعض المنظمات الحقوقية بمصر والمنظمات حقوق الإنسان المختلطة، وصفة المختلطة هنا عائدة على الجمعيات وليس على حقوق الإنسان بمعنى أن الجمعيات بها مسلمين ومسيحيين حيث لن يُسمح بإقامة منظمة دفاع عن حقوق الإنسان المسيحي بمصر لتتولى التعريف بالمشاكل ومكافحتها بالطرق القانونية من رفع قضايا والدفاع بالمحاكم.. ومن شدة تأثير الدور السياسي الذي يلعبه رجال الكنيسة أرتمى معظم رؤساء هذه المنظمات الداخلية في أحضانهم.
إن 15 مليون مصري قبطي -أي مسيحي الديانة- ليسوا نقابة مهنية أو طائفة حِرَفِيَةّ، أو موظفين حكوميين يٌطالبون بزيادة رواتبهم أو الحصول على جزء من حقوقهم.
إن مطالب الشعوب لا تُنال بالإضرابات، فقد ولىَ عهد (الاستقلال التام أو الموت الزؤام) فالإضرابات كانت تتم للمطالبة بالاستقلال ونحن لسنا محتلين والحمد لله، نحن في بلادنا ونُطالب بحقوقنا من حكوماتنا وليس من حكومات مستعمرة. العمل القبطي يريد ويحتاج ويتطلب (الإتحاد مع التنظيم).
بالأمس القريب الثلاثاء 8 سبتمبر أنهى الرئيس المستقبلي لمصر (وفقًا لرؤية رجال الكنيسة) كل مشاكل النوبة بعد أن توجه لهم في بلدهم في هذا القيظ مُصطحبًا 6 من وزراء مصر المحروسة، رافِعًا ومٌرَسخًا مقولة (كلنا مصريون تحت علم واحد) حيث بجهد حزبي من جانبه وجهد تنفيذي من جانب الوزراء حلت نهائيًا مشاكل النوبة.
لماذا... لأنهم متحدون، منظمون.. استقبلوا الرئيس بباقة ورود أهدوها لهم أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية... هل اتضحت الصورة؟
وللحديث بقية....
http://www.copts-united.com/article.php?A=7212&I=196