ماهر فرغلى
بقلم: ماهر فرغلي
إذا نظرنا إلى عملية الحادي عشر من سبتمبر وجدناها نبعت من الفكر الجهادي الذي كان متناثرًا في كتب التراث وكتب جماعة الإخوان، حيث كان عبد القادر عودة هو أول من قلب الهرم الذي وضعه علماء الدين القدامى حينما أجمعوا بعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم بعد الفتنة التي حدثت في خروج الحسين على يزيد بن أبي سفيان والفتنة التي حدثت في خروج عبد الله بن الأشعث على الأمويين.
قال عودة بأن الفتنة هي في بقاء الحكم الظالم الذي يفتن الناس في دينهم وأن المفسدة الحقيقية هي في بقاء الحاكم الظالم, وقد استدل عمر عبد الرحمن في كتابه أصناف الحكام وأحكامهم بأقوال عودة، وتأثر تنظيم الجهاد بسعيد حوى الذي وضَّح في كتبه البدائل للوصول إلى دولة الإسلام وكان منها الجهاد وكذلك اللبناني "فتحي يكن" الذي كان كتابه "ماذا يعنى انتمائي للإسلام" هو الذي جعل الشباب يختارون بديل القتال والجهاد. كان بديل القتال لدى أسامة بن لادن ورفاقه غريبًا ومتشددًا بمعنى كفر الحكومات سواء مسالمين أو غير مسالمين وهذا ما جرى بالضبط حيث راهن بن لادن والظواهري على قدرة أتباعهم في تحقيق المكاسب من وراء عملياتهم، وكان الحادي عشر من سبتمبر وكانت الضغوط الغربية على حركة طالبان والجماعات الإسلامية وكان أمام الجميع خيارين لا ثالث لهما: إما ثورة التجديد أو ثمرة النصر.
وبين الثورة والثمرة بون شاسع فانتظر الظواهري وهو العقل المفكر الثمرة ولكنها لم تسقط إلى الآن وها هو الرهان الصعب الذي يمر به حيث لم يجد سوى النكاية في أعدائه وإرسال البيانات والتهديدات ودعوة الشباب الصغار إلى تفجير أنفسهم دون النظر للعواقب وشرعية العمل، وفي الغالب ترك المقاتلون الذين يتبعون بن لادن والظواهري الأيدلوجية وكانوا يقاتلون بدون أي مشروعية في سفك الدماء بسبب تأثرهم بما جرى في أفغانستان.
إن إستراتيجية بن لادن قائمة على فكرة استثمار الموت التي أخذوها من جيفارا والمجموعات الثورية في أمريكا الجنوبية، بمعنى أنني لم أحقق الهدف ولكنني حققت الغاية وكانت هي التي تعني الجنة.
لقد افتقد تنظيم القاعدة لمشروع واضع للمراجعة والوقوف مع الذات حيث وضع نفسه بل والإسلام في أزمات متفاقمة حيث رأت أمريكا وتابعيها في أوربا أن الذي أفرز الإرهاب هو الديكتاتورية والفوضى السياسية التي أوجدت مكانًا آمنًا للإرهاب، فعلى الأنظمة الإسلامية أن تطور نفسها لتكون ديمقراطية حتى تحل ضلوع أفرادها في التطرف، وانتهت الأزمة في عدة صور منها سقوط أفغانستان والعراق وتواصل العدوان الإسرائيلي بعد أن اختلفت المنظمات الفلسطينية على السلطة وكان أخطر ما يتهددنا في هذه اللحظات المصيرية أن يخرج من صفوف الأمة من يطرح أفكارًا ورؤى لا تتجاهل دروس التاريخ فحسب وإنما تتعامىَ عن قراءة الحاضر ومضامينه وأهمها أن شكل اللعبة ليس وحده الذي تغير وإنما قواعدها كذلك.
لقد تأخر تنظيم القاعدة في وقوفه مع الذات فلم يمتلك مشروعًا للمستقبل وافتقد رؤية واضحة وهذه هي عبقرية الإخفاق بعد أن تحول للأسف من الهامش إلى المركز وفرض نفسه كقوة عنف موجودة ولكن لا يظهر من هذه القوة إلا قمة الجبل وهو أخطاء فادحة دون أسفل الجبل الذي مازال مغمورًا ويحتاج إلى رؤية ومراجعة، وهذا له أهمية بمكان فالذين قاموا مثلاً بعملية الدار البيضاء وتفجيرات الرياض لو عرفوا التغيرات السريعة التي تمر بالمجتمعات وتأثير هذه العمليات عليها ما فكروا في ذلك وكم من الناس من يستند إلى قول فقيه من الفقهاء لتبرير بعض الأعمال أو يقيس الحكم في واقعه المعاش على فتوى صادرة منذ مئات السنين أو من يحيلك إلى كتاب فقهي من القرون الأولى ليدلل على صحة ما صنع وكل ذلك إنما يعبر عن خلل في التعامل وعدم فهم للتطورات التي طرأت على المجتمع، وإن من الخطأ الشائع أن نصنف الناس ونجعلهم أقسامًا.
قسمًا منهم علمانيين لا ينفع معهم الحوار بل لا يُجدي غير المناظرة وكلمة مناظرة دائمًا توحي بالتحدي وإرادة الغلبة أو محاولة كل طرف أن يصيب الآخر في مقتل.
والقسم الثاني هم الحكام مع أنهم أولىَ الناس بالحوار وأوجبهم لبذل النصيحة وإسداء المشورة.. حوارًا بالحسنى وليس حوارًا بالرصاصات والقتل.
والقسم الأخطر والأهم أتباع الديانات الأخرى ومنهم الغرب المسيحي، فنحن في حاجة للحوار معهم أو ما يسمى بحوار الحضارات أو حوار الأديان وليس القتال والتفجيرات.
http://www.copts-united.com/article.php?A=7339&I=199