مايكل فارس
نظام الحكم بمصر ليس ديمقراطي بل نظام مباركي.
وزارة الداخلية جهة توثيق فقط وليس من حقها التدخل بمعتقدات وأفكار الأشخاص.
أطالب بتعديلات دستورية لتغيير اسم مصر لتكون "جمهورية مصر".
استمرار خلط جماعة الإخوان المسلمين للديني والسياسي سيؤدى لانهيارهم.
عبد الناصر كان يتعامل بدكتاتورية سافرة مع مجلس الدولة.
هناك قضاة كانوا جواسيس لعبد الناصر والمخابرات.
الشعوب تتقدم بالعمل والاجتهاد وليس بالدين.
الإخوان المسلمون يخلطون بين السياسة والدين وهو ما سيؤدي لإنهيارهم.
الغرب لا يقود حربًا على الإسلام، ومن يعتقد بذلك فهو سلفي وهابي.
حوار: مايكل فارس – خاص الأقباط متحدون
ذهبنا للمستشار محمد حامد الجمل "رئيس مجلس الدولة الأسبق" لنناقشه حول عدد من القضايا وإذ بنقاشنا يتحول من لما يشبه فتح النار على الأخطاء الدستورية والقانونية بمجلس الدولة، إضافة للأحداث الدولية التي جعلت السادات يتوجه للجماعات الإسلامية مما يكشف بوضوح عن نشأة جذور الفساد في مصر....فلنبدأ اليوم أول حلقات إطلاق النار....
* هل المشكلات المتعلقة بحرية المعتقد الديني كانت تُثار بمجلس الدولة قديمًا بنفس الحجم الآن؟
مجلس الدولة جهة قضائية رفيعة المستوى تفصل في المنازعات بين الإدارة والأفراد، وطبيعة هذه النزاعات تخلقها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في زمن معين.
وعند إنشاء المجلس عام 1946 لم تكن به هذه المشاكل لأنه لم يكن هناك الصراع الوهابي السلفي ورغبته في التغلغل في العقل المصري، ولم يأخذ التيار الإسلامي قوة بهذا الشكل المتمثل في الإخوان المسلمين حاليًا والتيارات المتشددة ورغبتها في التأثير على أوضاع وقانون الدولة، ولم ينتشر الفكر الديني المتعصب في المصريين بهذا الشكل، ولم يكن هناك من يمول ويشحن ويدعم هذه الأفكار المتعصبة، ولم تنتشر هذه القنوات الفضائية والإعلام والإنترنت حيث يتم نشر هذه الأفكار، وحتى الصحافة لم يكن لها قوه هذه الآليات الإعلامية الجديدة، فكانت مصر بها سماحة وكان التشريع يتم مع مراعاة الاختلاف الديني للطوائف المختلفة؛ عكس الآن حيث يتم محاولة فرض عقيدة وأحكام على أناس ليس من عقيدتهم أو شريعتهم، وكان لمن يريد تغيير دينه أن يغيره دون اللجوء للقضاء أساسًا.
* هل حدث تدخل من قبل الرؤساء عبد الناصر أو السادات أو مبارك في أحكام مجلس الدولة لإصدار أحكام بعينها لأشخاص بعينهم؟
كان يحدث ذلك في قضايا محددة ذات طابع سياسي ودستوري حساس وكان يتم سرًا، وفي عهد عبد الناصر كان هناك ما يسمي بالتنظيم السري الطليعي للاتحاد القومي والاشتراكي وكان مكون من بعض القضاة في مجلس الدولة وغيره والذين كانوا يعملون مخبرين لعبد الناصر وجهاز المخابرات، ولا دليل قاطع بأنهم تلقوا تعليمات معينة بإصدار أحكام معينة ولكن لدينا نصوص الأحكام والتي تعتبر أحكام شاذة عن القواعد القانونية والدستورية، وكانت هناك دكتاتورية سافرة في عهد عبد الناصر مع مجلس الدولة، فمثلاً ضرب السنهوري باشا ومذبحة القضاة وإعاده تعيينهم مرة أخرى في 1969غير دستوري.
أما السادات كان يرفع شعارات دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية فقط لا غير، ولكنه كان يستعمل ما يسمى السياسة الناعمة مع مجلس الدولة بعمل شعارات وتأمينات صحية وغيرها لضمهم إلى حظيرته، بحيث لا يمس أحد تصرفاته غير الديمقراطية.
مبارك ليس له توجه ولا شعارات تبين نظامه فأصبحت مصر دولة "مباركية"، وذلك النظام حاول السيطرة على الأجهزة القضائية من خلال طريقتين.
