محمد زيان
بقلم: محمد زيان
تصاعدت في الفترة الأخيرة في غيبة من القانون والأمن أحداث العنف الطائفى بوتيرة غير مسبوقة، حتى لا تكاد تفرغ من حدث إلا وتجد تابعه وقد أربك المتابعين والمهمومين بالقضايا المجتمعية، ويحدث غالبًا في المناطق الريفية أو النائية التي لم تحظ باهتمام حكومي مباشر رغم أنها قد تكون من المناطق ذات الكثافة العالية في المناصب مثل الباجور ودلجا في الفترة الأخيرة، وهذا ما يبعث ببرقية خطيرة مفادها أن هناك علاقة عكسية بين التمدن والعنف، فكلما زادت المدنية والتحضر في مكان ما في مصر فإن منسوب الطائفية يقل والعكس موضع الحديث لا تمدن ولا تطور، فإنك تجد الطائفية وقد نشطت وكبرت وترعرعت وأصبح لها أنياب تكشر لكل خير عليها، وتمددت كالأخطبوط الذي يلتهم كل حضارة واقتصاد ونمو وعمران، ومن هذه المقدمة أيضًا نخلص إلى نتيجة هامة هي أنه هناك بالضرورة -حتى الآن في مصر مع كم الملاحظة– علاقة عكسية بين التقدم في المنصب أو العلوم والطائفية، أي أنه ليس شرطًا لوقف الاقتتال الطائفي أن يخرج شخص واحد متعلم لينصح هؤلاء الذين جرفهم تيار الطائفية أن ينصاعوا لكلامه ويكفوا أيديهم عن القتال، ومع هذا الافتراض فإن المكمل لهذا الافتراض هو أن ضخ المزيد من العناصر المتعلمة والمثقفة هو الذي من الممكن أن يلعب الدور الأكبر في اتجاه وقف العنف القائم على الدين.
فعندما يتم الزج بعناصر مثقفة كثيرة في هذا الحيز العمراني المتاخم لمكونات الجهل والقتل والمصادرة على الفكر والحرية والعمل ومحاولات الدمار الحثيثة التي تسعى إليها هذه المكونات البشرية فإن عمل من هذا النوع من شأنه إحداث حالة من التطوير على شاكلة "الصدمة الكهربية"، هذا لو افترضنا أن أكثر من عنصر بشري سيقفون أمام المنتج الطائفي ويقولون له لا..!، على عكس الحالة الأولى التي كان الفاعل فيها فردًا وحيدًا يراه الطائفيون يتجمل على حساب مشروعهم القديم المتأصل القائم على القتل والتدمير والتعذيب والإتلاف، ويرونه يمارس نوع من الرفاهية الفكرية عليهم لا يدرونها ويأخذونها على محمل الاستهزاء بنمو مشروعهم، وفي أحيان كثيرة فإن الطائفيين يتعاطون مع مقولات المثقفين في هذه المرحلة على أنها نوع من النصح الغير قابل للتحقيق بحسبان أن كل المعطيات تصب في اتجاه المشروع الطائفي -بعبارة أدق لا مكان لمحاولات قطع الطريق على هؤلاء الطائفيين-.
وإذا اتفقنا على أن العنصر البشري هو المحرك والدافع لثلاثية الفكر والبيئة والإنسان فسنجد أن الفكر يوجد مع هذا الفرد وجودًا وعدمًا ويخضع لعوامل الصقل والتفريغ أو الإحلال والإبدال على حسب البيئة الموجود فيها ونوعية العنصرالبشري في هذا الحيز أيضًا والبيئة أيضًا ومدى قسوتها وما إذا كانت منتج للفحم أو التكنولوجيا أو بيئة زراعية وصحراوية، كل هذه المقدمات تعين على فهم الإحداثيات التي يرسمها التطرف والعنف في حال الاشتباك ورسم سيناريوهات مستقبلية للشكل الذي عليه هذا المنتج وهو ما يساعدنا في إمكانية التحكم فيه أيضًا.
وبالتالي فإن أي حركة لهذا المشروع يمكن التنبوء بها في المستقبل وهو الدور الذي ربما تفتقده الحكومة في هذه المرحلة من وجود مخططين يتتبعون البؤر الطائفية ويرسمون لها سيناريوهات ومنحنيات القوة والضعف وتحديد متى تتخلق التوترات ومتى تهدأ والعوامل المساعدة عليها... هكذا.
الذي أعنيه في هذه السطور هو كيفية أن تقوم الحكومة بيتني مشروع قومي للحد من والتقليل من أعمال العنف المرتبط بالدين وبخاصة بين المسلمين والمسيحيين، مع التسليم بأن الغالبية الكبرى من هذه الحوادث يعتدي فيها المسلمون على المسيحيين ويقتلونهم ويخرجونهم من ديارهم ويظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، ولعل المتابع يجد أن هذا هو ما حدث في الحوادث الأخيرة، والمطالبة بمشروع قومي حكومى هنا ليست فجأة أو من قبيل الرفاهية الفكرية، بل لأن مصر دولة كبيرة ولها ثقل في المجتمع الدولي وتتطور في اقتصادها ونهضتها ومن المفروض أن يكون هذا التطور غير مصحوب بأعراض جانبية وليس له من منغصات على الصعيد الداخلي وحتى لا تظهر أمام المجتمع الدولي وعندها نفقيصة في مجال الحريات، مع العلم بأن الحكومة في غالب الحيان قد لا تكون هي المحرض على هذه الأعمال بل السكوت عليها وعدم ردعها هو ما يفتح الطريق أمام تكرارها، وبالتالي تُتهم الحكومة هنا بالتواطؤ ويكون الذي يتهمها هنا ليس بمخطئ إذا سلمنا بنظرية "كلكم راع" الواردة في الإسلام.
جزئية هامة تدفع في اتجاه تبني الحكومة المصرية هذا المشروع للحد من الاعتداءات التي تحدث على الأقباط بين عشية وضحاها وتقليل حدة التوتر الطائفى الممزوج بدماء الأبرياء وهو أننا لو نظرنا إلى الحوادث التي تمت في المرحلة الماضية لوجدناها وقد كبدت الطرفين خسائر اقتصادية ضخمة سواء القبطي المقتول الذي حُرق بيته وتم تدمير عمله وأيضًا القاتل الذي يقضي عقوبة السجن فإن الفرصة البديلة هنا تنسحب عليه بالمفهوم الاقتصادى هو والقتيل، فلو لم يقتل لكان قد حقق كذا وكذا في تنمية نفسه وبلده باعتبار أننا نتحدث عن مشروع مدروس، والقتيل لديه أموال أيضًا ولو كان حيًا لكسب كذا وكذا بالمعيار الاقتصادي أيضًا، وبالتالي فإننا أمام آلة تدمير لجيل بأكمله ولاقتصاد دولة يجب أن تعي الدرس سريعًا وتوقف هذا الإهدار المتغافَل عنه للإنسانية باعتبار أن هذا الكم من الدمار مخصوم من الاقتصاد الوطني.
يبقى أن أشير إلى أن هناك من المقايس والمعايير الضارة التي تفشت في المجتمع يجب أن تخضع أيضًا لحدود هذا المشروع الوطني لمكافحة الطائفية، منها التطرف والعنصرية والمسلم والمسيحي والكافر والمرتد والخارج من الملة، وكلها مصطلحات لها تكلفة عالية.. فهل يستوعبها الوطن؟؟
http://www.copts-united.com/article.php?A=8120&I=218