محمد زيان
*ليس في القرآن نص يأمر بقتال غير المؤمنين بالقرآن... والمفسرون أساءوا فهم نصوص القتال فطبقت خطأ.
* آية القتال الواردة في القرآن تقصد بنى قريظة فقط... إنها كلام عن أمر سلف وليست تأسيساً لأمر مستقبليّ.
* المقصود بالجزية أن تُنيلَ الآخرَ من الخير مثلما صدر منه تجاهك، أو تُنزِل به من الشر مثلما صدر منه تجاهك.
* لو كان الله يقصد كل أهل الكتاب لقال: "قاتلوا الذين أوتوا الكتاب فإنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله".
أجرى الحوار: محمد زيان – خاص الأقباط متحدون
نحاور اليوم صاحب رسالة الماجستير التي كتب عنها المفتي تقريراً من 11 صفحة قال فيه إن الرسالة وما جاء فيها تخالف الثوابت العقيدية وما جاء في الكتاب والسنة، دخلت الرسالة وصاحبها في صراع مع الجمود حتى كُتب لها التصديق والإعتماد، إلا أن هناك جزءاً هاماً منها يتعلق بالجزية ومفهومها وظروفها وموقف أهل الكتاب خصوصاً وأن هذه النصوص لا تزال تلاحقهم حتى الآن كوصمة عار في جبينهم ولا يزال من الكتاب والدعاة وعلماء الإسلام الكثيرين الذين يقولون بأن أهل الكتاب لا بد وأن يدفعوا الجزية لأنهم أهل ذمة فما هي الجزية؟ وهل هي ظرفية أم عامة لكل العصور؟، وهل طلب القرآن قتال أهل الكتاب حتى يتحولوا إلى الإسلام؟، والمعنى الحقيقى للجزية في ضوء رسالة الماجيستير والشواهد التي تؤيد ذلك؟، أسئلة كثيرة طرحناها على الأستاذ أحمد عرفة صاحب رسالة الماجيستير التي خملت عنوان :"ألفاظ العبادات في القرآن الكريم" الر سالة التي أقلقت الأزهر والأزاهرة والتي تقلب المعلوم عند الجميع عن ألفاظ الصلاة والصيام والحج وغيرها فإلى التفاصيل...
** تقول أن الجزية جزاء أي عقوبة، وأنها جزاء أو عقوبة على جريمة، وأنه لا علاقة للجزية بالعقيدة الدينية للجناة، ولكن كتب الفقه والتفسير تصر على أن الجزية مال يدفعه أهل الكتاب للمؤمنين بالقرآن بصورة سنوية، ماذا تقول أنت عن تفسير الفقهاء والمفسرين لكلمة (الجزية)؟
* إذا كانت الجزية مالاً يؤديه غير المؤمنين بالقرآن لدولة المؤمنين بالقرآن، ليؤمّنوهم على أنفسهم ودينهم وممتلكاتهم، لوجب ألا يُذكرَ أهلُ الكتاب في نص الجزية، لأنها تكون مطلوبة منهم ومن غيرهم ممن لا يؤمن بالقرآن، إلا إذا قلنا إن غير المؤمنين بالقرآن من غير أهل الكتاب يُقتَلون قتلاً ولا تقبل الجزيةُ منهم، وهو قول له حضور في تراثنا الفقهي، ولكن عامة المختصين في الفقه الإسلامي في الوقت الحاضر لا يقولون به، ومن جهة أخرى فإن الجزية لو كانت مطلوبة من عامة أهل الكتاب ما كان ثمة داعٍ لذكرالصفات الأربعة المذكورة في نص الجزية، وهي قوله (لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ). لأن هذه الصفات لم تُذكر تعريفا بأهل الكتاب، وإنما ذكرت حيثيات تبرر الأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية، بدليل أنه قال بعد ذكرها جميعا (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)..
