كمال زاخر موسى
بقلم: كمال زاخر موسى
فى اقتضاب نشر موقع قبطى على الإنترنت تصريحات منسوبة للأنبا نيسنتى اسقف حلوان والمعصرة، قال فيها نصاً { ومن جهة أخرى نفى قوى التيار العلماني في مصر ومطالبهم بتغيير لائحة انتخاب البابا، مؤكدًا أن هذا ليس من حقهم؛ فيما أعرب أنهم لا يشكلوا خمس أفراد، وفي تحدي قال "لواستطعت تسمية 20 فرد سنجلس معهم ونعرف ماذا يريدون، ولكنهم لا يتعدوا خمس أفراد يبحثون عن دور ليس إلا".} وهو تصريح نتوقف معه قليلاً لأسباب عديدة يأتى على رأسها تقديرنا لشخص الأب الأسقف ولتجربته الطويلة بالقرب من المطبخ الكنسى بل ولكونه واحداُ من الفاعلين فيه وقت ان كان سكرتيراً لقداسة البابا وملازماً له فى فترة اعتقاله بدير الأنبا بيشوى عقب قرارات سبتمبر 81 وحتى خروجه منه فى يناير 85 ، وامتناناً من قداسة البابا رسمه اسقفاً عاماً مع بقاءه فى طاقم السكرتارية، ثم فى خطوة لاحقة يتم تجليسه اسقفاً على كرسى حلوان والمعصرة، فيما اعتبره البعض تأكيداً على امتنان قداسة البابا ، اعتبره اخرون أنه اقصاء عن دائرة صنع القرار لحساب جناح أخر ، وهو أمر وارد فى اجواء واجنحة المحيطين بصاحب القرار.
فضلاً عن امتلاكه لسمات شخصية ايجابية فهو مستمع جيد ومحاور موضوعى ويحرص على تأكيد وطنية الكنيسة وحتمية طرح الإشكاليات القبطية بعيداً عن المربع الطائفى، وقد تأكد لى هذا فى تجربة شخصية قبل نحو عشر سنوات حين حضرت واحدة من فعاليات مؤتمر مستقبل الفكر العربى الذى نظمته بالقاهرة مؤسسة سعودية رفيعة المستوى، وكان من بين المتحدثين قداسة البابا وكانت الأجواء تتيح لى التقاء قداسته عقب الجلسة كان من شهوده الأنبا بيسنتى، وامتد اللقاء لما يزيد عن النصف ساعة، ولعله يتذكر ماجرى وقتها من حوارات ثرية وهامة، كانت محل تقدير الاب الاسقف واعتبرها خطوة مهمة فى اذابة الجليد الذى صنعه بعض من شخوص الدائرة القريبة من قداسة البابا، وألمح لى أن البابا مدعو للقاء أخر بعد يومين مع اعضاء الليونز وكان رأيه ان اسعى للحضور لدعم سعى المصالحة، كان المنظم للقاء الأستاذ نبيل البشبيشى والذى زاملته فى مرحلة الدراسة الجامعية بكلية التجارة ( 1968 ـ 1972 )، هاتفته ورحب بحضورى، ليتم اللقاء الثانى مع قداسة البابا وبحضور الاب الأسقف، وكان الحوار كسابقه مفعماً بروح الود والأبوة، ولعله يذكر أن قداسة البابا سألنى هل حدد لك الانبا يوأنس موعداً للحضور للكاتدرائة لنواصل الحوار، بحسب تعليمات قداسته له فى اللقاء الاول، ولما اجبته بالنفى، التفت اليه وكان حاضراً فى اللقائين، وطلب منه تحديد الموعد، وأعقب هذا حوار ثلاثى كان اطرافه الأنبا يوأنس والأنبا بيسنتى وأنا، وهو حوار كاشف للذهنية التى تحكم تلك الدائرة وهو جدير بالتسجيل والنشر، لأنه يجيب على اسئلة كثيرة معلقة ويفسر ما غمض عند كثيرين وربما يفسر كثير من الأحداث الكنسية الملتبسة.
وتمضى الأيام والسنين ولا يتحدد الموعد وتجرى فى نهر الكنيسة مياه كثيرة، ويتأسس تيار العلمانيين عام 2006 والذى كان بمثابة حجر القى فى المياه الساكنة.
ولما كان توقيت المؤتمر الأول للعلمانين والذى تزامن مع احتفاليات مناسبة جلوس قداسة البابا، والمحاور التى تناولها والأوراق البحثية التى قدمت فيه (خمسة عشر بحثاً) تناولت اهم الإشكاليات الكنسية محل الجدل وحملت طرحاً لحلها على خلفية التقليد الآبائى فى قراءة معاصرة له، كانت الأسئلة حول التيار العلمانى وعنه كثيرة، باعتباره تحركاً جماعياً معلناً يطرح أموراً محددة ويسعى لتأكيد ثقافة الحوار وينبنى على قاعدة أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قوامها وعمادها الشعب الذى من حقه بل ومن واجبه التفاعل الإيجابى مع اشكالياته، وتصحيح مفاهيم العزلة والطبقية التى لم تعرفها كنيستنا عبر تاريخها الطويل إلا فى فترات التراجع الفكرى واللاهوتى، وهو استثناء لا يقاس عليه..