أولها: الإغراءات والوعود والانتدابات والإعارات.
الثانية: هو استغلال الخلافات بين المؤسسات القضائية مثل مجلس القضاء الأعلى ووزرائه العدل حيث يتركهم في تصارع ويدخل في وقت محدد يحل المشكلة في حدود معينة فيظهر بمظهر البطل الذي حل المشاكل، ولا توجد رغبة منه لفصل السلطة القضائية عن التنفيذية وهو ما يشكل أكبر مخالفة دستورية.
* كيف يتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا؟
لا يوجد نص قانوني يوضح كيفية تعيين رئيس المحكمة ولكن العرف ساد أن يتم تعيينه بالأقدمية، ولكن هناك أفعال غير دستورية حيث لم يتقيد رئيس الجمهورية بشروط معينة لاختيار رئيس المحكمة.
فمثلاً تم تعيين سيدة محامية نائب رئيس المحكمة الدستورية وهي لم تمارس العمل القضائي في حياتها بالرغم من أنها محكمة تدرس دستورية القوانين وتفصل فيها، فكيف يتم ذلك وهذا شيء غير مسبوق في تاريخ القضاء المصري؟ ولكن تم تعيينها نظرًا لعلاقتها بالنظام وهذا شيء غير دستوري، وهنا من سيحكم فيه وهي نائب رئيس المحكمة الدستورية؟
* هل القضاء المصري نزيهه وعادل؟
من الناحية الفردية نعم.. فالأغلبية العظمى يتحلون بالعلم والكفاءة والحياد، ولكن من حيث تنظيمه وإدارته فهو خاضع للسلطة الشمولية في تمويله وتشريعه وميزانيته الخاضعة للسطة التنفيذية، لذا فالقضاء غير مستقل لأن هذا الجزء الفردي يتعلق بالتنظيم الكلي للقضاء.
* أسباب الفساد في مصر؟
جزء يقع على التشريعات والقوانين التي صدرت لصالح رجال الأعمال والتي فصّلها لهم ترزية القوانين الذين لا يضعوا نصب أعينهم مصلحة الشعب أو العدل بل المعيار الأساسي هو بقائهم في السلطة، وهم يعلمون أنه لا رقيب عليهم ويضمنون تحقيق أرباح فاحشة من عمولات رجال الأعمال الذين يسرقون الأموال ويهربون ويُدخلون للأسواق المصرية الأغذية الفاسدة.. وهكذا.
* وزراة الداخلية هي الأكثر انتهاكًا للأقليات.. فهي التي تمتنع عن إصدار الأوراق الثبوتية للبهائيين والعائدين للمسيحية؟
وزارة الداخلية هي جهة توثيق لشهادات الميلاد وبطاقات الرقم القومي والجوازات.. وهكذا، ولا علاقة لها بديني أو معتقدي، فلو كنت بوذي لا علاقة لوزارة الداخلية بذلك، فدورها ينتهي بالتأكد من صحة البيانات الموجودة بما فيها الدين وتكتبه في أوراقها دون تدخل منها؛أما عن عدم إعطائها أوراق ثبوتية للعائدين للمسيحية والبهائيين فهذا تفسير خاطئ للدستور وطبيعة وظيفة وزارة الداخلية.
ذلك لتغلغل الفكر الوهابي التفكيري في عقول القائمين على مصلحة الأحوال المدنية بل في القضاء نفسه، خاصة هؤلاء الذين كانوا بكليات الحقوق في السبعينات وتأثروا بأفكار الجماعات الإسلامية، والقضاة الذين ذهبوا لإعارات للسعودية ورجعوا بأفكارهم وأصبحوا يحكمون بعواطفهم الدينية لا القانون والدستور.
لأن الحكم لو كان وفقًا للقوانين والدستور فما علاقة وزارة الداخلية والبهائيين؟ ولا يوجد بقانون العقوبات ما يحدد أن الأديان هم ثلاث والباقي نحاسبه ونعاقبه.
* مصر منذ فجر التاريخ واسمها "مصر" حتى في ظل الخلافة العثمانية، وعبد الناصر أقحم كلمة العربية فأصبحت جمهورية مصر العربية، وهناك مطالب الآن لجعلها "جمهورية مصر" فما تعليقك؟
عبد الناصر أقحم كلمة العربية لاسم مصر نتيجة لتعصبه لمبادئه التي أراد تطبيقها على المنطقة العربية، وأولها أنة كان يعتقد أنه سيتزعم المنطقة العربية، لذا فلا بد وأن تكون مصر عربية حتى تتزعم هذه القوى العربية في الشرق الأوسط، ولكن لكي تحكم على هوية دولة تحكم عليها من خلال تاريخها وحضارتها وثقافتها.
لذا فمصر ليست دولة عربية فقط ولا قبطية ولا يونانية فهي أقدم دولة في التاريخ وانصهرت بها حضارات العالم وكونت الثقافة المصرية، وحتى الآن تجد الثقافة الفرعونية هي المؤثرة فينا حتى اللغة كثير من المصطلحات الفرعونية لا زلنا نستخدمها في حياتنا اليومية.
ولو قلنا أن مصر عربية فقط فهذا إهدار لروافد حضارتنا التي لها قرون وكونت الشخصية المصرية، فكيف نحذف كل ذلك ونقول أنها عربية لأننا نتحدث بالعربية؟ بالطبع لا؛ فمثلاً أمريكا بها أجناس مختلفة وأديان مختلفة وطوائف مسيحية كثيرة وهي تتحدث اللغة الإنجليزية.
فهل نحذف كل ذلك ونقول أنها دولة إنجيلزية؟ وبلجيكا بها أناس تتكلم فلمنكي وفرنسي وألماني فماذا نقول عليها؟ المهم أن الشعب متجمع داخل إقليم ونطاق جغرافي يكون ولائه له.
لذا فأنا أطالب بأن يتم تعديل الدستور لتكون مصر "جمهورية مصر"، وكل الأديان في التوراة والإنجيل والقرآن ذكروا اسمها مصر فقط، فلماذا نغيرها؟ وأكبر دليل أن المصريين ليسو عربًا انظر إلى العادات والتقاليد والثقافة المصرية وقارنها بالعربية الموجودة في دول الخليج، فهناك اختلاف شاسع في طريقة التفكير والأكل والزواج.
* هل هناك حرب على الإسلام والدول العربية من الغرب؛ فعند مقتل مروة الشربيني بُعث هذا الفكر مرة أخرى؟
هذه فكرة مغلوطة وتُستغل من أجل الأغراض السلفية والسياسية أيضًا من بعض الدول العربية التي لديها طموح في أن تكون لها ريادة وقيادة في الدول التي تدين بالإسلام أو التي تتحدث بالعربية، لأن الحديث عن كلام يمس الرسول (ص) أو رفض شعارات دينية إسلامية معينة يعتبر من فروع قواعد الدين مثل الحجاب والنقاب ونربطه بالإسلام، بالرغم أنه موجود على المعابد المصرية منذ 7 آلاف سنة وموجود في القرى المصرية منذ قرون وفي العرب يلبسون الطرحة والأكمام الطويلة وكان زي رسمي، ولا نستطيع أن نقول أن هذا الزي ظهر بآية قرآنية.
لذا هذه شعارت سلفية لا أكثر ولا أقل، ولا توجد حرب على الإسلام لأن الغرب يتعامل بمنطق المصالح لا منطق الدين والمشاعر؛ والذي يقول أن هناك حرب فهو يؤمن بنظرية المؤامرة وأنا لا أعتقد ذلك.
* الدين برأيك هل يدفع الشعوب للتقدم أم التأخر؟
الدين جزء بسيط يكون سبب الحضارة والتقدم؛ بدليل أن المسلمين في الحالة المؤسفة التي يعيشونها الآن وهم مسلمون فأين الدين هنا؟
الهند مثلاً بها 690 دين واليابان ليس بها دين، فكيف تقدمت هذه الشعوب إلا بالعمل والجهد والتأمل العلمي في كتاب الحياة؟
** ما هو تقييمك لنشاط جماعة" الإخوان المسلمين"؟
هم يمثلون ظاهرة موجودة في كل الدول لأن المواطنين في الدولة إما يمين أو يسار أو وسط، وأحيانًا يكون اليمين ملتصق بتوجهات دينية والأسوأ هو خلطها بالسياسة وهم في مصر الإخوان المسلمون.
هم يدعون للدين الذي هو دعوة للمطلق ويحاولون فرضه على غيرهم، كما أنهم يخلطون بين الدين والسياسة، وهنا يحدث الخلط بين غايات وأهداف الدين وهي صلاح الإنسان وإرضاءه لربه وبين غايات السياسة وهي الوصول للحكم، التركيز على أن حل كل المشاكل في شعار الإسلام هو الحل ولكن الإسلام كدين وعقيدة وأخلاق لا يحل كل المشاكل المتعلقة بالزواج والإسكان وتلوث المياه وغيرها، فتركيزهم على المُطلق الديني وربطه بالسياسة هو ما سيؤدي لانهيارهم.
http://www.copts-united.com/article.php?A=7336&I=199