هشام منور
بقلم: هشام منور
سلطت أحداث جماعة "أنصار جند الله" الدموية الضوء على الجماعات الإسلامية في غزة، والتي راحت تتكاثر بعد خروج الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة مذموماً مدحوراً. وعلى الرغم من اشتراك هذه الحركات والجماعات مع حركة حماس بالانتماء إلى (الإسلام) كمرجعية سياسية وأيديولوجية، إلا الممارسات والتوجهات العملية والخلفيات التاريخية تكرس اختلافاً بين هذه الجماعات التي تنتمي إلى التيار السلفي، وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
تنقسم الجماعات السلفية في الأراضي الفلسطينية إلى جماعات سلفية دعوية تنتشر في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجماعات سلفية تتبنى النهج الجهادي، أو ما تعرف بتيار "السلفية الجهادية"، وتلك تقتصر على قطاع غزة، دون أن يرد ذكر لها في الضفة الغربية. وتعود نشأة الجماعات السلفية في فلسطين إلى فترة ما قبل الانتفاضة الأولى، أي نهاية الثمانينيات، وقام طلاب علم تلقوا تعليمهم في الخليج بنشر الدعوة التي يعتبرونها تمثل الإسلام الصحيح. لكن دعوتهم هذه ظلت ضعيفة تقتصر على بعض الشبان الصغار في مساجد كان يسمح لهم بالتجمع فيها. وساعد على بقاء هؤلاء أن "إسرائيل" لم تكن قلقة منهم حيث كانوا يغرقون في تفاصيل كانت ترى فيها تعزيزاً للانقسامات الفلسطينية.
ومع بداية الانتفاضة، كانت حركة فتح تسيطر تقريباً على غالبية الشارع الفلسطيني، بينما كان السلفيون في خلواتهم ومساجدهم يعتزلون العمل السياسي الفلسطيني. فيما ساهم ظهور حركة حماس على الساحة الفلسطينية في استقطاب بقية الفلسطينيين الذين لا يؤمنون بخط فتح، مما حدّ من انتشار السلفيين أو توسيع قاعدتهم.
السلطة الفلسطينية لم تكن تعتبر السلفيين خطراً عليها وسمحت بنشاطات لجمعيات سلفية. ومع ضعف السلطة، بعد الانتفاضة الثانية، ودخولها في مواجهة مسلحة مع حماس، بدأت بعض هذه الجماعات بالتسلح والاتجاه نحو خوض المعترك العسكري تحت شعار المقاومة، وكي تعزز من حضورها وتستقطب الشبان الصغار، أخذت تتبنى نهج تنظيم القاعدة وتبايع أحيانا قائده (أسامة بن لادن). وكان يميزها أنها ترتدي اللباس الأفغاني، ويقلدون (الزرقاوي) بارتدائه الطاقية السوداء.
وبعد هزيمة السلطة في غزة، اتهمت حماس بعضهم بتفجير مقاه ومحال للإنترنت، وصالونات شعر السيدات، ومؤسسات مسيحية، واعتبرتهم منحرفين فكرياً، ويخدمون أجندة السلطة في رام الله، على الرغم من أنهم يكفرون كل من لا يحكم بشرع الله، كما يقولون.
من هذه الجماعات جماعة "أنصار جند الله"، والتي نشأت أواخر 2008، وتقول أنها تسعى من خلال الجهاد لإعلاء كلمة الله ونصرة نبيه، ودفع العدو عن ديار المسلمين. وتعتبر الجماعة مقربة إيديولوجياً من تنظيم القاعدة. كان يقودها عبد اللطيف موسى المعروف بـ"أبو النور المقدسي"، ومن قادتها أيضا أبو عبد الله السوري، وكلاهما قتل على يد حماس. لا يوجد عدد محدد لعناصر الجماعة، ويزعم الإسرائيليون أن عددهم يصل إلى 500، من بينهم مصريون ويمنيون وباكستانيون وأفغان. وينشطون خاصة في (خان يونس) و(رفح) معقل التيار السلفي في قطاع غزة.
