الجلد... أثمن هدية للمرأة العربية..!

بقلم: إيمان أحمد ونوس

يفترض التطور الزمني والإنساني تطوراً حركياً وتفاعلياً يدفع بالمجتمعات إلى الأمام. وهذا بالتالي يفترض تطور القوانين الناظمة للحياة الإنسانية من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية وما إلى هنالك من جوانب تستدعي قوانين ونظم تحكمها بهدف الارتقاء بالإنسان أولاً، وتالياً بالمجتمع ليكون على درجة من الرقي والتطور بما يخدم هذه الأهداف.
لكن إذا نظرنا لما يجري في العالم العربي من خروقات غير مسبوقة لحرية وحقوق الإنسان لاسيما المرأة يُصاب بالخذلان وخيبة الأمل من تراجع وتدهور حقيقي لوضع المرأة والتعامل القانوني معها، حيث تعود قوانين بعض هذه الدول القهقرى للوراء انتقاماً حاقداً على المرأة من جهة، وانتقاماً حاقداً أيضاً على النظم والقوانين العلمانية التي سادت تلك البلدان ما بعد حركات التحرر العربية منتصف القرن الماضي.
ففي سابقة غير معهودة في مصر مؤخراً طالب المحامي نبيه الوحش إيقاف برنامج( الجريئة) الذي تقدمه المخرجة السينمائية إيناس الدغيدي ويذاع على قناة( النايل سينما) وهي إحدى القنوات التابعة لقطاع القنوات المتخصصة بالتلفزيون المصري. معروف عن هذه المخرجة جرأتها في تناول قضايا المجتمع وخاصة المرأة مُظهرة الخلل والتخلّف والتناقض في التعامل مع تلك القضايا.
ولم يكتفِ الوحش بهذا الطلب فقط في البلاغ الذي تقدّم به للنائب العام ضدّ إيناس الدغيدي، بل التحفّظ كذلك على كل الحلقات التي تمّت إذاعتها منذ بداية شهر رمضان، ومحاكمة الدغيدي على ما تأتي به من أفعال فاحشة في البرنامج، وهي أفعال وصفها الوحش بالتعارض مع روحانيات الشهر الكريم.
وطالب الوحش بعقوبة الدغيدي بأقصى ما يمكن وهو جلدها مائة جلدة حتى ترتدع عما تفعل، رغم أن عقوبة الجلد لا توجد في القانون المصري، ولم تنفذ من قبل، وكانت الدغيدي قد شنّت هجوماً ضارياً في الحلقة التي استضافت فيها الممثلة التونسية هند صبري على الصحافة المصرية التي تتصيّد تفاصيل صغيرة من اعترافات ضيوفها وتصنع منها مانشيتات عريضة.
وهذا الخبر أعادنا لحادثة الصحافية السودانية لبنى أحمد الحسين والتي واجهت حكماً بالجلد أربعين جلدة بحجة أنها ترتدي ثياباً(بنطال) تخدش الحياء أوائل الصيف الحالي، حيث تمّ توقيف لبنى أحمد الحسين التي تكتب في صحيفة "الصحافة" اليسارية وتعمل أيضاً مع بعثة الأمم المتحدة في السودان، مع فتيات أخريات في الخرطوم، بتهمة أن طريقة لبسهن تتنافى مع قواعد النظام العام في البلاد.

ولقد صرّحت هذه الصحفية لوكالات الأنباء قائلةً: "قضيتي هي قضية البنات العشر اللواتي جلدن في ذات اليوم.. وهي قضية عشرات بل مئات بل آلاف الفتيات اللواتي يجلدن يومياً وشهرياً وسنوياً في محاكم النظام العام بسبب الملابس.. ثم يخرجن مطأطآت الرأس لأن المجتمع لا يصدق ولن يصدق أن هذه البنت جلدت في مجرد ملابس.. والنتيجة الحكم بالإعدام الاجتماعي لأسرة الفتاة وصدمة السكري أو الضغط أو السكتة القلبية لوالدها وأمها.. والحالة النفسية التي يمكن أن تصاب بها الفتاة ووصمة العار التي ستلحقها طوال عمرها كل هذا في بنطلون.. والقائمة تطول، لان المجتمع لا يصدق انه من الممكن أن تجلد فتاة أو امرأة في (هدوم)
تجدر الإشارة إلى أنه وبخلاف بعض البلدان المجاورة فإن المرأة تملك حضوراً واسعاً في الحياة العامة في السودان، غير أن بعض القوانين لا تزال تنطوي على تمييز ضدها بحسب منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان.
وبالطبع تفعل هذه القوانين فعلها في المملكة السعودية بحكم قوانينها التي تقضي بجلد المرأة لأتفه الأسباب.
من خلال كل ما يجري وما تقدّم هل بإمكاننا التنبؤ بحلول إمارات طالبانية عربية في بلداننا(أسوة بما يجري في أفغانستان وسواها) بدل أن تتطور قوانين هذه البلدان لتواكب التطور الاجتماعي والقانوني الذي تمارسه المجتمعات المتحضرة من جهة، ولتعبر عن التزامها الأخلاقي بالاتفاقيات الدولية التي وقعّت عليها((اتفاقية حقوق الإنسان، اتفاقية السيداو أو القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة، القضاء على العنف ضد المرأة.))
إذ لا يمكن لأي عاقل في الكون أن يقبل هذا التراجع والتقهقر الحاصل في الحياة الاجتماعية والقانونية في بعض البلدان العربية والتي كانت فيما مضى منارة التغيير الاجتماعي لاسيما في قضايا تحرر المرأة( مصر)
لكن يمكننا التساؤل: لماذا تواجه مبدعاتنا العربيات عقوبة الجلد إذا ما جاهرن بما يشير لتخلف تلك الذهنية الطالبانية..؟
ألا يُعتبر جلدهن ترويضاً لهن لأنهن تمردن على تلك الذهنية وتقاليدها البالية التي أرهقت كاهلهن وتراجعت بالحياة والمجتمع إلى عصر الحرملك..؟
فأيّ وطن يحمل كل هذا الإرث المتخلّف والذي يعيد الحياة برمتها عهوداً للوراء يوم كانت المرأة أَمَةً وجارية وموؤدة...؟

emanahmad59@maktoob.com
نقلا عن موقع الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع