طباعة
الصفحة |
 |
بقلم / لميس جابر
مازالت المناهج الدراسية في التاريخ محتفظة بنفس الرأي في ثورة ٩١ وهو الذي درسناهنحن في مطلع الستينيات.. ومازلت أذكره حتي يومنا هذا.. ويقول التاريخ المدرسي أن اسباب فشل ثورة ٩١ هو اهتمامها بالبعد السياسي واهمالها للبعد الاجتماعي، ولهذا انتشر الإقطاع والرأسمالية المستغلة وامتلك ٥٪ من سكان مصر ٥٩٪ من الثروة وتحول غالبية الشعب الي عبيد عراه حفاة واهتمت الاحزاب السياسية الفاسدة بالتكالب علي تولي الحكم والخضوع للاستعمار واعوانه والملك وجبروته ولذلك كان يجب ان تقوم ثورة يوليو لتقضي علي الإقطاع واستغلال رأس المال والاحزاب الفاسدة والملك الطاغية وتحقق العدالة الاجتماعية وتعيد خيرات البلاد الي أهلها.
وكانت عبارة "اهتمام ثورة ٩١٩١ بالبعد السياسي واهمالها للبعد الاجتماعي" عبارة غامضة بالنسبة لي ولكني حفظتها كما هي والسلام من باب المذاكرة وايضا من باب الهتاف لثورة يوليو التي غرقنا فيها لشوشتنا يا حول الله.. ومازال الطلبة يحفظونها حتي يومنا هذا كماهي دون ان يفهموا اي معني لها مثلنا تماما وبعد هذا العمر مازلت أتعجب من هذه العبارة.. وأتساءل: كيف يتم الفصل بين ما هو سياسي واجتماعي وهو الحرية والقانون والعدل غير قادرة علي
تحقيق عدل اجتماعي ونهضة اقتصادية؟ وهل الملاك الزراعين الاغنياء ولا اقول "الاقطاع" لأن اللفظ غير حقيقي بالنسبة للملكية الزراعية فيما قبل الثورة
.. هل هؤلاء نتاج لثورة ٩١٩١ أم هم ملاك بالفعل قبلها بمائة عام علي الأقل؟ كان الهم السياسي لثورة ٩١٩١ هو الاستقلال والدستور وكان سعد زغلول يحرص علي الدستور ويستمد قوته منه واستطاع ان يتولي رئاسة اول وزارة وفدية برلمانية في تاريخ مصر الحديث وبعد انتخابات حرة نزيهة تكّون اول برلمان مصري.. واستطاع سعد ان ينتزع حق الامة والشعب بواسطة دستور ٣٢ رغم أنه كان يعطي صلاحيات مبالغ فيها للملك فؤاد، وعندما اختلف سعد مع الملك حول حق اختيار اعضاء مجلس الشيوخ المعينين وثارت ازمة كبيرة لجأ الي تحكيم ابارون فاندن بوش الذي أقر بأحقية رئيس الحكومة في اختيار الاعضاء المعينين لأن الدستور ينص علي أن الملك يحكم بواسطة وزرائه وكان اهتمام سعد بالدستور لقناعته ان الحرية والقانون هما الطريق الوحيد للعدالة والرخاء.. وفي ظل الثورة بُعث الاقتصاد الوطني مع بنك مصر وطلعت حرب بعثا يشبه المعجزات..
وعلي سبيل المثال لاالحصر تأسست شركة مصر لحلج الاقطان والغزل والنسيج بالمحلة الكبري واخري بكفر الدوار وشركة مصر للكتان ومصر لتصدير الاقطان ومصر للنقل والملاحة النهرية والتمثيل والسينما واستوديو مصر، فبدأت صناعة السينما.. ثم شركة مصايد الاسماك وبيع المصنوعات ومصر للتأمين ومصر للطيران ومصر للسياحة ومصر للمستحضرات الطبية ومصر للملاحة البحرية وغيرها الكثير.. ومن البديهي ان نهضة اقتصادية بهذا الحجم لابد وأن تؤدي الي نهضة اجتماعية.. والبداية هي الثورة ثم الدستور..
