ماجد سمير
بقلم / ماجد سمير
"سعدان القاضي" فلاح من عزبة صغيرة تتبع مركز الباجور بالمنوفية عمره 19 سنة، ماكملش تعليمه وإشتغل مع الأنفار وهو صغير في "لم" الدودة، وبعدها بقى فلاح على أبوه زي ما قالوا عنه في البلد، "سعدان" تقريباً بلدهم مفيهاش أي حد مسيحي وبالتالي مفيهاش كنيسة فما تعودش إنو يتعامل معاهم، واتربى في جو مافيهوش "آخر" على حد تعبير إخوانّا بتوع الثقافة.
إتجنّد في الأمن المركزي وخلّص فترة التدريب بتاعته وإتوزع على قوة قسم الجيزة وأول يوم تجنيد ليه في القسم إستلم نوبتجية حراسة على الكنيسة الكبيرة، وصاحبنا أول ماعرف حس كأن مس شيطاني جاله ومبقاش عارف يعمل إيه وقال لنفسه دا أنا عمري ماشفت واحد مسيحي، هاقف خدمة على كنيسة ؟، زميله في القسم سأله مالك يا دفعة مسّهم كدا ليه؟ رد سعدان، أنا مش عايز أقف الخدمة إللي على الكنيسة، رد زميله عليه إنت عبيط يا جدع إنت، هو بمزاجك دا ميري ماتقدرش تقول فيه حاجة، ثانياً هما هايكلوك؟!.
استسلم "سعدان" للأمر الواقع ولما جه ميعاد الخدمة البوكس عدى وأخذه هو وزماليه، كل واحد ينزل في مكان خدمته، نزل سعدان واستلم الخدمة كانت الكنيسة قافلة باليل قعد جوة كشك الحراسة وولع سيجارة وخباها لأنه حسب ما اتعلم ممنوع التدخين أثناء الخدمة، الجو كان برد جداً وقال لنفسه يا سلام لو ألاقي كوباية شاي، وبص قدامه شاف قهوة "أبو نادم" باينة ومليانة زباين فقال لو صبي القهوة يجي دلوقتي، قعد يتفرج على الحتة، الشارع كبير ومرصوف كويس والبيوت فيها إللي جديد وإللي قديم على الناصية التانية فيه "كشك" باتعة بتاع السجاير مقفول.
نفس اللحظة اللي كان بيتفرج فيها، كان زكريا كوع السباك بيوصل الاثنين الغرب اللي كانوا معاه على القهوة، وهو راجع وقف قدام "سعدان" قال له مامعكش كبريت يا دفعة أولع، شخط فيه سعدان وقال له إمشي ممنوع تقف هنا، رد "كوع" إيه يا عم مالك راح "سعدان" مزعق بصوت عالي إنت هاتمشي ولا مش هايحصل لك طيب.
"كوع" بص له باستغراب وقال دا أنت صحيح فلاح، ما تفوق ياد أنت أنا عملتلك حاجة، على الصوت جة "تفل" صبي القهوة اللي كان بيوصل طلبات لمحل الكشري وقف قدامهم وسأل "فيه أيه يا اسطى زكريا؟" رد "كوع" أنا عارف الواد الفلاح دا، إنتفض "سعدان" من مكانه أنا هاوديك في داهية، فجأة إتفتح شباك من الدور الثالث بتاع الكنيسة، وبص القسيس، وسأل إيه يا جماعة مالكم، ووجه سؤاله "لكوع" مالك "يا أبو أحمد" رد كوع مافيش حاجة يا أبونا دا بس الدفعة دا لسة جديد باين عليه، إبتسم القسيس وقال خلاص ياجماعة وراح قافل الشباك، بص "كوع" لسعدان وقال له كدا خليتنا وقبل ما يكمل كلامه بصت "عطيات" من شباكها إللي على الناصية الثالثة وقالت هو انت يا كوع كدا بتعمل قلق في كل حتة، "كوع" ماردش عليها هو أصله مش بيحب حد يناديه بالإسم دا، وطبعا عطيات هى اللي مطلعة عليه الإسم، "تفل" قال خلاص ياجماعة صلوا على النبي أجيب لك شاي يا دفعة، سعدان إفتكر هو قد إيه نفسه في شاي فقال له ماشي وبعد ما مشي "تفل" خطوتين سأله بكام رد "كوع" على الحساب عندي ياعم رفض "سعدان" العزومة وقال لا أنا مش عايز حد يحاسبلي "كوع" قال له ماتبقاش قفل بقا أنا هاعزمك أنت بخيل ولا إيه؟ روح يا "تفل" بسرعة هات شاي لبلادينا، وإتلفت "لسعدان" وقال له يا عم بدل ما نتخانق قولي إنت إسمك إيه دا زميلك إللي ورديته خلصت حبيب الناس كلها هنا بص له سعدان وقال له إسمي سعدان القاضي ضحك "كوع" وقال، قاضي ويجندوك عسكري ياعم دا إنت تلقاك يادوب "حاجب"، "سعدان" مافهمش النكتة و"كوع" كمان حس بكدة فقال له إيه ياعم أنت خايف تضحك ياخدوا منك ضرايب تبقى "سعد" واحد مش سعدان، "تفل" وصل بالشاي وقاله إتفضل يا دفعة المعلم "مسعد" قال إن طلباتك النهاردة كلها عنده، رد "سعدان" أنا هادفع مش عايز حد يدفع لي حاجة "كوع" قال له هات كبريت بقا، راح تفل مطلع ولاعة ومولع السيجارة "لكوع" اللي قال لهم يالا تصبحوا على خير ومشي.