وإذا كانت الجزية مالاً يدفعه أهل الكتاب في مقابل الكف عن قتالهم، أو لتأمينهم على أنفسهم وممتلكاتهم، أو لترك تجنيدهم، فإنه لا وجه لتسمية ذلك المال جزية، وإنما الواجب وفق منهج اللغة أن يسمى (فديةً) ولما كان القرآن قد سمّاه جزية لا فدية، فإنه يجب أن نبني تصوراً جديداً لفهم هذا النص فهما يتوافق مع كون ما يعطونه جزيةً لا فدية. وقد حاول الراغب أن يبرر تسميتها جزية فزعم أنها بمعنى المكافأة على حقن دمائهم، [وأنها مأخوذة] من قولهم: جازِيك فلان أي كافيك بالجزاء الطيب المناسب لمعروفك. ولكن يبعُد أن تكون الجزية المؤداة عن يدٍ مع الصغار رداً ومكافأة لمعروف؟ ولا يليق أن يسمى المال المأخوذ قسراً بعد قتالٍ (مكافأةً).
** إذاً ماذا عن الجزية التي أخذها المسلمون من أهل البلاد التي فتحوها في عهد عمر بن لخطاب وكانوا من أهل الكتاب؟
* الفِقرة المتعلقة بالمال من شروط الصلح بين القادة المسلمين الفاتحين وأهل البلاد المفتوحة في عهد عمر- كان جزءاً من معاهدة الصلح وانتهاء حالة الحرب، كعرف دوليٍّ عام في ذلك العصر، ولا صلة له بنص الجزية. ومصدرُ الخطأ أن المفسرين والفقهاء نظروا إلى هذه الفِقرة على أنها ضريبة خاصة بسبب إختلاف الدين. ولما كان معظم سكان البلاد المفتوحة في تلك الفترة من أهل الكتاب، وكان نص الجزية يتضمن الأمر بالقتال حتى تُعطى الجزية عن يدٍ مع الصغار، فقد تم إطلاق اسم الجزية على المال الذي يتعهد أهلُ البلد المفتوحة، بدفعِه سنوياً، دليلاً على دخولهم في سلطان دولة الخلافة. وقد أُولع المفسرون برصد أدنى شبه بين النصوص وبعضها أو بين نص وموقف، ليقولوا هذا تفسير لذلك. وفي هذه الحالة توجد ثلاثة مواضع للتشابه، هي القتال، وكون المقاتَلينَ من أهل الكتاب، وإنتهاء الأمر بإعطاء شيء.
** ومن أي تشريع أخذ عمر فكرة الجزية؟
* يقول الطبري بعد أن بيّن مقادير الجزية التي أمر كسرى أن تؤخذ من الرعايا الخاضعين لملكه "وهي الوضائع التي اقتدى بها عمر بن الخطاب حين افتتح بلاد الفرس، وأمر بإجتباء أهل الذمة عليها"، إن تشريع الجزية باعتبارها ضريبة أمر مدني، ولذلك كان طبيعياً أن يتأسى فيها عمر بكسرى ملك الفرس، دون أن يجد في ذلك أي حرج. وكلمة الجزية تصلح أيضاً أن تطلق على الضريبة، من جهة اللغة، باعتبارها جزاء على رعاية الدولة للمواطن في موطنه وعند سفره إلى خارج وطنه. ولعل هذا سهّل عملية إطلاق اسم (الجزية) على الضريبة في تلك العصور، حيث لم يكن للعرب دولة قبل الإسلام تنظم جمع الضريبة وتخصها باسم معين، وربما ساعد على هذا أيضاً أن المال الذي أمر القرآن بأخذه من عامة الأغنياء، ليُنفق في المصالح العامة، قد سماه الله (صدقة)، وأن الصدقة قد ارتبطت بالدين، لأن من الصدقات ما يكون دينياً خالصاً، مثل صدقة كفارة اليمين. على أن الطبري سيعود بعد قليل ليقول إنه تأسى بواقعة حدثت أيام النبي عليه السلام.
