د. وجيه رؤوف
بقلم: د. وجيه رؤوف
نتأمل كثيرًا في تلك الحياة مفارقات عجيبة وأحداث جمة, وحقيقة تظهر كل المتناقضات في آن واحد, فبينما يُثار الناس من الظلم ومن القهر في معظم الأحيان نجد في الجانب الآخر من يعمل كبطانة للظالم ويساعده ويؤازره, وحقيقة أنك في نفس الوقت الذي تكون ناقمًا فيه على الظالم بقدر ما تكون حزينًا لما وصل إليه في النهاية نتيجة لظلمه.
ولكي أبسط عليكم تلك المسألة الفلسفية المعقده أقول:
لكل إنسان على الأرض مميزات وعيوب، وتُقاس شخصية الإنسان بما فيها من نسب، وأعتقد أن الكثيرون يميلون إلى الشخص الأكثر ميزة والتي تكون غالبًا عيوبه قليلة, ولكن قد تفرض ظروف الحياة على البعض من ضعاف النفوس أن تزيد عيوبهم على مميزاتهم ولا يلقوا بالاً إلى سمعتهم وما يقوله الناس عنهم لما يحوطهم من عزوة وقوة وسلطان.
وسأضرب مثالاً واضحًا عن الزعيم الراحل محمد أنور السادات زعيم مصر وبطلها وهو من عبر بمصر من الهزيمة إلى النصر, حيث كانت محبة جميع المصريين في أوجها لهذا الزعيم الذكي الذي ناور أعدائه بدهاء غايه في الذكاء والرقي والذي استفاد بخبرات الجميع في حرب السادس من أكتوبر، فقد استفاد من خبره اللواء باقي يوسف صاحب الخبرة في اقتحام خط بارليف عن طريق دحر الساتر الترابي بخراطيم المياة القوية (تلك التجربة التي استفادوا بها أثناء بناء السد العالي سابقًا)، كما استفاد هذا الزعيم المعجزة بإخوتنا النوبيين اللذين وضعهم على سلاح الإشارة فكان الإسرائيليون يسمعون لغه لا يفهمونها ولا يستطيعون كتابتها وتم للسادات ما يريده، وحينما رأى أن حربه بعد ذلك سوف تكون مع أمريكا فضّل بذكائه سلاح السلام من منطق القوة واستطاع أن يسترد سيناء بالسلام.
وأعتقد لو أن من يتولى مصر يحمل شعارات رنانة وميكروفونات عالية مثل أعضاء حماس وما شابه، لكن إلى الآن في حرب استنزاف ليس فيها من أمل ولا شفاء.
ولكن رفض العرب وأبى المرتزقة أن تهنأ مصر بالسلام فاتهموها بخيانة القضية، ناسين أن السادات قد قدم لهم خيار السلام ولكنهم فضلوا خيار الميكروفونات التي ما زالوا يصدحون بها إلى الآن, وفي خضم كل هذا نسى السادات أن انتصاره وتفوقه في هذه الحرب كان من الله وأن من عبروا تلك القناة كانوا من مسيحيي ومسلمي مصر وأنهم جميعًا كانوا يكبرون الله أكبر المسيحي والمسلم كانو يقولونها، فحاول السادات تمويل العناصر الإسلامية وتزويد رقعتها حتى تأتي على التيار الناصري وتفرض وجودها على الساحة, وبالطبع فرض هذا التيار نفسه على الجميع وهمّش الجميع، وتستطيعوا إذا أردتم أن تطلعوا عن ما كان يحدث داخل جامعة أسيوط في الثمانينات من نشاط لهذه الجماعات، فرض نفسه على أساتذة الجامعة وعلى الطلبة وأنشطتها وكان ذلك بمساعدة الأمن في بعض الأحيان.
وعانى الطلبة الأقباط الكثير في تلك الفترة من الظلم والقهر والتهميش، بل أني أذكر أن هناك طالبًا مسيحيًا فاز يومًا ببطولة الجامعة في الكاراتيه وتم قتله في نفس اليوم حتى لا يهنأ بالفوز, وهناك أحداث كثيرة تم فيها احتجاز الطلبة الأقباط داخل المدن الجامعية وتم منعهم من دخول الإمتحانات والكثير والكثير..
ولكن لا تسير الأمور دائمًا على وتيرة واحدة، فهناك الإله الغير غافل والذي يرى ويسمع أنّات المظلومين، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر وتبدأ سلسلة من الاختلافات بين الجماعات والأمن أدت إلى اشتباكات بينهم، ولقد أدت قوة الجماعات في حينها ولمدى قوتها أن أسيوط كادت أن تنفصل عن الجمهورية نظرًا لقوة إعدادها ودقه تنسيقها، حيث استطاعوا أن يسيطروا على مديرية الأمن في أسيوط.
وتعددت الإشتباكات فيما بينهم وبين قوات الشرطة، وحدث الكثير من الهجوم على كمائن الشرطة ووحدات المرور، وزاد الصراع مما أدى إلى عصبية السادات وخيّل له أنه في صراع مع الجهاديين ومع الكنيسة، وفكر في نظرية التوازن الظالمة التي قدم فيها الأقباط ككبش فداء، وحدثت حركه الاعتقالات الكبيرة في صفوف علماء الإسلام ومنهم الشيخ الكبير الشيخ المحلاوي والكثير من القيادات الإسلامية البارزة، وفي الجانب الآخر تم تحديد إقامة البابا شنودة بابا الإسكندريه في دير وادي النطرون وأُدخل الكثير من الأساقفة والكهنة المعتقل وهم أبرياء لم يقذفوا يومًا إنسانًا بحجر أو حتى بنبلة.
واستمر الأنين من الجانبين.. أنين من الجانب الإسلامي ومن الجانب المسيحي، وصلى الجميع وبكى الجميع وصمت كثيرين ولم يتكلموا واكتفوا بالصلاة...
وكان ما كان من اغتيال الزعيم وهو في أوج قوته ووسط قواته ووسط جيشه..
وأتذكر يومها وأنا أشاهد العرض في التلفاز، حيث أنني كنت من أشد المعجبين بالراحل السادات وأحب مشاهدة هذا العرض كل عام، وإذا بي أفاجأ بأن كاميرا التليفزيون تنقلب إلى الأرض والمذيع يصرخ: خونة.. خونة..
حقيقه بعد أن علمت الخبر بكيت كثيرًا وتألمت كثيرًا..
نعم نعلم أنه ظلم كثيرين ولكنه الزعيم صاحب النصر العظيم ولا نرضى له أبدًا هذه الميتة الشنيعة وفي يوم فرحة وفرح المصريين.
والغريب أن دفاع خالد الأسلامبولي -قاتل السادات- في المحكمة دافع عن إطلاقه للرصاص على السادات بقوله: وما رميت أذ رميت ولكن الله رمى!!
نحزن كثيرًا على ضحايانا، وقد حزنت على الرئيس السادات كثيرًا كما حزنت على الرئيس صدام حسين, ولكن هذه مشاعري أنا وتحليلي أنا حيث أن بطبيعتنا المرهفة قد نتألم من تصرفات البعض الظالمة ولكن طبيعتنا ترفض أن نراه يتألم, وما أريد أن أقوله هو أن الجميع صلوا وتألموا بصمت فسمعت السماء صوت صمتهم وتحدثت بفعل الله .
http://www.copts-united.com/article.php?A=8232&I=221