يوسف سيدهم
بقلم: يوسف سيدهم
كلما تفجرت مشكلة من المشكلات التي يطلق عليها «طائفية» -أي مشكلة بين مسلمين ومسيحيين-ينزع البعض إلي إثارة قضية اضطهاد الأقباط، وذلك عادة ما يكون اندفاعاً غير حكيم يدفع بالمشكلة خارج إطار الموضوعية بعيداً عن إمكانية احتوائها والسيطرة عليها، وأنا أميل إلي التعامل مع كل مشكلة في إطار طبيعتها الخاصة دون الزج بها إلي الصورة التي تجعلها تمس مجموع الأقباط... فهناك الكثير من الخلافات التي تنشأ بين مواطنين لا شأن للدين بها، لكن مجرد كون طرفا الخلاف مسلماً ومسيحياً يحوله المحيطون بالخلاف إلي مشكلة طائفية، ثم تأتي الأجهزة الأمنية لتزيد النار اشتعالا بمباركتها لهذا المنحي وتعاملها مع الأمر في ذلك الإطار.
حرصت علي تسجيل تلك المقدمة للتأكيد علي إدراكي للفرق بين ما ينتمي إلي المشاكل المجتمعية أو النزاع الطائفي المحدود وبين ما ينتمي إلي المعاناة المستمرة لفئة متسعة من المواطنين بسبب ديانتهم، فإذا كنا أمام الحالة الثانية وكانت المعاناة تشمل شريحة كبيرة من الأقباط الذين يتعرضون لمشاكل ومضايقات متواصلة دونا عن إخوتهم المسلمين، وكانت هذه المضايقات تتم تحت سمع وبصر الإدارة أو أن الإدارة نفسها هي المتسببة فيها، فحتما نكون أمام حالة ترقي إلي مرتبة الاضطهاد ولا يصلح لدرء تلك الحالة التشدق بالعبارات الزخرفية المعتادة بأنه «لا فرق بين مسلم وقبطي» أو أن «العلاقات بين المصريين أزلية وحميمة» إلي آخر تلك الأدبيات التي نتشبث بها لكن لا ندعها، تعمينا عن الواقع المريض أينما وجد وتعطلنا عن التصدي لعلاجه.
أمامي ملف شائك ومؤسف يتناول أحوال الأقباط في محافظة المنيا، وتحديداً الأقباط التابعين كنسياً لمطرانية مغاغة والعدوة التي تقع في نطاق المنيا، والملف يفيض بقدر كبير من المشاكل فيما يخص دور العبادة والخدمات الكنسية علاوة علي ما يعانيه أولئك الأقباط في الحصول علي تراخيص البناء لمساكنهم أيضاً، حيث يجب عليهم تبرئة أنفسهم من اتهام السلطات المسئولة لهم سلفاً بأن كل بناء يخصهم تكون نيتهم مبيتة لتحويله إلي كنيسة، وعبثاً يحاول الأقباط تبرئة أنفسهم من هذه التهمة- أرجو ملاحظة أي تهمة نتحدث عنها!!!- لكن السلطات وكأنها تتربص بهم تصم آذانها عن أي دفاع وتندفع بصلف واستبداد للتنكيل بهم وعقابهم!!
عنوان الملف يعكس مضمونه، إذ يشير بوضوح إلي «تعاملات الجهات الرسمية والأمنية مع أقباط مغاغة والعدوة بمحافظة المنيا»...كما يتضح من الملف أن المتاعب والمشاكل والهموم التي يتضمنها-والتي أكرر أنها ترقي إلي مرتبة الاضطهاد-تنتمي إلي أكثر من مجال: الكنائس، الجمعيات القبطية، منازل الأقباط، حقوق المواطنة للأقباط ومساواتهم بإخوتهم المسلمين، وأخيرا تعثر الأنشطة المجتمعية والتنموية التي يقدمونها لمجتمع المنيا...وسوف أتناول كل مجال من هذه المجالات ببعض التفصيل لأن الشيطان يرقد في التفاصيل ويفتضح من خلالها المناخ المريض الذي نحن بصدده.