- جماعة جلجلت: يعرفها أهل القطاع بهذا الاسم، وتعرف أيضا باسم أنصار السنة، وأحد أبرز قادتها محمود طالب (أبو المعتصم)، وهو مطلوب لأجهزة حماس الأمنية منذ عدة أشهر بتهم مختلفة. وفي مقابلة صحفية سابقة قال طالب إن الإخوة في القيادة ينتظرون تنفيذ عملية كبيرة لمبايعة الشيخ أسامة بن لادن والمشايخ في الخارج والإعلان عن الاسم. وقد بدأت هذه الجماعة العمل في غزة منذ اللحظة التي قررت فيها حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية 2006، من خلال إصدار بيان بعدم جواز هذه الانتخابات شرعاً.
ويؤكد (طالب) أن نواة مجموعة جلجلت لم تقتنع بفكر الجهاد في فكر ومنهج الإخوان المسلمين الذين اقتصرت دعوتهم على محاربة ومقاومة الاحتلال، لهذا ينظرون إلى حماس كحركة وطنية سياسية تسعى للاشتراك في البرلمانات والمجالس التشريعية أكثر من كونها حركة إسلامية تسعى إلى تحكيم الشريعة. ويقر (طالب) أن جماعته حاولت تفجير موكب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عندما زارا غزة.
ليس لدى مجموعات جلجلت أي ارتباط سياسي بأي حركة، ويخضع الأعضاء الجدد إلى تأهيل ديني ودعوي قبل أن يصبحوا جزء من هذه المجموعات التي تتحمل مسؤولية غالبية التفجيرات التي تحدث لمقاهي الإنترنت في قطاع غزة.
جيش الإسلام: أحد أبرز الجماعات السلفية، كان مقرباً من حماس ونفذ رجاله معها عملية أسر الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) في منتصف 2006 ، لكنه تحول إلى ألد أعداء حماس، وشنت الحركة عليه هجوماً أدى إلى مقتل كثير من عناصره بعد سيطرتها على غزة. أسسه مسلحون من عائلة (دغمش)، وكانت العائلة مرهوبة قبل أن تقرر حماس إخضاعها وحملها على الالتزام بقرارات الحركة. أعلن الجيش براءته التامة من حماس وفتح، ولم ينف أنه هاجم مؤسسات نصرانية في قطاع غزة بصفتها تحارب الإسلام وتنشر الإلحاد والتنصير بين المسلمين. رفض الدخول في تهدئة، وفكره قريب من القاعدة مثل الجماعات الأخرى، وهو يؤمن بتوحيد هذه الجماعات، وكان مسؤولاً عن اختطاف مراسل الإذاعة البريطانية (ألان جونسون) وطلب فدية مالية لإطلاق سراحه قبل أن تتمكن حماس من تسوية الأمر.
وهناك أيضاً أنصار بيت المقدس، والتوحيد والجهاد، وجند محمد، وجميعها تضم ناشطين سابقين في فصائل مثل حماس والجهاد وألوية الناصر. ويميل هؤلاء إلى التشدد ويصلون إلى حد إخراج الناس من الملة وتكفيرهم واستباحة دمائهم وأموالهم. وتتهم هذه الجماعات (حماس) بشن حرب شديدة على الدعوة السلفية في غزة مناشدة الأمة العربية والإسلامية بوقف الدعم المالي عن هذه الحركة التي ما فتئت تحارب السلفيين في غزة.
ويرى محللون فلسطينيون أن قطاع غزة قد تحول إلى تربة خصبة لنشوء مجموعات إسلامية متطرفة، نتيجة تنامي المؤسسات الدينية التي تعددت أدوارها وخلقت اتجاهات متشددة بعد سيطرة حركة حماس على القطاع الخاضع لحصار إسرائيلي محكم يجعله في شبه عزلة عن العالم، متوقعين بروز مظاهر عنف متطرفة فيه. كما إن تنامي التطرف يمكن أن يعد نتيجة لانتشار الفقر والبطالة والحصار.
كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=8563&I=230