بقلم: كمال زاخر موسى
السؤال الملح الذي يطرح نفسه الآن ويتهرب الكل من اجابته من يقف وراء الدفع الي تفكيك الدولة علي غرار النماذج البائسة المحيطة بنا؟ من الذي يضغط لتفجير الإثنيات العرقية والنعرات الدينية؟
من يملك أن يفسر لنا الحملات الممنهجة التي تفجر قنابل دخان علي المشهد المصري حتي يتم تنفيذ مخططات التقسيم بعقل بارد وقلب استبدل بحجر صلد؟
لماذا الحديث اليوم عن تحريم وتجريم تهنئة المصريين المسيحيين بأعيادهم؟ وسبقها تمهيد ميداني باتهامهم بشق الصف بزعم أنهم يمثلون60% من المحتشدين أمام قصر الاتحادية منطلقين من مراكز تجميع كنسية, في جرأة تحسب علي من اختلق وروج لهذه الأقاويل, وقد أطلق أرقاما تفتقر للموضوعية والمنطق, وتعصف بحق التعبير والاحتجاج السلمي التي كفلها القانون والتي أكدها رئيس الجمهورية مرارا. لماذا سرب فيديو أحد قادة السلفيين والذي يخرج فيه لسانه لمن غفلوا عن فحوي مواد بعينها في الدستور والتي تطلق يده في اختطاف الدولة لتياره وتقصي من يغايره في الدين بل والمذهب وتنقله من خانة المواطن إلي خانة الأسير؟
علي الرغم من التسليم بوجود منطقة محتدمة الخلاف العقائدي بين الإسلام والمسيحية, لا تحتاج لإشارة أو بيان, وقد تجاوزها المصريون في توافق عبقري عبر ما يزيد علي الألف والاربعمائة عام, واستطاعت الإرادة الشعبية أن تحيلها إلي ما بعد الحياة الدنيا ليحكم فيها صاحب الأمر الأوحد سبحانه, ليزرعوا وحدتهم علي أرضية الوطن والتي تجلت في لحظات تاريخية عديدة, علي رأسها ثورة19 وعبور73 وزلزال25 يناير, فضلا عن الترجمة اليومية في الشارع والحارة والقرية عبر العيش المشترك فرحا وترحا, والثقافة الشعبية في موالد الأولياء والقديسين والمشاركات الوجدانية المتميزة, قبل أن تغشانا رياح التطرف المتصحرة التي هبت علي وادينا الأخضر وكادت تعكر مياه النيل حاملة معها فيروساتها القاتلة, في دورة جديدة لصراع الصحراء والنهر, ولم تفلح في خلخلة الأريحية المصرية, ودليلنا هذا الكم من المعايدات المتلاحقة من المصريين المسلمين لشركاء الوطن من نظرائهم المسيحيين, ردا تلقائيا علي دعوات الانقطاع المجتمعي, والتي استنفرت الجهاز العصبي المصري المقاوم لبعث الفرقة والتمايز والإقصاء, وتبدي هذا في التغطية المتميزة لجل الفضائيات لبهجة المصريين بالعام الميلادي الجديد بغالبية اطيافهم التي تبحث عن ضوء مبهج في نهاية نفق النكد المحاصر ليومهم وربما غدهم.
رغم هذا تنهال علينا قذائف التشكيك والتهكم والتعريض بالعقيدة المسيحية وكأنهم اكتشفوا علي حين غرة وجود تلك الاختلافات الصميمية في العقائد, وحين يحتج البعض ويصعدون احتجاجهم للقضاء يصدمون بتفاعيل غامضة وتبرئة ساحة من يثيرون التراب في وجههم, وحين يحدث العكس في درجة أدني تعتمد علي الاقوال المرسلة وتفتقر الدليل تستنفر العدالة لتحتجزه خلف القضبان لخمسة عشرة عاما. ولو كانت هذه القذائف المفككة للتواصل المجتمعي والساعية لتفكك وطني ينال من وحدة العنصر المصري بل والتراب المصري والجسد الواحد, منطلقة من ثكنات اقمار صناعية أوروبية أو أمريكية أو صهيونية أو معادية إقليمة لكان لها شئ من التبرير, لكن ان تنطلق من مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية, وبمباركة رسمية لم تحرك ساكنا لوقف هذا الاستهداف المقزز, ولم تدرك أن هذه الدائرة الجهنمية لو قدر لها ان تكتمل لكان الثمن فادحا وكارثيا, فهنا تصبح المسئولية واضحة والمساءلة تصير حتمية. والسؤال بعيدا عن التغول والترويع الذي يقوده من يزعمون حماية الشريعة: هل الشريعة تخاطب وتلزم غير تابعيها؟, وهل عندما لا يلتزم بها هؤلاء يحسب أنهم يهددون السلام الاجتماعي ووحدة الوطن؟
في فمي ماء وانا أري ما لا يقوي قلمي علي إعادة وصفه, بين ضغوط وصمت, وبين تبرير ورضاء, لكنني أرصد مع زرقاء اليمامة ما يصمت عن ذكره من يملكون صد الخطر وتفكيكه, الغيوم تتكثف والإعاصير تتجمع حتي يصرخ الأقباط مطالبين بحقهم في وطنهم الذي يختطف منهم جهارا نهارا, وأخشي أن تتحول المطالبات وتتصاعد, وفي الأفق تلوح التجربة السودانية الحزينة التي سارت في نفس المسار, ولن اتطرق الي الصومال أو غيرها, فهل مازال عندنا من يملك آذانا تسمع وعيونا تبصر, أم سنواجه مصيرا لا يملك أحدنا دفع فاتورته؟
نقلا عن الأهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=81167&I=1401