مايكل فارس
* منذ 1923 والدساتير المصرية تؤكد على مبدأ حرية الاعتقاد.
* الجماعات الإسلامية لا تستهدف الأقباط فقط بل كل إنسان لا يؤمن بمبادئهم.
* السلفيين قاموا بعملية" غسيل مخ" للمصريين.
* المادة الثانية بالدستور تشمل في حدود تأثيرها السلطة التشريعية.
* السادات تحالف مع الجماعات الإسلامية تحت ضغط ظروف دولية.
* التطرف له جذور منذ عهد ناصر لكن تحول لسياسة بعهد السادات.
* لايمكن تطبيق الشريعة الإسلامية بمصر لأنها ليست دولة دينية.
* الحزب الوطني تأسس من مجموعة أفراد ليس لهم علاقة بمصلحة الوطن.
* السعوديون يكرهون مصر جدًا.
* في مصر الليبرالي مقموع واليساري مدمر ليبقي الحزب الوطني.
حوار: مايكل فارس – خاص الأقباط متحدون
ذهبنا للمستشار محمد حامد الجمل "رئيس مجلس الدولة الأسبق" لنناقشه حول عدد من القضايا وإذ بنقاشنا يتحول من لما يشبه فتح النار على الأخطاء الدستورية والقانونية بمجلس الدولة، إضافة للأحداث الدولية التي جعلت السادات يتوجه للجماعات الإسلامية مما يكشف بوضوح عن نشأة جذور الفساد في مصر..
* هل يمكننا القول أن هناك حرية اعتقاد كاملة في مصر؟
دساتير مصر منذ 1923 أكدت أن حرية الاعتقاد مطلقة وهناك قانون العقوبات الذي به بعض المواد التي تتعلق بعدم المساس بالشعائر الدينية أو عدم منع أشخاص من ممارسة عقائدهم؛ الأمر الذي أدى للانسجام بين نصوص الدستور ونصوص القوانين.
* لماذا كانت الحقبة الساداتية بداية لحالة الإحتقان الطائفي والتقييد على الحريات وخاصة حرية الاعتقاد التي نعيشها الآن؟
هناك ظروف دولية في عصر السادات أثرت على مصر سياسيًا ودينيًا.. منها رغبة تغلغل الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على الشرق الأوسط ومحاولة إخراج الاتحاد السوفيتي منه؛ كما أن السادات ورث نظام عبد الناصر الشمولي والذي كان يتعامل مع السوفيت لمساعدتهم في بناء السد العالي وبعد حرب 67 لإمداد مصر بالأسلحة.. وكان النفوذ السوفيتي متغلغل في أفغانستان في ذلك الوقت تحمي النظام الشيوعي هناك لمواجهة النظام الإسلامي خاصة طالبان.
لأن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة بحر قزوين بها 60% من طاقة العالم فسعت أمريكا لإخراج روسيا منها لذا قامت بتغذية النظام الإسلامي السلفي المتمثل في بن لادن وعرب الأفغان في أفغانستان وتسليحهم لمقاومة روسيا وذلك للسيطرة على المنطقة وإخراج الجيش الروسي من هناك.
وفي ذات الوقت اتبعت نفس السياسة مع السادات الذي أراد أن يرضي أمريكا فردد السادات الرئيس المؤمن للدولة الإسلامية وأطلق أيدي الجماعات الإسلامية لمحاربة الشيوعيين واليساريين في مصر؛ فأخرجهم من المعتقلات والسجون.
* هل برأيك إخراج الجماعات الإسلامية هو السبب الرئيسي لتردى وضعنا الحالي؟
بالتأكيد لأن هؤلاء كانوا على المذهب السلفي الوهابي الذي هو فرع من المذهب الحنبلي الذي تشجعه السعودية وتنميه، وكان على رأسهم الشيخ الشعراوي الذي أعُجَبت به كل الجماهير غير المتعلمة وأنصاف المتعلمين لأنة كان أستاذ لغة عربية في الأساس لذا كان يشرح كلمة كلمة وآية آية وهو ما يسمى في الفقه والقانون "الشرح على المتون" وهي طريقة المذهب الحنبلي حيث تعتمد على النقل لا العقل.
فمثلاً هناك آية "وعلى العرش استوى" المقصود بها هو المعنى المجازي وهو أن الله فوق كل الكون مثلاً إلا أنهم ينظرون للفظ والنص فقط فيجتهدون لمعرفة ما هو العرش وطوله وعرضه... وهو ما أحبه الجماهير.
وقد فرد إعلام الدولة مساحات لا مثيل بها، فبدأ انتشار التيار السلفي في مصر وبدأ غسل العقول واستخدام الأسلحة ضد من لا يؤمن بأفكارهم حيث يعتبرونه كافر حتى لو مسلم فما بالك المسيحي؟!