فجأة باب الكنيسة إتفتح ونزل ولد عنده يجي 13 سنة ومعاه صنية بسرعة سأل سعدان "تفل" مين الواد دا قاله تفل "دا" مينا إبن أبونا متى قسيس الكنيسة، وصل مينا وقال لسعدان "بابا بعث لك العشاء دا" وراح حاطط الصنية جنب سعدان وطالع، سعدان فتح بقه وكشر وقال لتفل أنا مش هاكل من عند المسحيين دول، تفل قال له إنت بتقول إيه يا جدع إنت دا أبونا متى ومراته الدكتورة مرجريت ناس زي الفل، قام "سعدان" من مكانه ونادى على مينا تعالى يالا تعالى، مينا كان مشي ودخل جوة وقفل الياب "سعدان" قال "لتفل" روح نادي عليهم أنا مش هاكل ومينفعش أسيب مكان الخدمة، بص له "تفل" ومشي وهو بيقول له إنت ياعم إنت دماغك فيها إيه.
"سعدان" جعان جداً والأكل ريحته مزودة إحساسه بالجوع رفع الغطاء من على الصنية فلقي أطباق فيها لحمة وأرز وسلطة، كان هايمد إيده لكن إفتكر إللي قاله الواد سليط إللي كان بيجي من بلد جنبهم ويشتغل معاه في غيط العمدة، "سليط" بلده فيها مسيحيين وقال له في مرة إن المسيحيين بياكلوا لحم خنزير وكمان بيشربوا خمرة وبيحطوا منها على الأكل، والأكل دا مش جاي من عند مسيحيين عاديين دا جاي من عند قسيس دا تلقاه عاملوه فيه عمل.
فعلاً رفض يأكل وإستحمل الجوع وبعد حوالي ساعتين أو ثلاثة جه "تفل" بعد ما خلص الشغل ووقف جنبه ولما لقاه ما أكلش سأله إنت برضو ما أكلتش؟ يا بني بلاش الخزعبلات دي دا الكنيسة دي بقى لها هنا يجي ميت سنة والقسيس وكل الناس المسيحيين اللي في الحتة عايشين معانا بناكل ونشرب ونفرح ونحزن سوا، تعجب "سعدان" من الكلام المختلف تماماً عن إللي قاله الواد سليط، "تفل" قال له إنت حر خليك بجوعك، إنت باين عليك مخك تعبان، وكمل كلامه دا أنا كنت ناوي أقعد معاك شوية فرد "سعدان" بسرعة لأ ماتقعدش معايا ممنوع طبعاً، بص له "تفل" وقال له ربنا يشفيك وراح ماشي.
في الصباح انتهت الوردية وجه البوكس ونزل زميله اللي هايستلم منه وشاف على طول الصينية قال له دا القسيس دلّعك أهو رد "سعدان" أنا مابكلش أكل مسيحيين، رد زمليه أحسن آكل أنا، ركب سعدان البوكس واتمنى أنو مايرجعش خدمة تاني في المكان دا، لأنو ماينفعش وهو عمره ما اتعامل مع مسيحيين إنو يكون "حارس الكنيسة".
http://www.copts-united.com/article.php?A=819&I=23