بقلم : د عصام عبدالله
اغتيال "أحمد الجعبري" نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس" في هذا التوقيت، يحمل رسالة بالغة الخطورة تتمثل في ( استحالة ) التوصل إلي حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن بصيص الأمل الخادع الذي راود الكثيرين بعد ثورات ما يعرف بالربيع العربي عام 2011 قد تبخر تماما الآن. إن أغلب الإسرائيليين يعتقدون اليوم أن الحل السلمي لن يأتي في جيلهم. أما أهلنا في فلسطين فقد أدى الجمود السياسي المزمن، والاحتلال الإسرائيلي المستمر، إلى قناعة راسخة لديهم، هي: إذا لم نحصل على " كل شيء" فإننا لن نحصل من الإسرائيليين علي "أي شيء".
اختيار عبارة " عمود السحاب " وإطلاقها علي العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة ليس عشوائيا، كما أنه اختيار لا يشبه من قريب أو من بعيد مسميات العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة، وآخرها " الرصاص المصبوب " نهاية عام 2008، فقد وردت عبارة " عمود السحاب " في العهد القديم " التوراة " في الإصحاح الثالث عشر من ( سفر الخروج ): " وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ. لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً. لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ. " ( عدد: 21و22 )
ولأن صور الأشياء الجديدة – غالبا – ما تكون هي طلائع للتغيرات الفعلية، كما يقول " توماس كون " في شرحه لتغيير " النموذج " أو البرادايم - Paradigm، فإن النظرة إلي العالم تتغير، علي حين غرة وبقوة، بحيث أن الوقائع غير المرئية وغير المسلم بها في البداية، تصبح أمورا بديهية فيما بعد، ومن هنا فإن هذه العملية هي النهاية الفعلية لعصر كامل من الصراع، شهد العديد من المحاولات الشجاعة والمفاوضات من أجل الحل السلمي، حتي لا يصبح الصراع " أبديا " كما يريد له أصحاب الأصوليات المختلفة، كما حفل هذا العصر بالعديد من الرجال الشرفاء في الجانبين الذين أثبتوا للعالم ولشعوبهم أنهم ليسوا علي استعداد لتخليده مهما كانت الأسباب.
الأطراف الرئيسية في معظم هذه الاتفاقيات والمفاوضات ماتزال – لحسن الحظ – علي قيد الحياة، وكمثال علي ذلك، فقد ألتقي قبل تسعة عشر عاما ( 1993 ) " شيمون بيريز " (رئيس إسرائيل حاليا - 89 عاما) و" محمود عباس " (رئيس السلطة الفلسطينية الآن - 77 عاما) في أجمل حدائق البيت الأبيض للتوقيع على إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيما عرف ب" اتفاقات أوسلو "، التي كانت تهدف – في صيغتها النهائية غير المعلنة – إلي إقامة ( دولة فلسطينية ) علي حدود عام 1967 تقريبا.
المفارقة التي رصدتها " تقارير " مؤسسة السلام في الشرق الأوسط في واشنطن، هي: ان ما بُني من مستوطنات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ " اتفاقات أوسلو " كان أكثر من كل المستوطنات التي بنيت قبل التوقيع عليها، بالتزامن مع فشل كل المحاولات الدولية في حمل إسرائيل على تجميد أنشطتها الاستيطانية، وهو ما أدي إلي تقويض طموحات الفلسطينيين لما يقرب من عقدين من الزمان في إقامة دولتهم المنشودة، أو إنهاء الصراع الذي دام خمسة وأربعين عاماً.
إسرائيل لا تنظر إلي هذه العملية العسكرية الجارية حاليا باعتبارها وسيلة لتحييد خطر يهدد وجودها – كما يشاع في وسائل الإعلام - بل إن الأمر برمته يدور حول تأكيد هيبتها الإقليمية ( منفردة ) بعد ما يسمي " بالربيع العربي "، وحسب قادة إسرائيل فإن نفوذ بلادهم في المنطقة أصبح مهدداً إلى حد خطير بسبب صعود نظام إسلامي شبه معاد في مصر، وتزايد احتمالات صعود نظام مشابه في سوريا في نهاية المطاف؛ وهشاشة الأردن الصديقة تقليديا، والدفعة الخطيرة التي أعطتها الصحوة الإسلامية في المنطقة للعدوين اللدودين لإسرائيل، حماس وحزب الله.
الأخطر من ذلك، أن عملية " عمود السحاب " – التي أبلغت بها مصر رسميا قبل وقوعها، من قبل إسرائيل و" قطر " – هي بداية ضياع سيناء ( المحتلة حاليا من قبل الجماعات الجهادية ) بسبب سوء إدارة الرئيس الإخواني " محمد مرسي "، وغياب القرار السياسي ( الوطني ) لصالح أهله وعشيرته، وهو ما يؤكد كلام الناشط السيناوي " مسعد أبو الفجر " من أن: وصول مرسي إلي الحكم هو ( استكمال ) مخطط التقسييم في المنطقة، لأن هناك متلازماتٍ حتمية: فوجود "مرسي" يعني انفصال سيناء عن مصر كخطوة أولى قياسًا بتجربة "البشير" بالسودان، و"صدام حسين" بالعراق، والبقية تأتي!
dressamabdalla@yahoo.com
نقلا عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=76291&I=1355