* ما هى برأيك نتائج محاولات السادات لإرضاء أمريكا وانتشار التيار السلفي في مصر؟
بانتشار التيار السلفي تم القضاء على التيار اليساري والليبرالي في مصر وذلك عكس ما كان يؤكده السادات دائمًا بأن مصر دولة مؤسسات؛ فتلك المقولات أو التأكيدات برأيي لم تكن إلا واجهه جميلة لإخفاء فكر ديكتاتوري.
فأصبحت مصر في حالة عدم توازن بين التيارات السياسية؛ الليبرالي مقموع واليساري مدمر وبقي الحزب الوطني الذي كان أساسه الاتحاد الاشتراكي سابقًا.
* ما صحة القول "إن الحزب الذي يشكل عن طريق شخص في السلطة يكون حزب مصالح"؟
صحيح وهو ما ينطبق على الحزب الوطني بالضبط والذي تم تشكليه من أفراد لا علاقة لهم بمصلحة الوطن أو الشعب لأنهم أرباب مصالح فقط لذا استطاعوا أن يشكلوا قوانين الاستثمار لإعفائهم من الضرائب؛ وتسهيلات إدارية في تسجيل شركاتهم.
وبدأ عصر الانفتاح ثم توغلوا هؤلاء "المصلحجية" في عهد مبارك ليكون لهم نفوذ لا يقاوم.
* هل ترى أن الإصلاح الاقتصادي هو الذي خلق رجال أعمال تزوجوا من السلطة لإنجاب الفساد وإهدار المال العام؟
بالفعل، فأموال رجال الأعمال هي أموال الشعب المصري التي في البنوك حيث يأخذها رجال الأعمال بأوراق وضمانات وهمية لا أساس لها ثم يشترون بها مرافق وأراضي الدولة بالتواطؤ مع المسئولين وشراء القطاع العام وأخذ تراخيص لعمل مصانع وشركات عن طريق الاحتكار.
* إذًا السلطة منشغلة في الفساد مع رجال الأعمال والسلفيين منشغلين بالشعب لغسل عقولهم بأفكارهم؟
بالتأكيد، وبدأوا في اختراق المساجد والمدارس والجامعات والتفكير في أمور تؤدي إلى التخلف لا التقدم والاهتمام بمظاهر الإسلام لا جوهره، وبدءوا في نشر "فقه الجهاد ضد الدولة الكافرة" الذي يرى أن كل مسلم عليه فرض عين ليغير هذه المنكرات ليقيم دولة الإسلام.
أصبح الإعلام مسخر لهم وبدءوا في استخدام الأسلحة لقمع معارضيهم، وفي عهد مبارك تم تحجيم الأسلحة ولكن الإعلام ظل في حوزتهم وبدأ انتشار قضايا الحسبة ضد كل مَن يفكر ويبدع.
* لكن كل هذا التطرف ألم يكن له جذور في عهد عبد الناصر؟
كان لها جذور ولكنها لم تتحول لسياسة دولة مثل عهد السادات، فكان عبد الناصر يقف أمام أي قوى تظهر سواء سياسية أو دينية فكانت الأفكار السلفية تنتشر سرًا في الجوامع والندوات أما السادات ففرد لها مساحات إعلامية وقواها.
* هل كانت هناك مقايضة بين السادات وبين التيار السلفي سواء الإخوان المسلمون أو الجماعات الإسلامية لجعل "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي في التشريع"؟
نعم.. فبعد حرب 1973 أراد السادات أن يستمر في حكم مصر بعد أن اقتنع أنه بطل الحرب والسلام لذا رغب في تعديل الدستور ليضمن بقاءه، فتم وضع 3 محاور أساسية.
أولها: أن يحكم قبضته العسكرية على السلطة.
ثانيًا: أن يضمن الإعلام في قبضته.
ثالثًا: أن يضمن البنوك في مصر لتكون تحت سيطرته وهو من قال أن الصحافة سلطة رابعة ليكمل مسلسل الديمقراطية الذي كان يقوله.. وأراد أن يغير مدة تولي الرئيس فبدلاً من يتولى الرئيس مدة أخرى جعلها "مدد أخرى" لذا فلكي يقبل الإخوان والسلفيين هذا لابد وأن يحقق مطالبهم وهي تطبيق الشريعة الإسلامية لذا وضعها في الدستور عام 1981 ليضمن ولائهم.
* وما المقصود بكلمة "الشريعة الإسلامية" و "المصدر الرئيسي للتشريع"؟
تنقسم الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أجزاء.
الأول: هو النصوص الأصلية للقرآن.
والثاني: هو السنة (الأحاديث النبوية).
والثالث: هو الفقه الإسلامي؛ ولكن الفقه والتراث الإسلامي بدأ منذ العصر الأموي أي منذ حوالي 1200 سنة، وتعدد هذا الفقه من سنة وشيعة وخوارج؛ وفقه ابن حنبل ومالك والشافعي وغيرهم وكل هؤلاء لهم فهم خاص بنصوص القرآن ونظرة مختلفة للأحاديث.
وهنا لا يمكن تطبيق الشريعة بشكل مباشر؛ فمثلاً مصر تعمل بالمذهب الحنفي السني فليس معنى ذلك أن تأتي بكتاب أو حنيفة وتطبق أحكامه بشكل مباشر على الأحوال الشخصية مثلاً. لذا فالمشرع كان لابد وأن يستقي من مصادر الشريعة الثلاثة ما يناسب الوضع؛ هذا بالإضافة إلى أن آيات القرآن التي تبلغ حوالي 6653 آية يوجد بها 275 آية تقع ضمن الأحكام الشرعية وهذه الآيات ليس لها تفسير قاطع الدلالة لذلك يمكن تفسيرها أكثر من تفسير على حسب المفُسر.
أما إن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فيقصد بها هو المُشرع -أي السلطة التشريعية الممثلة في مجلس الشعب والشورى- أثناء إقرارها للقوانين فيجب أن تضع الشريعة الإسلامية نصب عينيها ولا تخالفها وليست موجهة للقضاة أثناء حكمهم ولا للأفراد؛ فيأتي شخص بالكاد يعرف القراءة والكتابة ويظن نفسه الإمام الشافعي وآخر أنه مالك وهكذا ويبدأوا بتفاسير على هواهم؛ لذا فهذا النص الذي سبب مشاكل وأصبحت مصر هل دولة مسلمين فقط أم مسلمين وأقباط أم مسلمين وأقباط ويهود أم كل الأديان حتى الغير سماوية.
وهنا تبدأ الفتاوى والمشكلة أن الذي يفتي "جاهل" فالتعبد شيء والفتوى شيء فيجب أن يكون فقيه في اللغة العربية وأسباب نزول الآيات القرآنية؛ ومعرفة التاريخ الإسلامي كله والتفريق بين المجاز والحقيقة
والمشكلة أن صياغة القوانين في العصر الحديث تتم وفق منهج وخطط موضوعية مدروسة وليس وفق ما تم كتابته منذ قرون مضت وهنا يحدث تصادم بين أحكام الشريعة القديمة وبين صياغة الأحكام والقوانين ومشكلة أخرى وهي أن هناك آيات قرآنية كثيرة لها معنى مجازي يختلف عن المعنى اللفظي وهو ما يصعب تفسيره لاختلاف الفقهاء عليه.
* هل المقصود بكلمة دين في الشريعة الإسلامية هو الأديان السماوية الثلاثة أم كل الأديان؟
لا يوجد نص صريح قطعي الدلالة يؤكد أن المقصود بالدين هو الأديان السماوية الثلاثة وهناك آية تقول "إن الدين عند الله الإسلام" وأخرى تؤكد إن المؤمن يجب أن يؤمن بالله وكتبه ورسله؛ ولكن في ظل دولة مدنية تعتمد على المواطنة كل الأديان يجب أن تتمتع بحماية الدولة.
وعندي سؤال: هل لو جاءنا هندي أو بوزي فلكي أعطيه تصريح إقامة في مصر؟ هل نكتب له "أنت لازم تبقى مسلم"؟ فنحن نتعامل مع العالم بطوائفه وأديانه فلو جاءنا هؤلاء كيف ستتعامل معهم وزارة الداخلية والخارجية هل سيغيروا أديانهم لكي يتعاملوا ويعيشوا في مصر؛ طبعًا لا وهنا تناقض كيف الناس القادمة من الخارج تأخذ حقوقها في مصر والمواطنين الأصليون لا يأخذونها.