** وعن أي نوع من أنواع الضريبة كانت تطلق ضريبة (الجزية)؟
* نحن هنا لا نتكلم عن معنى كلمة الجزية في القرآن، وإنما نتكلم عن الواقع التاريخي، إن كلمة الجزية أطلقت على ضريبةٌ على الرءوس، وعلى ضريبة الأرض الزراعية أيضاً، فالدكتور محمد ضياء الدين الريس يرى أن هذه الضريبة كانت مفروضة في القرن الأول ستة عشر درهماً على كل شخص في الإمبراطورية الرومانية، وأنها ارتفعت في القرن الثاني إلى 20 درهماً، ويقول في سياق كلامه عن الضريبة في الدولة الفارسية: كان ملوك فارس قبل كسرى يفرضون- أيضاً- على الرءوس ضرائب معلومة، ولكن كسرى في ضوء الإحصاء الجديد الذي أجراه أعاد فرضها وحدّدها؛ فكان النظام الذي استقر عليه رأيُ الجماعة التي عهد إليها بتقدير الأمر، أنَّ ضريبة الرأس جُعلت واجبةً على كل رجل من سن العشرين إلى الخمسين، وأعفي منها مَن دونَ أو فوقَ ذلك، وجُعل لها نظام متدرج: فصيّروها على طبقات: اثني عشر درهماً، وثمانية، وستة، وأربعة، على قدر إكثار الرجل وإقلاله. ولكن أُعفِي من الجزية طبقاتٌ معينة، فكان المُعفَوْنَ أهلَ البيوتات والعظماء والمقاتلة وتم إعفاء المسلمين من ضريبة الرءوس، لأنه كان من الطبيعي أن يُنظر إليهم باعتبارهم الفئة التي يحق لها أن تعفى من ضريبة الرأس حين فرضت، وساعد على ذلك كثرةُ الموارد من البلاد المفتوحة، وقلةُ أعداد المسلمين إذا قورنوا بأعداد سكان البلاد المفتوحة.
وفي رسالة مناقب الترك للجاحظ المتوفى 255هـ: "وكذلك العرب [يُشَبِّهُهُم باليونان في البعد عن مباشرة العمل اليدوي]، لم يكونوا تجاراً، ولا صناعاً، ولا أطباء، ولا حُسَّاباً، ولا أصحاب فلاحة فيكونون مَهَنَة، ولا أصحاب زرع، لخوفهم من صَغار الجزية، ولم يكونوا أصحاب جمعٍ وكسب. وفي تفسير ابن الجوزي أن أبا بكر محمداً بن القاسم ابن الأنباري المتوفى 328هـ، فسّر الجزية في النص الكريم بالخَراج. وهذا يعني أن كلمة (الجزية) كانت تستخدم بمعنى الخراج وبمعنى ضريبة الرءوس، وأنها لم تكن خاصة بأهل الكتاب، هذا كله عن الواقع التاريخي بعد الإسلام، وليس عن معناها في القرآن.
** وما موقف الأحاديث من هذا المفهوم الذي تقدمه لمعنى الجزية في القرآن؟
* إن كلمة الجزية ترد في معظم الروايات المنسوبة إلى الرسول بمعنى الضريبة الواجبة على عامة المواطنين.
ففي ست عشرة رواية تخبر عن خير عام يكون قبل القيامة بعد نزول المسيح، وترد فيها عبارة (وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ)، كانت (الجزية) في هذه الروايات الستة عشر بمعنى الضريبة العامة على جميع المواطنين، ويدل على أنها كانت بمعنى الضريبة العامة، أن عبارة (وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ) تأتي بعدها عبارة (وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ)، وترد جملة فيضان المال في هذا الموضع في إثنتي عشرة رواية. أي إن وضْعَ الجزية في هذه الروايات أمارة على فيضان الخير على الجميع، حتى إن الحاكم لا يأخذ جزية من الناس، فالوضع هنا بمعنى الإلغاء والإسقاط. وفي رواية واحدة من هذه الروايات الستة عشر، يقول الراوي (وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ)، وينبغي أن نفسر لفظ (الجزية) فيها بالضريبة العامة أيضاً، لأن المعنى أنه يلغي الضريبة العامة الواجبة ولا يأخذ الصدقة الإختيارية. وأما الروايات الثلاث الباقية ففيها بعد عبارة وضع الجزية (وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ).
وفي هذه الروايات جميعاً ترد عبارة (يَضَعُ الْجِزْيَة) بمعنى يلغيها أو يرفضها أو يُسقطها، بينما المعنى الذي يرد على الذهن عند استخدام العبارة في سياق الكلام عن الحكّام، أن وضع الجزية هو فرضُها وليس رفضَها أو إلغاءها. وهو أمر يشير إلى رداءة لغة الراوي، الذي كان ينبغي أن يستخدم تعبيراً أوضح كأن يقول (ولا يقبل الجزية). وكان أكثر من اشتغلوا برواية الأخبار النبوية في عصر التدوين من غير العرب. على أن تعبير (ويضع الجزية) قد فسّره البعض بعدم قبولها، تمهيدا لقتالهم وإفنائهم، لأنه من غير المعقول أن يرفض الجزية ثم يقاتلهم ليقبلها بعد القتال.
ولأن الروايات لم تكن دائماً إخباراً عن أمر سلف، وإنما كانت في كثير من الأحيان إستجابة لحاجة جدّت، وُجدت ثلاث روايات من بين الروايات الستة عشر، تلمِّح إلى أو تصرِّح بإفناء الأغيار دينياً، أعني الروايات التي فيها (وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ)، بينما سائر الروايات تتضمن بدلاً من هذه الفكرة فكرة أخرى هي فيضان المال.
وفي رواية تخبر عن سؤال أبي طالب للرسول عما يريده من قومه بدعوتهم إلى الإسلام، يَرِد جواب الرسول- على حدّ قول الراوي- على هذا النحو: "إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ"، أي إنه يريد أن يطيعَه العرب ليتحولوا إلى دولة يدين الآخرون لها بالتبعية، ويؤدون لها ضريبة سنوية دليلاً على هذه التبعية.
وليس في شيء من روايات الكتب التسعة أن الرسول استعمل فلاناً على جزية قومه أو جزيةِ بني فلان، وإنما فيها استعمل رجلاً على صدقةٍ، وعلى صدقةِ قومه. وليس فيها بيانُ ما يؤخذ من الإبل والبقر والغنم والثمار على سبيل الجزية، وإنما فيها ما يؤخذ من هذه الأصناف ومن غيرها على سبيل الصدقة.
فالروايات إذاً لا تشهد أن الجزية ضريبةٌ مفروضة على أهل الكتاب، وإنما تشهد أنها ضريبةٌ عامة على المواطنين.
** أخيراً ما الذي تحب أن توجزه لنا عن نص الجزية؟
* الجزية عقوبة خضع لها بنو قريظة جزاءً على غدرهم بالمؤمنين يوم الأحزاب، ولم يكن هناك حل آخر سوى القتال، إنهم غدروا وقتلوا ويرفضون مبدأ التحكيم فلا بد من قتالهم. وليس في القرآن أمرٌ بمقاتلة عامة أهل الكتاب، ولا أمرٌ بإلزامهم بضريبة سنوية يدفعونها ما داموا غيرَ مؤمنين بمحمد عليه السلام. إن الجزية في القرآن أمر جعله الله نهاية لقتال فئة غدروا وقتلوا ورفضوا التحكيم، بينما هي في كتب التفسير والحديث بديل عن القتال وعن التحول إلى دين الإسلام. فإما أن الله لم يحسن الكلام في آية الجزية، وإما أن التفسير الشائع لهذه الآية مجرد خطأ جسيم، ولا شك عندي في أن الله قد أحسن كل شيء.
لقراءة الجزء الأول من الحوار
لقراءة الجزء الثاني من الحوار
تنويه: المصدر أحمد عرفه رفض التصوير لأنه يخشى الظهور في وسائل الإعلام كصورة
http://www.copts-united.com/article.php?A=771&I=22