بقلم: فوزية سلامة
العرب يعتبرون القهوة عربية ويقدمونها مع التمر للترحيب بالضيوف. واليونانيون يدعون أنها يونانية، والأتراك أيضا يعتبرون أن القهوة اختراع تركي. وإن لم تكن ممن يهتمون بمصادر المعلومات لاعتقدت أن القهوة من اختراع شركة ستاربكس التي لا يخلو من مراكزها شارع أو زقاق في أي مدينة في العالم. وهي مراكز تحرص الشركة على امتلاكها مهما كان الثمن لكي تقضي على منافسيها فتجني من وراء الاحتكار أموالا طائلة لإسرائيل منها حصة لا يستهان بها.
راودتني تلك الأفكار حين قرأت ما للقهوة من تأثير على وظائف المخ والأعصاب. فبرغم ما لفنجان القهوة من أثر في تجديد النشاط ومحاربة الإرهاق بفعل إفراز الكورتيزول فإن آخر الأبحاث أكدت أن الإسراف في شربها قد يصيب شاربها بهلوسات متنوعة. بعد الفنجان السابع قد تسمع أصواتا لا وجود لها وقد تتراءى لك وجوه تظهر وتختفي حتى لو كنت وحدك في غرفة مغلقة.
حين بحثت عن أصل الحكاية اكتشفت أنها بدأت براعي غنم مغامر في أعلى هضبة من هضاب بلاد الحبشة لاحظ أن الجديان تأكل حبات حمراء تنمو على شجيرة برية. وما أن تأكل حتى يتضاعف نشاطها ووثبها المبتهج. فعن للراعي أن يجرب الحبوب بنفسه. وسره الإحساس الذي اعتراه حين أكلها. ولم يستطع كتمان السر فأفضى به إلى راهب من أصدقائه. فجربها الراهب وإخوانه واكتشفوا أن الحبة الحمراء تعينهم على السهر وإطالة فترات العبادة.
في عام 1000 بعد الميلاد انتقلت الحبة الحمراء عبر البحر الأحمر إلى بلاد العرب ولمدة قرنين أصبحت حبات البن المغلية شراباً أثيراً عندهم. واحتفظوا بسرها ولم تخرج من بلادهم كنبتة بل كحبوب مغلية أو محمصة لا يمكن إنباتها. وحين توسعت الفتوحات الإسلامية أينما ذهب المسلمون ذهبت القهوة من شبه الجزيرة إلى شمال أفريقيا ومنها إلى شرق المتوسط والهند. وقيل إن القهوة انتقلت إلى أوروبا بفضل تاجر من تجار البندقية. وكعادة الأوروبيين لم يكتفوا بالتمتع بالامتياز بل بدأ سعيهم لإنتاج البن كمحصول. وتمكن الهولنديون من تحقيق الهدف حين أسسوا أول مزرعة للبن في مستعمراتهم في جزيرة جاوة. وحين انتعشت تجارتهم بدأوا في توزيع شجيرات البن كهدايا للملوك والأمراء.
في عام 1714 تلقى لويس الرابع عشر من هولندا شجيرة بن كهدية احتفظ بها في حديقة قصره إلى أن سطا على الحديقة ضابط بحري فرنسي حمل فرعا منها إلى جزيرة مارتينيك في البحر الكاريبي. وخلال نصف قرن أصبحت النبتة الواحدة ملايين الشجيرات. ومن مارتينيك إلى البرازيل التي أسست اكبر إمبراطورية للبن في العالم.
أعترف بأنني أفضل البن البرازيلي على غيره وحين احتسي فنجان القهوة اليومي الذي أسمح لنفسي به لا يخطر على بالي أن قصته بدأت في الحبشة واستقرت في بلاد العرب وانتشرت من بلاد المسلمين إلى العالم حتى وصلت إلى أيدي ستاربكس، وأصبحت جزءا من ثقافة شبابية بصرف النظر عن أهدافها وتوظيف أموالها. ما زالت مزارع البن في اليمن دليلا على أصول النبتة الحمراء. وما زال منا من يفضل التوليفة العربية المضاف إليها الهيل على غيرها، ومنهم صديقي العربي الفلسطيني المغترب الذي يأتينا زائراً ومعه خلطته المفضلة من البن العربي ويقول لي على استحياء: سوف أحتفظ بهذا البن عندك في البراد حتى أشرب في بيتك قهوتي المفضلة.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=8218&I=221