وبالمناسبة فنحن لا نمتلك الآن شركة ملاحة نهرية ولا بحرية تجارية مثلا،ً وبعد وفاة سعد كافح الوفد بزعامة النحاس في سبيل الدستور خمس سنوات الغي فيهم الدستور اسماعيل صدقي والف دستوراً مخصوصاً علي مقاس الملك فؤاد.. وبعد خطبة للمتهبة للنحاس عقب تصريح "صمويل هور" وزير خارجية بريطانيا بأن دستور ٣٢ لايلبي رغبات الامة، هاجم فيها بريطانيا ووزيرها انفجرت مظاهرات الطلبة لمطالبة بعودة الدستور وسقط فيها شهداء فازدادت اشتعالا حتي هددت السفارة الانجليزية في القاهرة فاسرع المندوب السامي باعطاء الضوء الاخضر للملك فؤاد ليأمر بعودة الدستور..
وتمت الانتخابات وفاز الوفد كالعادة بالأغلبية الساحقة، وشكل الوزارة التي اقيلت كالعادة ايضا بعد توقيع معاهدة ٦٣٩١ وظل النحاس يكافح خارج الوزارة وداخلها وهو يرفع راية الدستور ولا يحيد عن بنوده بأي حال من الاحوال وفي ظل هذا الدستور وهو السند السياسي الاول والاخير لحكومات الوفد أنجزت هذه الحكومات رغم قصر عمرها ما لم تنجزه وزارة اخري وايضا علي سبيل المثال لا الحصر:
في وزارة ٦٣٩١ صدر قانون العفو الشامل عن الجرائم السياسية وتم الغلاء قانون حماية الموظفين الذي كان يحميهم من رفع دعاوي قضائية عليهم مباشرة وصدور قانون تعويض العمال عن اصابات العمل.
- وفي وزارة ٧٣٩١ انشئت مدرسة المهندسين العسكريين ومدرسة اركان حرب وضباط الصف ومدرسة الطيران والصناعات الميكانيكية للجيش وهي المدارس التي التحق بها الضباط الاحرار والتي اصبحت بفضل معاهدة ٦٣٩١ تقبل الضباط من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وفي وزارة ٢٤٩١ تم انشاء ديوان المحاسبة لمراقبة الوزارات وانفاق اموال الدولة وقانون مجانية التعليم الابتدائي وقانون استعمال اللغة العربية في الشركات وقانون استقلال القضاء وقانون تخفيض الضريبة علي صغار الملاك الزراعيين ثم قانون النقابات العمالية وقانون مكافحة الامية واكتمال انشاء جامعة فاروق الأول "الاسكندرية"..
وبدأ في هذه الوزارة تنفيذ قانون تحسين الصحة القروية بانشاء المجموعات الصحية وقد وضع هذا القانون الدكتور عبد الواحد الوكيل.. وبالمناسبة ايضا.. هذه الوحدات الصحية والمجمعة هي التي عملنا بها بأمر التكليف في قري مصر بعد تخرجنا، وكنا نظن انها من انجازات ثورة يوليو.. وقبل الإقالة وقع النحاس بروتوكول جامعة الدول العربية. - وفي الوزارة الأخيرة ٩٤٩١ صدر قانون مجانية التعليم الثانوي وانشأت جامعة ابراهيم باشا "عين شمس" وتم عمل وزارة جديدة للشئون القروية تولاها ابراهيم فرج، وكان هدفها النهوض بشئون القرية وادخال المياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء وفق خطة طويلة المدي. وتوجت الوزارة عملها بقيادة الكفاح المسلح في مدن القنال بعد الغاء المعاهدة ودعت العمال في معسكرات الانجليز لتركها وقامت بايجاد مساكن وعمل لهم في وقت قياسي وكان عددهم يزيد علي الستين الفا ولم تجد بريطانيا من وسيلة لاخماد الكفاح المسلح غير حريق القاهرة.
وبالاضافة الي كل ما سبق من انجازات تكون الحرية وحرية الصحافة والرأي والتظاهر علي قمة الانجازات.. والسؤال: كيف يمكن ان نفصل بين هذه الانجازات ونقول هذا انجاز سياسي وذاك اجتماعي؟ سؤال ساذج جداً تماما مثل مناهج تاريخ ثورة يوليو التي بدأت في تحقيق عدالتها الاجتماعية ونهضتها السياسية بالغاء الدستور من اساسه ولا داعي لسرد الانجازات التي اعقبت الحكم بلا دستور ولا برلمان ولا رأي ولا حرية ولا اقتصاد ولا حتي بعد اجتماعي.. والحصاد لما زرع منذ ٧٥ عاما هو ما نجني ثماره اليوم.. وننتظر بفروغ الصبر ما يسمي بالإصلاح وربنا يديكم ويدينا طول العمر.
نقلا عن الوفد المصرية
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=835&I=23