مجال الكنائس ومباني الخدمات:
مبني المطرانية: هذا المبني القديم جداً والذي يشمل الكنيسة وجناح السكن للأسقف وجناح الضيافة علاوة علي الأسوار المحيطة به ظهرت عليه أعراض الشيخوخة التي أثبتها تقرير اللجنة الهندسية التي تولت فحصه وانتهت إلي أنه يمثل خطورة علي شاغليه والمترددين عليه ولا يصلح معه العلاج أو الترميم. وإزاء ذلك واستشعاراً من القائمين عليه بحتمية هدمه لإعادة بنائه، وحيث إن عدد الأقباط التابعين للمطرانية زاد زيادة كبيرة علي مر سنوات عمر المبني، اتجهت النية إلي التقدم بطلب الترخيص بإقامة المبني الجديد علي مساحة أكبر بالأرض ملك المطرانية والمجاورة لموقع المبني المزمع هدمه لخطورته وتداعيه.
توالت الطلبات في هذا الخصوص منذ أبريل2007، وبعد عامين ونصف من الانتظار والمتابعة والاستجداء مع ما يحمله ذلك من مهانة وإذلال جاءت الموافقة علي تجديد وإحلال المبني القديم في مكانه نفسه دون الموافقة علي البناء في الموقع الجديد...ويتساءل الجميع في مرارة: أبعد كل هذه المعاناة نجبر علي هدم المبني القديم ونظل بدون بديل آخر إلي أن ينتهي بناؤه لنحصل في النهاية علي مكان يضيق بنا وباحتياجاتنا الحالية؟.. لماذا هذا الإذلال من جانب السلطات؟
> كنيسة السيدة العذراء-قرية دير الجرنوس-مغاغة:هذه كنيسة أثرية تنتمي إلي الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وهي مزار سياحي للمصريين والأجانب علي السواء، ويجاور مبني الكنيسة مبني للخدمات يضم فراغات ودورات مياه لخدمة جمهور المترددين.تقدمت الكنيسة في مارس2004 بطلب لمحافظ المنيا لإحلال وتجديد المبني وجاءت موافقة المحافظ في أغسطس 2006(!!) وبدأ العمل في نهاية عام2006 ولكن قبل أن ينتهي صدر قرار بإيقاف الأعمال بحجة مخالفتها لقانون الإسكان الجديد رقم 119 لسنة2008!! وتعجب الجميع، كيف تكون الموافقات الرسمية صادرة عام 2006 ثم تتوقف الأعمال الجاري تنفيذها بصدور قانون جديد عام 2008؟!! وبالرغم من ذلك اضطر القائمون علي الكنيسة للامتثال والرضوخ لقرار الإيقاف ومضوا في مسار مضن لإثبات صحة وقانونية الأعمال الجاري تنفيذها إلي أن تم حفظ قرار إيقاف الأعمال-أي إلغاؤه-في30/7/2009 اقتناعا من السلطات بأنه لم يكن هناك مبرر لإيقاف الأعمال أصلاً!!لكن هل تم استئناف الأعمال؟ لا، لأن ذلك يتطلب موافقة المحافظ علي استئنافها وموافقة المحافظ لم تأت حتي الآن....وهكذا يظل المبني غير مكتمل وخدماته غير متاحة للمترددين عليه وتظل السلطات علي صلفها واستبدادها وحصانتها من المساءلة!!
>> سوف أواصل استعراض هذا الملف في حلقات مقبلة حتي يعرف الجميع الفرق بين الأحداث الطائفية وبين العقاب الجماعي للمواطنين الذي يرقي لدرجة الاضطهاد.
http://www.copts-united.com/article.php?A=8197&I=220