د. مرسى.. الدين.. المصريون
بقلم: د.رفعت السعيد
إذا كان البعض قد اعتاد بل اقتات بالاتجار بالدين. واتخذوا من ادعاء تمثيلهم للسماء ستاراً يخفون به أخطاءهم، وإذا كان الدين قد تحول فى ذمتهم إلى شعارات متأسلمة يتكسبون بها فى ساحة الانتخابات.. فإن المصريين لا يلبثون أن يكتشفوا خدعة اغتيال أحلامهم وقوت أولادهم وقهرهم تحت غطاء من لحية وجلباب أبيض، وصلاة يحرسها آلاف الجند وتسبقها لتسجلها عشرات من كاميرات التليفزيونات. فالتقوى هنا ليست تقرباً لله- سبحانه وتعالى- ولكنها تقرب إلى ما فيه مصلحة الجماعة ورجالها ومصالحهم، تمهيداً للاستبداد بالحكم أبداً. وقد يخدع الشعب ويصبر فقد اعتاد الصبر، ويخيل للجميع أنه ساكن ساكت أخرس، وفجأة تأتى الجموع المصرية لتقول كلمتها، كان ذلك يحدث دوماً.. حتى فى زمن الفرعون الإله. فالكهنة كانوا يحكمون ويتحكمون باسم الفرعون الإله الذى يتحدث باسم السماء.
وفى نهاية «الأسرة العاشرة»، كانت الأمور قد أصبحت لا تطاق، وتحكم الكهنة فى أمر فرعون وأقنعوه بأن يمنحهم إقطاعات ضخمة مقابل أن يقدموا القرابين للآلهة نيابة عنه، ثم تحول الإعفاء من الضرائب إلى الحق فى جباية الضرائب (مورييه- النيل والمدنية المصرية) وتصاعد الفساد واكتشف المصريون أن الكهنة لصوص «وأنهم يخدعون حتى الآلهة فيذبحون الإوز كقرابين، زاعمين أنها ثيران» (د.شفيق شحاتة - تاريخ القانون المصرى- صـ٦٧)، وعندما بدأت بوادر الغضب المصرى.. صاح الكهنة أنهم لصوص، وهددوا الشعب بأن من يقف ضد الفرعون لن يكون له قبر، وسترمى جثته فى مياه النهر (سليم حسن- الجزء الأول- صـ٤٠٠)، ورغم بشاعة هذا التحذير بالنسبة للمصرى القديم الذى يحلم بالبعث، كان الغضب يعصف بالمصريين. ويترك التاريخ وثيقة بعنوان «تحذيرات كبير الكهنة» وهى موجهة للفرعون «غلت مراجل الغضب فى كل البلاد، سطا الناس واللصوص على الأغنياء وسلبوهم أموالهم وترك الفلاحون زراعة الأرض رغم الفيضان لافتقاد الأمن وافتقاد الخبز مع زيادة الضرائب» (بيرين- تاريخ النظم والقانون الخاص فى مصر)..
وتلخص «الدستور» المصرى الفرعونى فى ثلاث كلمات مقدسة ترجمها جون ولسون فى كتابه «الحضارة المصرية» وهى «ماعت» أى العدل والحق والاستقامة، و«حو» وتعنى السلطة الرشيدة، و«سيا» وتعنى الإدراك العاقل للأمور. ونعود إلى ما نحن فيه، ونحذر الذين يتخذون من تدين مزعوم حصناً يحميهم، ويوحى بأن الرفض لهم ولسياستهم يعنى رفض صحيح الدين، بينما هم يفسحون الطريق لأنفسهم وحدهم كى يحكموا ويتحكموا. ونحذرهم وهم يطرزون دستوراً على مقاسهم وحدهم ومقاس جماعتهم، متوهمين أنهم بذلك سوف يثبتون أقدامهم فى الحكم أبداً، بأن المصريين تعلموا منذ أيامهم الأولى ثلاث كلمات مقدسة اتخذوها دستوراً لهم هى «ماعت- حو- سيا».
فهل يتعظون؟ وهل يدركون أن الجائع قد يصبر يوماً أو أياماً ثم يتذكر قول على بن أبى طالب- كرم الله وجهه: «عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه». ويا دكتور مرسى.. الناس تقف على حافة الجوع، فهل تتعظ بما قاله على بن أبى طالب، أم ستعاند وتنتظر القارعة؟!
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=72888&I=1321