وفى هذا المناخ تأتى دعوة من برنامج 90 دقيقة للإجابة على تلك الاسئلة من أنتم؟ ماذا تريدون؟ ماذا فى اوراقكم؟ ، كان من المفترض أن يكون معنا الانبا بيسنتى باعتباره أحد الرموز المستنيرة القيادية فى الكنيسة، حضر الأب الأسقف لكنه رفض أن يجمعنا حوار مباشر، وطلب أن تقسم الفقرة الى قسمين نتحدث نحن ـ الصديق هانى لبيب وأنا ـ فى قسمها الأول ثم يأتى الاب الاسقف فى القسم الثانى منفرداً، وكنا نتفهم دوافعه ولم نكن نسعى لنحمله تداعيات اللقاء المباشر، وبين القسمين ونحن نغادر الاستديو التقينا خلف الكاميرات وكان لقاء حميمياً دافئاً احتضننا فيه الاب الاسقف بوجهه البشوش، فعلق الاستاذ معتز الدمرداش بدهشة لا تخلو من معان ومغزى " ألّه ما انتوا حلوين مع بعض أهه أمال ايه حكاية رفض اللقاء المباشر دى.. وجاء رد الاب الاسقف الدبلوماسى ابداً دول ولادى وحبايبى!! " .
وعندما دعا المجلس القومى لحقوق الإنسان إلى مؤتمر المواطنة كان لنا لقاء ثالث مع الاب الاسقف ولعله يتذكر تعليق الصحفيين على مقابلتنا معاً على هامش المؤتمر والذى كان خبراً فى العديد من الصحف، ومرة أخرى اجدنى مضطراً لحجب تعليق الاب الاسقف وقتها على الحراك العلمانى وهو أمر تكرر من كثيرين من الأباء الاساقفة فى الدائرة القريبة من قداسة البابا، حتى لا تستغل فى صراع الخلافة المحتدم اليوم.
ولعل السؤال للأب الأسقف هل مناقشة ما يطرح من رؤى خاصة عندما يتعلق الأمر بمسيرة الكنيسة ومستقبلها مشروط بحد أدنى لعدد من يطرحه ؟، لنقبل بهذا على هشاشته ربما لأن عدد من يتبنون الرؤية العلمانية التى نمثلها تجاوز الألف وعندى بياناتهم ورسائلهم البريدية الإلكترونية ـ أحفظها فى ملف خاص ـ ومنهم رموز قيادية من أقباط المهجر كانت فى بداية دعوتنا تناصبنا العداء، وعندما تكشفت لهم بعض الحقائق استشعروا منها خطورة الصمت بادروا فى شجاعة ادبية نقدرها ونحترمها الى طلب ضمهم للتيار العلمانى، بل لا أخفى سراً أن اكثر من عشرة من الاباء الاساقفة وفى لقاءات مباشرة أكدوا تبنيهم لطرح التيار العلمانى، شريطة ان يبقى موقفهم بعيداً عن الإعلان، وكنا نرى فى هذا تكرار لموقف نيقوديموس فى لقاءه مع السيد المسيح (الذي جاء اليه ليلا وهو واحد منهم ـ يو 7 : 50)
وعندما اصدرت بيانى الأخير بشأن تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك بعدم ترشيح الاباء الاساقفة ـ ايبارشية وعام ـ والمطارنة حمل لى البريد الالكترونى توقيع خمسة واربعين شخصاً فى اليوم الأول .
والسؤال من الذى يحدد حق نفر من الناس فى المشاركة فى مناقشة الشأن الكنسى خاصة فيما يتعلق بمنظومة ادارتها وهى تتهاوى أمامهم؟ ، خاصة فى كنيسة تتبنى فلسفة الجسد الواحد الذى يقوم على التكامل وينهار إذا تبنى نسق الطبقية والإستعلاء .
ولعل الاهم أن نتناول الطرح العلمانى بعيداً عن الشخصنة والتوازنات والتى اثبت درس التاريخ انها سبب كل نكبات الكنيسة كما رصدته الباحثة الراحلة الأستاذة ايريس حبيب المصرى فى موسوعة تاريخ الكنيسة القبطية، وكنت فى ذات السياق ان يسأل الاب الاسقف عن ما الذى طُرح لا من الذى طَرح !! هكذا تكون الموضوعية .
Kamal_zakher@yahoo.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=7514&I=203