القس. رفعت فكري
بقلم: القس رفعت فكري سعيد
في الأيام الماضية كنت أتابع بشغف أخبار الانتخابات الشرسة على منصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" , وبغض النظر عن آراء بعض المتعصبين والمتطرفين المصريين الذين كانوا يتمنون الهزيمة لفاروق حسني فإنني كمواطن مصري مغرم بحب بلدي حتى النخاع - رغم مافيها من مساوئ ومسالب – كنت أتمنى من كل قلبي أن يفوز وزير الثقافة المصري بهذا المنصب الرفيع, ولكن كثيراً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن , فبعد معركة انتخابية ضارية، خسر المرشح المصري فاروق حسني الفوز بالمنصب بعد حصوله على 27 صوتا مقابل 31 صوتًا للمرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا.
وبعيداً عن كل محاولات تبرير الهزيمة , وبعيدا عن الظن بأن الغرب يتآمر على المسلمين والعرب , وبعيداً عن الإنصات لأبواق الشامتين , أوالانضمام لندب النادبين, نحتاج لأن نقف وقفة صريحة وأمينة مع أنفسنا لنسأل لماذا رسب وزير الثقافة المصري في الامتحان؟!! فمعرفة الإجابة دون لف ودوران ربما تساعدنا أن نصلح الخلل آملين في مناصب مستقبلية تفوز بها مصر, وفي تقديري أن فاروق حسني لم يفز بهذا المنصب الدولي لعدة أسباب :-
1- المناخ الثقافي العام السائد في مصر , فوزير الثقافة المصري يتربع فوق كرسي الوزارة منذ أكثر من عشرين عاماً ومع هذا نجد أن المناخ الثقافي في مصر زاخر بالتعصب والكراهية ورفض الآخر , وبالطبع نحن هنا لا نتهم الوزير بالتعصب ولا نقول أنه شجع على وجود هذا المناخ ولكن ما نقوله أنه لم تكن له الشجاعة الكافية في التصدي للتيارات الأصولية وللأفكار الظلامية التي انتشرت بين عدد غير قليل من المصريين كانتشار النار في الهشيم , وبالتالي فإن صورة مصر أمام العالم ليست جميلة وليست متحضرة, وليست كما يجب أن تكون , الأمر الذي شجع أعداء فاروق حسني على محاربته ليحولوا بينه وبين المنصب الدولي المرموق .
2- فلتات اللسان , مما لاشك فيه أن فاروق حسني وزير مثقف ومستنير وله أراؤه الجريئة المستنيرة في الكثير من القضايا الشائكة , ولكنه تحت ضغوط الظلاميين وفي محاولة منه لاسترضائهم ومغازلتهم ودغدغة مشاعرهم وعواطفهم ولاسيما بعد عدة معارك فكرية, قال فاروق حسني خلال مشادة في البرلمان العام الماضي انه سيحرق الكتب الاسرائيلية اذا عثر عليها في المكتبات المصرية, ونُسب اليه أيضا وصفه الثقافة الاسرائيلية بأنها غير انسانية. لاشك إن هذه ليست أراء فاروق حسني الحقيقية ولكنها زلة اللسان التي حاول بها إرضاء الظلاميين والغوغاء, وهذه الزلة دفع ثمنها غالياّ وأضاعت منه منصباً دولياً مرموقاً, وأعتقد أن الموقف من إسرائيل يجب أن ينظر إليه المصريون نظرة موضوعية بعيداً عن العنتريات والمزايدات , على المصريين أن يدركوا أن هناك معاهدة سلام بيننا وبين إسرائيل , ويجب أن نتعامل مع اسرائيل بموجب هذه المعاهدة , أما أن تنقلب الدنيا وتقوم ولا تقعد لمجرد أن الدكتورة هالة مصطفى استقبلت السفير الاسرائيلي , أو أن الهجوم الشرس يطال فضيلة شيخ الأزهر لمجرد أنه جلس مع أحد المسؤولين الإسرائيليين على مائدة واحدة , فكل هذه الأمور وغيرها تنتقص من صورة مصر أمام المجتمع الدولي , وهذه المواقف المتطرفة كفيلة بأن تُفقدنا الكثير على المدى البعيد .
3- المساهمة في نشر ثقافة الالزدراء والكراهية , فوزارة الثقافة لم تسهم بالقدر الكافي في نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر , بل حدث العكس تماماً فهناك بعض الإصدارات التي ساهمت في بث روح التعصب وعدم احترام الآخر الديني المغاير .
4- النظرة للأمور من منظور ديني بحت , ففاروق حسني تضامن معه العرب من منطلق أنه المرشح العربي المسلم , والعالم المتقدم والمتحضر تجاوز هذه النظرة المنغلقة منذ زمن , فالعالم اليوم يضع معيار الكفاءة فوق أي معيار آخر , أما العالم العربي فلا يزال مهووساً بالدين وبالعروبة , الأمر الذي يجعله يخسر احترام العالم وتقديره, أعتقد أننا نحتاج اليوم أن الكف عن ترديد عبارة "نحن وهم" ومقولة "العرب والغرب" فالعالم اليوم بفضل العولمة والكوكبية وبفضل وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة أصبح حجرة صغيرة تتأثر حضاراته ببعضها البعض, ومن ثم فعلى العرب أن يتخلوا عن إنغلاقهم ويدركوا أنهم لابد أن ينتموا إلى الحضارة الإنسانية ككل وليس فقط إلى قومية أو لغة أو عرق أو دين .
وختاماً .. لقد ألقى فاروق حسني خطاباً قوياً ورائعاً وجميلاً أما اليونسكو قال فيه من ضمن ما قال "ويتعلق إلتزامي الأول بتحديد رؤى جديدة لعمل اليونسكو تهدف إلى السلام والتسامح والمصالحة وحقوق الإنسان وبصفة خاصة المصالحة." وقال عن التعليم "ويبدو لي من الأهمية بمكان أن تضطلع اليونسكو مرة أخرى بصورة تدريجية – على أساس دعم دورها الرئيسي في حركة التعليم للجميع خلال السنوات المقبلة – بدورها الأساسي والمتمثل في تحسين تعليم تكويني للمواطنين الذين يتعين عليهم الاضطلاع بحقوق وواجبات في عالم ينفتح بصورة أكبر على الاعتماد المتبادل بين ما هو محلي وما هو عالمي" وقال عن المرأة " لابد من دعم عمل عالمي لصالح المرأة الذي يعد أولوية تدخل في مجالات عدة أساسية وأعتزم أن أعطيها دفعة جديدة، وذلك بالعمل على أن تتبوأ المرأة مناصب ذات مسئولية كبيرة في المنظمة، وأن يكون لعمل اليونسكو في مختلف مجالات تخصصها أثرًا مستداماً في تحسين ظروف المرأة" وعن التقريب بين الثقافات قال "وأعتزم خلال 2010 – وهو العام الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة "العام الدولي للتقارب بين الثقافات" – بالتعاون الوثيق مع التحالف من أجل الحضارات أن أبدأ في مشاورات على أوسع نطاق ممكن مع كافة المحافل المعنية لوضع أساس مبادرة كبرى في هذا المجال توفر إسهام كافة المناطق دون إستثناء". وفي مجال الحريات قال "أرى أن عمل المنظمة في مجال دعم حرية التعبير ودعم الإعلام الحر والمستقل ودعم الحصول على المعلومات يستحق المساندة وخاصة بفضل ترابط أوثق بين الأعمال التي تتم في مجال التعليم والثقافة والعلوم، إن مثل هذا الدعم يمكن أن يوفر أساساً جديداً لدعم مجتمعات المعرفة"
هذه بعض مقتطفات مما قاله فاروق حسني في خطابه أمام اليونسكو , وأعتقد أنه لو نفذ بالفعل بعض ما قاله في خطابه خلال فترة توليه وزارة الثقافة المصرية لربما كانت النتيجة اختلفت تماماً , ولربما كان قد فاز بالمنصب !!
على أية حال أتمنى أن يبدأ من الآن أن ينفذ في مصر ماتمنى أن ينفذه في اليونسكو, وأن ينشر في مصر ثقافة التسامح والمصالحة وحقوق الإنسان وحرية التعبير واحترام المرأة , لعله يفوز بالمنصب الرفيع بعد أربع سنوات من الآن !!
القس رفعت فكري سعيد
راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=7783&I=210