نشأت المصري
بقلم: نشأت المصري
في جميع دول العالم وفي كافة العصور يوجد من هم ضعاف العقل والتفكير ومن هم فقدوا العقول سواء بسبب مرضي, أو بسبب ظروف اجتماعية تعرض لها, أو بسبب وراثي, أي إعاقة مولودة مع الطفل ويستمر بها حتى نهاية حياته,, وفي كل هذا يكون هذا الإنسان مريض ويعامل من خلال هذا المنطلق, وليس أكثر.
ولكن في مصر والدول المعروفة بالعالم الثالث الوضع مختلف فقد يتخذ بعض الناس من هذا المريض والمتخلف عقلياً شيخاً أو قديساً يصنع المعجزات من خلال بعض الكلمات العشوائية الخارجة من فمه,, يؤولون الكثير منها فيصنعون من هذا الإنسان بطلاً من ورق فيخيفون الناس من مجرد التفكير وتشغيل عقولهم في تحليل ما يحدث ,, بغيبيات لا ترضي الله ولا ترضي الخالق الذي خلقنا بعقولنا على صورته ومثاله, بل يصل الأمر بأن يتبارك الكثيرين من إفراز جسده وفمه وأنفه ,, ويتباركون من ملابسه الرثة وعرقه النتن,, ويطلب الكثير منهم أن يذكرهم في صلاته!!!
إحقاقاً للحق أن هناك كثير من الناس يتركون العالم ومباهج العالم فيظهروا أمام الناس بهذا المظهر المقزز للنفس ولكنهم بحكمتهم يقتنون الحياة الأبدية ويختارون الجوهرة الكثيرة الثمن,, ولكن مثل هؤلاء فإن نطقوا ينطقون بروح واعية وحكيمة ومن خلال خبرات التوحد في علاقة مع الله يعلّمون الكثيرين بخبراتهم وعلاقتهم مع الخالق, فمثل هؤلاء حكماء وبسطاء أيضاً, يركزون في القول والفعل حتى لا يعثرون أحد, وهم أيضاً قليلي الكلام وإن تفوهوا فيتفوهون بحكمة , وتعليم.
المتعلم يفيد نفسه فقط ,, والعابد يفيد نفسه فقط ,, والناطق بلغة غير لغة الحضور يفيد نفسه ومن على دراية بهذه اللغة,,وعلى النقيض المتعلّم ويعلّم يفيد نفسه والمجتمع ,, والعابد الواعظ يفيد نفسه والمجتمع أيضاً ,, والناطق بلغة ويترجمها يفيد كل الحضور,,, وهكذا يكون هناك فرق كبير بين من يعمل من أجل الآخرين ومن يعمل من اجل ذاته ,, لهذا!! من ينطق بتراهات غير مفهومة وتمتمات غير واعية أي فائدة يقدمها للسامع؟؟ ومع هذا يبحث الكثيرين من المرضى بمرض الغيبيات ,, عن كلمة أو إشارة يؤولونها بمنهجهم المريض ويصنعون منها نبوات أو معجزات فيكون هنا مكمن للمعتقدات الخاطئة,, والغيبيات والشعوذة.
والغريب في الأمر أن أغلب من يسمع لهؤلاء المرضى هم كبار المتعلمين ,, وكبار الرتب و أصحاب المناصب ,, حتى أن شاول الملك ذهب إلى مشعوذة ليستشيرها.. مريض يسأل مريض , الأول مريض بأحلام يريد تحقيقها والثاني مريض عضوي , أي أعمى يقود أعمى فيسقط الاثنان في حفرة.
الله يريدنا عقلاء!!
لو أن هذا هو طريق الفضيلة ومواهب الروح كما يتوهم البعض ,, لكان الأنبياء في القديم ظهروا بهذا المظهر ,, أو ملوك بني إسرائيل اتخذوا من هذا النهج طريق لهم.
وفي العهد الجديد يوحنا المعمدان أكبر ناسك في ذاك الزمان كان قوياً عاقلاً متيقن لكل كلمة تخرج من فمه,, بل صوت صارخ في البرية فعندما تنبأ فبالروح القدس , وتنبأ من خلال كلمات واضحة ومسئولة : 2- في ايام رئيس الكهنة حنان و قيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية
والمسيح نفسه عندما جاء في الجسد ليخلص العالم ,, شهد لنفسه أنه أحكم من سليمان في جيله بقوله :
ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل و تدينه لانها اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان و هوذا اعظم من سليمان ههنا (مت 12 : 42)
ولم يأتي بطريقة هؤلاء رث الثياب أو فاقد التركيز حتى ولو بطريقة مصطنعة,, بل جاء قوي يشهد للحق ,, وحبيب لكل البشر يجول يصنع خير ,, وقيل عنه أيضاً أنه رءوف بالخطاة والمطروحين قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ ,, غيّر مسار البشر بشريعة المحبة والتسامح والبذل من أجل البشرية الخاطئة, جاء وديع ومتواضع القلب,, هذه هي القدوة الحسنة في القداسة والتي يجب أن نقتدي بها.
ولم يكتفي بهذا بل طالبنا أن نكون حكماء وبسطاء في نفس الوقت ,, البساطة الممتزجة بالحكمة في تناغم واتزان بحيث نكون صورته ومثاله في الوداعة فيقول تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب
ويقول أيضاً : ها انا ارسلكم كغنم في وسط ذئاب فكونوا حكماء كالحيات و بسطاء كالحمام (مت 10 : 16)
فالله لا يريد البساطة بدون الحكمة فالأخيرة تصبح عبط وتضر بصاحبها أكثر من منفعتها كقول رب المجد يسوع : و الحكمة تبررت من جميع بنيها (لو 7 : 35)
والرسل أيضاً كانوا بسطاء وغير متعلمين ولكنهم بعد أن استمدوا حكمتهم من الحكمة ذاتها أي من المسيح ذاته قهروا بحكمتهم فلاسفة العالم فيقول معلمنا بولس الرسول : بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء و اختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء (1كو 1 : 27)
و اختار الله ادنياء العالم و المزدرى و غير الموجود ليبطل الموجود (1كو 1 : 28)
فما حدث مع الرسل هو قوة الروح القدس بحكمتهم أبطلت حكمة الحكماء في ذاك الجيل, وبقوة الحجة والكلمة وصنع المعجزات أمام جميع جمهور الشعب ,, وبدون الغيبيات كانت تعلن المعجزة عن نفسها.
لهذا يطالبنا معلمنا بولس الرسول أن نسلك بتدقيق مقتنين الحكمة الممزوجة بالبساطة بقوله :
فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء (اف 5 : 15)
وبعد كل هذا أعتقد أن الرؤية أصبحت واضحة فالأديان تريد الناس عقلاء مكتملين في الحكمة , في كلامهم عظة وفي صمتهم قدوة حسنة ,, يزهدون العالم كما يشاءون ولكنهم لا يزهدون كلام الله باللهج فيه نهاراً وليلاً ,, كما كان داود النبي قوي وحكيم في مملكته ولكنه أيضاً يلهج في كلام الله وشريعته نهاراً وليلاً.
الناس في شعوبنا تخلط بين الطيبة وبين نوعية البشر السابقة الذكر,,فمعنى طيبة والتي تأتي من تطييب الشيء أي تحليته وجعله جيد المذاق والقبول ,, والطيب في البشر هو من يعالج جراحات أخوته في البشرية كمن يضع الزيت الطيب على القروح والحروق المؤلمة,,, فمن خلال هذا المنطلق الطيب هو صانع السلام ,, والوديع والذي يتمتع بقدرة في إسعاد البشر من حوله دون النظر لذاته يعطي ولا يطلب عوضاً هذا هو الطيب ,, فهذه الطيبة تحتاج في تنفيذها قمة الحكمة ,, بل تحتاج إلى إقتناء كل ثمار الروح القدس مجتمعة والتي هي :
محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان.23-وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس أما ما نقصده من البشر فهم على غير هذا ,, ويجب أن نعاملهم بكل محبة واحترام ولكن بكل حكمة وإفراز لأن من البشر من هم بالذكاء والدهاء في اقتناء مجد أرضي ومكسب مادي فيلعبون دور الشيوخ الناسكين , أو أنهم يستغلون البعض من المرضى ويلبسونه ثوب زائف من صنع المعجزات والتنبؤ, فيضلون البسطاء وغير الحكماء ورائهم فتكون ضلالة الأخر أكبر من ضلالتهم .... الرب يعطينا فنقتني الحكمة والإفراز
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=8939&I=239