* ما هي الإشكاليات القانونية التي تبعت وضع هذه المادة؟
أولاً: هناك ثغرة قانونية وقع فيها السادات وصوفي أبو طالب الذي وضع له هذه المادة والذي كان قد درس تاريخ القانون القديم مثل القانون الفرعوني والروماني كلاهما لم يضعها في حسبانهما إنهما أثناء وضع هذه المادة أرادوا مجاملة التيار السلفي الذي يعتقد بمذهب ابن حنبل والوهابية، ولكن الثغرة أنه التقليد التشريعي المصري منذ 1923 كان ليبرالي بسبب الانفتاح الذي كانت تعيشه مصر، فكان هناك مسيحيين ويهود وجاليات أوروبية في مصر وكان الأقباط واليهود يعيشون في مساواة بينهم وبين المسلمون لذا عند تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 1929 كانت النخبة المشرعة لديها فهم مرن لما يجب أن يكون عليه التشريع ليستوعب هذه الليبرالية، فكان من المستحيل أن يأخذوا من مذهب ابن حنيفة فقط بل بحثوا في كل المذاهب الإسلامية وانتقوا منها التشريعات المتناسبة مع الحياة الليبرالية التي تعيشها مصر ووضعوها في القانون وبهذا التقليد القانوني تم وضع قوانين الوقف والمواريث وغيرها.. وكان من المستحيل أن يأخذوا فقه سلفي ويطبقوه في ذلك الوقت لذا جرى التشريع المصري على فكر مستنير ليبرالي.
لذا عندما وضع السادات نص "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" كان السلفيين يعتقدون أنها مصادرهم وهي مذهب ابن حنبل وابن تيمية ومحمد عبد الوهاب في السعودية.. فكان لا يدرك أن تقاليد التشريع المصري لن تقبل بهؤلاء فقط.
* لماذا حاول الوهابين السعوديين اختراق مصر تحديدًا بأفكارهم؟
السعوديون يكرهون مصر جدًا خاصة بعد حرب "إبراهيم" باشا ابن "محمد علي" الذي ذهب إلى الحجاز ودمر معاقل "محمد عبد الوهاب" صاحب المذهب الوهابي؛ فلم ينسوا احتلال إبراهيم باشا لهم ودائمًا ما يرددون أنه كان مجرم وكان يسلق "زعماء القبائل المنقلبين عليه" في حلل الطبخ.. كان ذلك في معركة الدرعية.
وهؤلاء السعوديين لديهم "هوس" فنظرًا لأنهم يملكون النفط فقط لا غير يتذكرون أنهم احتلوا مصر عهد عمرو بن العاص وجعلوها ولاية وهابية لذا يريدون إرجاعها مرة أخرى لهم.
* وهل نجحوا في جعل مصر دولة وهابية؟
بالتأكيد.... فلو قسمنا مصر ستجدها من الناحية الشعبية المتوسطة التعليم والأميين وهابيين؛ والنظام تجده شمولي لا سلطات فيه، فكل السلطات في أيدي مبارك؛ والاقتصاد هو "اقتصاد عصابي مصلحجي"
* ما هي الأساليب التي أتخذها الوهابيين للنجاح في ذلك؟
أولاً: الدعوة عن طريق الشيوخ والترويج لمذهب ابن حنبل وابن تميمة ومحمد عبد الوهاب تلك المذاهب القائمة على النقل لا العقل؛ لذا إن لم يجد ما ينقل عنه الحكم يخترعه ويؤلفه فيقول أن هناك حديث عن الرسول أو عن أحد الصحابة ليؤيد أفكاره ويقول أنه حكم الإسلام.
ثانيًا: المال.. حيث يذهب المصريين للعمل هناك فيقومون بغسيل لأفكارهم فيعودون بأفكار سلفية متخلفة فينشئون جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثًا: السياسة حيث يقومون برشوة السياسيين المصريين ليكونوا أحباب فيعطونهم هدايا وأموال كتبرع مثلاً للجمعيات وغيرها، طبقًا للمادة الثانية من الدستور (دين الدولة هو الإسلام) فهل معنى ذلك إن مصر دولة إسلامية؟
الإمبراطورية العثمانية كانت دولة إسلامية وبالرغم من ذلك كان بها أقليات دينية مسيحية ويهودية ولم تمس عقائد هذه الطوائف أو القوانين المتعلقة بأديانها مثل الأحوال الشخصية؛ وأمريكا مثلاً بها مختلف الأديان والجنسيات ولكن الكل متساوي أمام القانون، أما مذهب الدولة فهو وعاء يضم كل البشر الموجودين بها دون النظر للعِرق أو الدين. والمشكلة أن السلفيين يفسرون الدستور على هواهم ولكن مصر بالشكل الدستوري الحالي هي دولة ديمقراطية مشوهة وليس دولة دينية أو إسلامية والذي يروج لذلك فهو وهابي فقط ولا يعرف تفسير الدستور؛ ومصر دولة مدنية وهو ما يؤكده رئيس الدولة بنفسه وفي خطبه دائمًا؛ ولكن ما يحدث هو سوء في التفسير والتطبيق وهو الذي لا يعطي للأقليات حقوقها.
لقراءة الجزء الأول من الحوار... أنقر هنا
http://www.copts-united.com/article.php?A=7367&I=200