نشأت عدلي
بقلم: نشأت عدلي
يعيش الإنسان الذي نشأ على الحب حياته كلها من أجل الحب وبالحب، وبدون هذا الحب يشعر الإنسان أنه يعيش في فراغ.. لا شيء يعطيه السعادة الحقيقية التي يرجوها أو يحلم بها.. يعيش في الحياة كآلة من الآلات يأكل.. يشرب.. يضحك.. ويبكي.. ويجامل.. كل هذا بدون عمق داخلي.
متخبط المشاعر.. يحب الذين يحبونه.. ويكره الذين يضايقونه حتى الذين يحبهم إذا حدث منهم ما يعكر هذا الحب يبتعد فورًا عنهم بدون أي تردد، ولكن هناك حب أكبر لا يستطيع أيّ منا أن يتركه أو يبتعد عنه، هذا الحب يخترق كل وجدانك ومفارق نفسك وتشعر أنك تذوب فيه ذوبانًا.. تشرب منه ولا تشبع.
نعم ترتوي بعض الشيء وتمتلئ منه ولكنك لا تشبع منه أبدًا، تظل دائمًا تطلب المزيد ويعطيك الحبيب المزيد ولكنك دائمًا تشعر أنك في احتياج لأكثر من هذا، فالحب الذي بداخلك دائمًا لا يشبع ولا يرتوي ويسعد الحبيب بهذا الحب وهو لا يضن عليك بلمساته الرائعة وصوته الدافئ الحنون يدخل إلى أعماق وجدانك وهو يطمئن قلبك بقوله (ها أنا معك كل الأيام وإلى انقضاء الدهر).
ولكنك أمام هذا الحب العظيم تشعر بأنك طفل صغير لا تستطيع أن تجاريه في هذا الحب، وإن كنت تريد مجاراته فلابد أن تكبر ولا تظل صغيرًا.. فيبتعد عنك لحظة ولكن عينه عليك دائمًا فتطلب منه المزيد وهو واقف منتظر منك أكثر من هذا لتؤكد حبك له وتختم قلبك بختم الدم.. ثم يعطيك خبرة أكثر لتدخل في حب أعمق وفي شركة أعمق وتمارس كل طقوسك بحب وعشق ولهفة وليس في روتينية رتيبة.. فتكفي نظرة إلى وجهه الصافي فتذوب نفسك انصهارًا لهذا الحب الذي ملأ كل كيانك وتلهج نفسك وقلبك بكلام كثير لا ينتهي.
لا تشعر بوقت مضى قليل أو كثير.. يكفى أنك مع الحبيب.. تستعذب الدموع عندما تشعر بحبه يسري في كل نبضة من نبضاتك لكي يجففها هو بيده.. تغار من يوحنا الذي ألقى برأسه على هذا الصدر الحنون وتتمنى لو أنت مكانه.. كنت ألقيت برأسي على هذا الصدر وقبلته... كنت وضعت أذنيَّ وأصغيت لكل دقات قلبه لأعرف ماذا يريد.
أحيانًا أشعر أني طفل صغير جدًا وأنت تمسك بيدي.. حيثما تسيرني أسير وكيفما تصيرني أصير.. ولكني كطفل أسحب يدي من يدك وأسير وحدي... أجري وألهو بعيد عنك ولكنني أقع في حفّر كثيرة... مليئة بأوحال وما أن أخرج من حفرة إلا وأقع في أخرى ويزيد البعد عنك ولكنك من كثرة حبك ولمعرفتك بما في قلبي من حب.. دائمًا مربوط بخيط لا ينقطع.
وعندما تفشل كل حيلتي وتجدني قد أفنيت الكثير ولم أجدي شيئًا أجدك تشدّ هذا الخيط وتجذبني وتضمني نحوك بشدة الحب وملئي من أوحال الطريق.. فلا أقوى أن أنظر إليك وكلي خجل شديد وتتنازع نفسي بين الخجل وبين هذا الحب الأزلي الذي دائمًا يسامح أبنائه.
فدائمًا أنت تسامح حتى لو أنكرتك مثل بطرس.. مجرد أن تنظر لي أهتف معه وأقول: أنت تعلم أني أحبك فأجرى إليك مرتميًا بين قدميك.. زارفًا دموع القلب الحارقة فتمد يدك الحانية وتحتضني بقوة الحب وتنظف الأوحال التي لصقت بي وتلبسني الحلة البهية وتهمس في أذنيَّ (السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بار لا يحتاجون للتوبة، فليس هناك عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران).
المغفرة هي طبعك أما أنا فطبعي العصيان.. قلبي تجمد وأصبحت لا أعرف المغفرة ولكن ما تجيء عيناي عليك وأنظر لجمال وجهك الصافي المملوء حبًا وأغرق في بحر عينك المملوءة حنان.. يذوب هذا الخجل وتقوى نفسي بل وأتلهف اشتياقًا أن أرتمي على صدرك ويحلو لي الندم والاعتذار تحت قدميك.
http://www.copts-united.com/article.php?A=8848&I=237