يوسف زيدان واسرار الخلاف في معني الجزية والذمة

لطيف شاكر

بقلم: لطيف شاكر
يبدو ان دكتور يوسف زيدان  يحلو له  ان ينفث سمومه بكتابة المقالات المستفزة للاقباط خاصة ان روايته الاخيرة وجدت ترحيبا واسعا من  المسلمين المصريين والعرب  مما جعلته في حالة نشوة فامتطي موجة الاثارة وانكب علي كتابة مقالات تدس السم في العسل فظاهرها طيب وباطنها صعب نظرا لامتلاكه ناصية اللغة بجدارة.
وفي آخر مقالة له بعنوان اسرار الخلاف وأهوال الاختلاف في جريدة المصري اليوم والذي اصبح كاتبا مرموقا لها   رحبت بكتابة مقالاته   خدمة للقراء المتشددين  الذين يهللون لمثل هذه المقالات التي تناسب ذوقهم وفكرهم المقيت . وفي مقالته الاخيرة يقنن  د.يوسف الجزية التي فرضها العرب  علي رؤوس الاقباط عند احتلالهم مصر والخراج التي فرضت علي الاراضي ورؤؤس المواشي وزاد في غيه واعتبر ان المصريين لانهم لم يحكموا البلاد فهم  ليس اصحاب البلاد معتبرا هذه  المقولة بمثابة خرافات .
 
واود ان ارد علي مقالة الدكتور زيدان الذي اكن له محبة خالصة لان بالرغم من هجومه علينا الا انني اجد علي قسمات وجهه طيبة   المصري الفصيح  وفي كلامه  ادب  المفكر الضليع وفي ردوده  اخلاق المثقف البديع  واشعر باصالة اهل الجنوب الذي اتشرف بانني   منهم  .  وخلافي معه لابفسد للود قضية او يكون لاسمح الله ان تكون قضية الاختلاف تسبب فساد الود .
يقول سيادته (قد نشرت الصحف مؤخرا كلاما عجيبا لواحد من كبار رجال الدين القبطي يقول ان كنيسته تؤيد توريث الحكم في مصر لان جمال مبارك شخص لطيف وحسني مبارك رجل طيب لايطالب الاقباط بسداد الجزية ) ومردود هذا الكلام العجيب كما تذكر سيادتكم -  ولعلم القراء الذي اعلن هذا الكلام  هو البابا شنوده في احدي اللقاءت الصحفية  - له شقين فالاول ان كثير من الاقباط استنكر هذا الحديث لان البابا لايمثل ارادة الاقباط المدنية وطموحاته السياسيه أم مسئوليته فهي في حدود الحياة الروحية  والاخلاق  الفاضلة وسعيه لخلاص الانسان بالارشادوالتعاليم والموعظة فهو معلم عظيم بين ربوة وليس لزاما ان نتبعه في فكره السياسي او الوطني.
اما الشق الثاني فانت تعلم ان قداسة البابا يملك من المواهب كما كبيرا جدا وكلامه يحمل في طياته معني  معينا وهو رفضة لحكم الاخوان المسلمين الذين يطالبون الاقباط بالجزية ورجوع الذمية وعدم الحاقهم بالجيش لاننا خونة في نظر التلمساني ولايحق لنا الحكم في يقين عاكف. 

ولحكمة البابا لم يقبل تسمية الاخوان المسلمين واكتفي باالاشارة  فقطوكل لبيب بالاشارة يفهم . ويؤسفني ان الباحث في التاريخ يري كثير من البطاركة قاموا  بمهادنة الحكام الظالمين من اجل ان يحصل علي رضائهم لمصلحة ابنائه وبالرغم من هذا لم يفوزوا برضاء الحكام العرب بل اعتبروا هذا  خضوع ومذلة وانكسار فزادوهم اضطهادا وعذابا وسخروهم في حفر القنوات واضطروهم  لبيع اولادهم لسداد الجزية  فضلا عن اغتصاب حريمهم وقتل الرجال بلا سبب كما حدث في قرية نيقوس كما يذكر أغلب المؤرخين  و تقول  وثيقة يوحنا النيقوسي الذي عاش   زمن الغزو العربي  وذكرها الدكتور عمر صابرفي رسالته الدكتوراه ( وفي الحال فتحوا  المدينة وكل من جاء اليهم قتلوه ولم يرفقوا بأحد لاشيخ ولا طفل ... وسار المسلمون الي مدن اخري ليحاربوها وسلبوا اموال المصريين والحقوا بهم ضررا..ثم يستطرد يوحنا قائلا فلنصمت الان فانه لايستطاع الحديث عن الاساءات التي عملها المسلمون حين استولوا علي جزبرة نيقوس) .وكان الاوجب والافضل ان البطاركة يحثوا ابنائهم علي اخذ حقوقهم مهما كانت العواقب حتي لوادي الي الموت  لان الموت  هنا رحمة عن ذل الحكام الاشرارالذين حكموا باسم الدين الحنيف والذين الزموا اصحاب البلد بارتداء ملابس معينة مهينة  ولبس الزناروحلق الرؤس بطريقه هزلية وتعليق صليب ثقيل الوزن حتي ازرقت رقابهم ومن هنا جاءت عبارة ابو رقبة زرقاء فهذه الكلمة في رأي اخوتنا المسلمين معايرة لنا وفي نظرنا فخرا بحمل الصليب وفي نظر العالم المتحضر سبة في تاريخ الاحتلال الاسلامي البغيض ووصمة عار علي جبين الغازي القرشي وتاريخه الوحشي.وتقول سناء المصري في كتابها هوامش الفتح العربي لمصر ص180 ان فكرة العربي الذي ينشأ علي الاغارة والحرب والغزو فيعتقد انه السلوك الارقي طالما يمكنه من الحصول علي احتياجاته وزيادته ويضعه علي رقاب الناس في مكان السيادة فيسمي القتال فروسية والغزو جهاد في سبيل الله والقتل شجاعة .

ويقول ساويرس بن المقفع واصفا احد الحكام العرب  بانه كان مبغضا للنصاري سفاك الدماء رجل سوء كالسبع الضاري ويقول في موضع آخر ملك اسمه مروان ثار مثل الاسد اذا خرج من الغابة يأكل ويدوس الباقي برجليه .
ويكتب الدكتور يوسف عن الجزية  ويساوي بين الجزية والخراج ويعتبرها   وحدة واحدة تمثل ضرائب او رسوم او مكوس ولا شأن لها بالدين. وكم ادهشني  هذا الكلام لكاتب المعي وقارئ جيد  في بطون التاريخ فالجزية : مبلغ من المال يدفعه أهل الذمة مقابل حماية المسلمين لهم وعدم مشاركتهم في الجيش الإسلامي وهي تسقط بالإسلام وهي ثابتة بنص القرآن والأصل فيها قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.     .
 اماالخراج : مقدار معين من المال أو الحاصلات يُفرض على الأراضي التي فتحها المسلمون وتركوها لأهلها الأصليين غير المسلمين لزراعتها ,.والذي اسلم له ان يدفع جزية دون الخراج .

وفرضت الجزية في العهد الاموي الاسلامي علي موتي الاقباط ايضا    ( قمة الرحمة والعدل ) بالاضافة علي رهبان الصحراء والكنائس وعلي البطريرك والقسوس ويسجن البطريك لحين سداد  ماعليه من جزية وخراج اما افراد الشعب يقطع علي خلاف او يقتل في حالة الهروب من الدفع .
والعجب كل العجب ان الله يوصي في القرآن باذلال خليقته وهم يدفعون الجزية صاغرون هل  هذا عقاب لهم لانهم يسددون الجزية اوامعانا في الاذلال والمهانة  وماحكمة الله في هذا الشأن وهنا استطيع بكل جرأة ان اتهم اله المسلمين بانه ظالم وكاره  ويستحق وصفه بالاسماء   التي حذفت حديثا وشطبها  من الاسماء  الحسني بعد  اربعة عشر قرنا من زمان غابر حينما ادركوا قباحتها  .

يقول القرشي في معالم القربة في احكام الحسبة ص99 ( يقف الذمي بين يدي عامل الجزية ذليلا , فيلطمه المحتسب بيده علي صفحة عنقه , أد الجزية يا كافر , ويخرج الذمي يده من جيبه مطبوقة علي الجزية فيعطيها له بذلة وانكسار
 وتقول سناء المصري  لم يكن ابن الخطاب يطالب عمرو بتقليل حجم الجزية والخراج  وعدم جمع الاموال  من قبط مصر بل كان الفاروق   يطالبه بزيادة الخراج والحرص علي تحصيل الجزية وجمع كل مايستطيع من خيرات مصر  
  ويأمرعمربن الخطاب   العادل   عمروبن العاص   (اعمل فيه وعجل أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها ) وعندما تولي عبالله بن ابي  سرح  ولاية مصر علي ان يكون عمروبن العاص قائدا للجيش   فيصرخ الاخير   اتريدني ان امسك البقرة من قرونها واخر يحلبها وطبعا البقرة هي مصر . ويقول المقريزي ان الخليفة  امر متولي الخراج(احلب حتي ينقيك الدم فاذا انقاك الدم حتي ينقيك القيح لاتبقيها لاحد بعدي) وتقول سناء المصري تعليقا علي هذا ( وجنون الاستنزاف الذي سيطر علي الخليفة   جعله لايقنع بمجرد حلب اللبن فطالب متولي الخراج بحلب الدم ثم لايكتفي بحلب الدم فيطالبه بحلب صديد الجروح العميقة حتي يترك البقرة جثة هامدة ليس فيها شئ لاحد بعده ) وياللعجب !!!
ويصف عمروبن العاص اهل مصر قائلا : أهل ملة محقورة وذمة مخفورة  يحرثون بطون الارض ويبذرون بها الحب يرجون بذلك النماء من الرب لغيرهم ماسعوا من كدهم  .ويؤكد السيوطي قائلاكان عمرو يسخر الاقباط ليحملوا طعام افراسهم وارتكب آثاما كثيرة لاتحصي
  ونحن لانستطيع الحديث عن التسامح العربي بضمير هادئ والطبري يذكرنا بأن الجيش العربي الغازي قد أسر أعدادا كبيرة من المصريين وان صفوف العبيد من القبط اصحاب البلاد امتدت من مصر الي المدينة واختم حديثي    بمقولة ابن الخطاب الفاروق  لابن العاص كيف تعزهم (الاقباط) وقد اذلهم الله  هل لك يازيدان عيونا تنظر ما ننظره في كتب التاريخ الموثقة عن تقنينك للجزية  ودفاعك عنها ببعض الحكايات الفردية والهايفة  وغير مذكورة الا في مخيلتك وفي كتب التاريخ الصفراء ان الظلم لايتجزأ  ام لك عيون للنظر ولاتبصر والي مقال آخر للرد علي  د. زيدان بشأن خرافة ان الاقباط اصحاب البلد وعلي تبريره لعقد الذمة.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع