دولة اليهود ونبوءة جريدة إسرائيل

بقلم: د عصام عبدالله

لأول مرة في التاريخ الحديث تصبح إسرائيل أكبر مكان لتجمع لليهود في العالم (ستة مليون)، متجاوزة بذلك أعداد اليهود في الولايات المتحدة (5.5 مليون يهودي). 
 
صحيفة "التليغراف" البريطانية أكدت هذه الحقيقة قبل أيام، قالت: إن النمو السكانى لإسرائيل تجاوز معلما مهما من الناحية الرمزية، حيث يعيش في إسرائيل الآن ثمانية ملايين نسمة، ويشمل غير اليهود فى إسرائيل 1.6 مليون عربى، و350 ألف مسيحى من غير العرب، ومجموعة ثالثة تشمل المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتى (سابقا) الذين لم يسجل دينهم فى الإحصاء الذى أجرته وزارة الداخلية الإسرائيلية.
اللافت للنظر كما يقول " سيرجيو ديلا بيرجولا " المتخصص فى ديموغرافيا اليهود فى الجامعة العبرية بالقدس، أن إسرائيل شهدت نموا فى أعداد اليهود بعد الربيع العربي  (2011) خاصة العام الماضى ، بينما كان نمو اليهود فى العالم - خارج إسرائيل - سلبيا. وهكذا أصبح عدد اليهود فى العالم 13.8 مليون نسمة، مقارنة بـ18 مليونًا قبل الهولوكوست- كما يقول.
 
لكن يبدو أن اليهود أو " المسألة اليهودية " تتجاوز مسألة الكم والعدد إلي الكيف والنوع، حيث أصبح السؤال المحوري: ما سر نجاح اليهود في العالم؟
" جيري مولر " أستاذ التاريخ بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية في واشنطن العاصمة، ومؤلف كتاب " الرأسمالية واليهود " قدم إجابة مبتكرة عن هذا السؤال في كلمة واحدة: " الاستثمار في الإنسان "! .. وهو ما أكده  " سيمون كوزنتس " - واحد من أعظم الاقتصاديين في العالم – الذين طوروا مفهوم " رأس المال البشري " ويعرف عادة بالقدرات والمهارات والمعارف، والمواقف والأفعال التي تقودنا إلي النجاح الاقتصادي.
 
" مولر " كان ينصح تلاميذه دائما بضرورة دراسة الدور الذي لعبه اليهود في الاقتصاد العالمي، ذلك أن تاريخ اليهود في ظل الرأسمالية يساعدنا علي فهم " الرأسمالية " بشكل أكثر وضوحا، لأن سر النجاح في أي مجتمع رأسمالي يستند إلي عوامل ثقافية وتاريخية (بالأساس)  تساهم في انتاج سمات مميزة مثل " الخلق " والإبداع والابتكار، والاستعداد للتسامح مع المجازفة، وإرجاء الاشباع من خلال الادخار والتعليم.
وعلي الرغم من أن اليهود كانوا – ولايزالوا – متمسكين بثقافة دينية تحترم دراسة الكتب المقدسة، فإنهم نجحوا في تحويل هذا الاهتمام (وبنفس القدر) إلي الأشكال العلمانية من التعليم، ونتيجة لذلك كان اليهود ميالين بشدة إلي التعلم، وعلي استعداد لتأجيل المتع والمكاسب المادية الآنية (السريعة) للحصول علي المزيد منها فيما بعد.
 
هذه السمات الثقافية والتي تنتقل عبر الأجيال يصعب قياسها كميا، ولهذا السبب يجد خبراء الاقتصاد صعوبات جمة في التعامل معها، وهو ما يفسر – إلي حد كبير - عزوف علماء الاجتماع عن دراسة " علم اجتماع المعرفة عند اليهود ".
أهم ما يطرحه " مولر " في كتابه: رغم معاناة اليهود من الفقر المدقع في أوائل القرن العشرين، فقد نجحوا نجاحا منقطع النظير – مع الوقت – في المجتمعات التي سمحت لهم بالتنافس، في مجال التجارة خاصة الصناعات الخدمية، ونشر المعلومات والترفية من مسرح وسينما ومختلف أشكال الرياضات التجارية، ناهيك عن المهن والحرف المكتسبة بالتعلم كالطب والقانون والمحاسبة والتي تشكل (عصب) المجتمع الرأسمالي الحديث.
 
في مصر كمثال، منذ عهد " محمد علي باشا "  1805 وحتى قيام ثورة يوليو 1952، تربعت العائلات اليهودية الشهيرة علي قمة الهرم الاجتماعي إلى جانب الصفوة والأعيان من المصريين . ولعب اليهود دوراً بارزاً في مجال الفن والسينما والمسرح بدء من " يعقوب صنوع (1839 – 1912) " أبو المسرح والصحافة في مصر، وأول من استحدث فكرة (مصر للمصريين) ولعب دورا هاما في إيقاظ الوعي المصري.
 
فإلي جانب إنتاج وتوزيع الأفلام من خلال شِركات " جوزيف موصيري " و " إدجار موصيري " و " إدوارد ليفي " تلألأت كوكبة من النجوم اليهود المصريين في سماء الفن: المخرج الشهير " توجو مزراحي " و الفنانة الرقيقة " راقية إبراهيم " واسمها " راشيل ابراهام ليفى "، والفنانة " نجمة إبراهيم " وهو اسمها الحقيقي وهي أروع من جسدت الشر على الشاشة والفنانة الجميلة " كاميليا " والراقصة " كيتي "، والفنان " إلياس مؤدب " و" استفان روستي " وعمر شلهوب (عمر الشريف).
 
وفي المسرح لمعت " فيكتوريا موسي " في العقد الثاني من القرن العشرين في دور " إيزيس " ووصفت بأنها أقدر ممثلة في مصر وكذلك الأوبريت الغنائي " هدي " من تلحين الشيخ " سيد درويش " فكتبت عنها مجلة " الكشكول " في عام 1926: " تخرج من أوبريت هدي ولا صورة انطبعت في ذهنك ولا سحر أثر في نفسك غير صوت فيكتوريا موسى وجمالها وفنها " . ومن الممثلات أيضاً " نجوي سالم " واسمها الحقيقي " نينات سلام " وسندريلا النيل الفنانة والمطربة ليلي مراد وأخوها الملحن الرائع " منير مراد "، وكان والدهما " زكي مراد " من نجوم الطرب والتلحين تتلمذ علي يد الملحن اليهودي المبدع " داود حسني ".
 
كما أصدر اليهود (54 صحيفة) باللغات المختلفة منذ نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولم تعترض السلطة المصرية علي إصدار أي صحيفة لهم بإستثناء غلق صحيفة (أبو نضارة) التي كان يصدرها صنوع لاستحداثه شخصية شيخ الحارة كشخصية كاريكاترية ترمز إلي الخديوي اسماعيل بطريقة هزلية.
 
في عام 1920 أصدر " البرت موصيري " جريدة " اسرائيل " بلغات ثلاث هي العربية والفرنسية والعبرية  وهي أول جريدة يهودية تصدر في مصر تنادي بشكل علني بإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين وظلت تدعو اليهود المصريين لشراء أراض هناك عن طريق وكيل للشركة في القاهرة، وهي النبوءة التي تحققت اليوم حيث كشفت الأرقام عن وجود ستة ملايين يهودى فى إسرائيل، وهو نفس الرقم الذى قضى فى محرقة الهولوكوست- على حد قول صحيفة التليغراف.
 
Dressamabdalla@yahoo.com
نقلا عن إيلاف

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع