عماد توماس
عرض: عماد توماس
في مثل هذه الأيام من السنة الماضية رحل كاتبنا بعد صراع مع المرض، لم يكن يملك من المال الكافي لعلاجه فمات فقيرًا لا يملك العلاج، ولم يكن يملك نفوذًا حتى يحصل على تصريح لعلاج كبده المتليف على نفقة الدولة، وأصدر محبي الكاتب الشاب هذا الكتاب تخليدًا لذكراه العطرة وإيمانًا بأن الكلمة لا تموت، يجمع هذا الكتاب الذي يقع في 252 صفحة من الحجم المتوسط، بعض من مقالاته النارية عبر صحف ومجلات متعددة. وتفاصيل صراعه مع المرض وموته وتنشر في فصل كامل كما هي حسب وصيته وهو على فراش الموت.
وبعض المقالات التي ناشدت التحقيق في الحالة الصحية لكاتبنا الراحل. بالإضافة إلى توثيق مصور لأغلفة كتبه وحواراته عبر مجلة "روزا ليوسف" في باب "حوار الأسبوع" وقدم الكتاب الدكتورة منى حلمي. ومرفق مع الكتاب إسطوانة مدمجة بها 8 أغنيات غناء والحان د. محمد فتوح.
من ضمن الموضوعات التي يحتويها الكتاب: أقلام تأكل على كل الموائد، مأزق الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية، الجدل حول قانون نقل الأعضاء، جلاء الإخوان عن أرض مصر، التبرك بالعقل وإرضاع العدل، رئيسة جمهورية في الهند وميس حجاب في مصر، الشخصية المصرية بين التدين والسلبية، مصر تدعوني للمشاركة، كيف لا ألبي؟ الانتحار صرخة احتجاج ضد الحضارة العالمية، الاقتتال بين فتح وحماس وحصاد الخجل، الذكور المتحرشون بالنساء من صناعتنا نحن.. وغيرها من الموضوعات.
* المؤلف الراحل في سطور:
• دكتوراه وماجستير في علوم البيئة وعلم النفس البيئي من جامعة عين شمس.
• عضو جمعية تضامن المرأة العربية والدولية.
• يكتب في عدة صحف ومجلات مصرية وعربية.
• له في المكتبة العربية الكتب التالية:
- الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الديني. 2004
- أمركة العالم.. أسلمة العالم .. من الضحية؟ 2006
- استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق. 2009 [ بعد الرحيل]
* مشروع الكاتب:
منذ أن بدأ الكاتب الراحل الدكتور محمد فُتُوح الكتابة عبر الصحف، اتخذ مشروعًا حضاريًا تنويريًا لمحاربة رياح الوهابية والوقوف ضد ما يسميه بـ" الأمركة" و"الأسلمة".
* أقلام تأكل على كل الموائد:
ينتقد الكاتب الظاهرة التي أصابت الأقلام التي تكتب في الصحافة المصرية وتمتد للعربية، وهي أن تجد صاحب قلم -صحفيًا أو كاتبًا- له عمود في جريدة تسمى بـ "المستقلة" وتجد له عمودًا آخر في مجلة تسمى نفسها "غير مستقلة" وزاوية في جريدة تسمى نفسها "ليبرالية".
تفسير محمد فُتُوح لهذه الظاهرة انه لا توجد فروق جوهرية وجذرية من الناحية الأيدلوجية بين اليافطات الإعلامية المتناقضة المعلقة على الصحف المختلفة، فما يصلح أن يكتب هنا، يصلح أن يكتب هناك رغم تناقض اليافطة الإعلامية. والتفسير الثاني هو "النفاق الإعلامي" من جانب الأقلام التي تأكل على كل الموائد وتوقع اسمها على صفحات جميع المطبوعات متضاربة اليافطات.
* رأيه في فرض الحجاب:
كتب فُتُوح معلقًا على فرض الحجاب من مديرة مدرسة على الأستاذة هالة طلعت بأن هذه المسئولة لا تعبر عن وجهة نظرها الفردية فقط، بل إنها تعبر عن تيار استشرى وتفشى في مجتمعاتنا الإسلامية، تيار يتنامى وينتشر كالإخطبوط يؤسلم المجتمع ويصبغ بصبغته كل شيء فكان الملبس الإسلامي، والعلاج الإسلامي، والشركات وأسماء المطاعم والمحال الإسلامية...".
معتبرًا هذا التوجه هو من قبيل السلب أو ما أطلق عليه "استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق" وهو العنوان الذي وضعه معدي الكتاب عنوانًا له.
*رأيه في المشكلة الفلسطينية:
له موقف واضح وصريح من المشكلة الفلسطينية، اسمعه وهو يقول: أن اغلب الدول العربية، في حقيقة الأمر، لا يهمها حل قضية الشعب الفلسطيني سواء تلك الدول التي تم اختراقها بالتيارات الإسلامية الأصولية الساعية إلى الحكم السياسي أو التي لم يتم اختراقها بعد. بل يقول بجرأة يُحسد عليها أن أغلب الدول العربية مستفيدة من بقاء الوضع على ما هو عليه. وتزداد استفادتها مع تفاقم القضية الفلسطينية وتعقدها وفشل المفاوضات بشأنها.
ويضيف أن حل القضية الفلسطينية يعنى توقف تدفق الأموال التي تأتي لتلك الدول باسم دعم كفاح الشعب الفلسطيني. ويعتبر الاقتتال بين فتح وحماس لا حصاد منه إلا الخجل.
* مأزق الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية:
يعتبر توجه مصر نحو الدولة المدنية بمرجعية دينية بمثابة مسك "العصا من المنتصف" -هكذا يرى مؤلفنا- بغرض إرضاء ومغازلة التيارات الدينية من جانب، وإرضاء مَن يُنادون بالمجتمع المدني من جانب آخر. معتبرًا أنها صيغة مراوغة ومتناقضة، طرفاها لا يمكن لأحدهما العيش بجوار الآخر.
* تجسيد المواطنة:
ينادى فُتُوح بان تتجسد المواطنة يوميًا في حياتنا، وليس مجرد حبر على ورق الدستور، بأن تكون النصوص الدستورية صريحة ومباشرة دون التواء، ولا تكون فضفاضة ولا يتم اختراقها بثغرات التحايلات الدينية، ويطالب بحظر ومنع إنشاء أحزاب أو جمعيات أو هيئات دينية، أو لصق إعلانات وملصقات وفتاوى وأدعية دينية ولغة دينية في المواصلات والأماكن العامة، ويرفض احتواء لغة الإعلام على لغة دينية وتأدية واستعراض الطقوس الدينية في الأماكن العامة.
بالإضافة إلى ضمان الرقابة الشعبية ومساءلة مؤسسات الدولة، وأن تحث مناهج التعليم على التفكير الحر والإبداع.
* أخلاقيات التقدم"
يؤكد فُتُوح على أن فساد بعض المهن، نتيجة غياب "أخلاقيات" أداء المهنة. لكنه يدعونا إلى ما يسمى بـ "أخلاقيات التقدم" ويقصد بها الطريقة أو الأسلوب الذي يسود في الحياة اليومية، فمن أخلاقيات التقدم الهدوء، احترام خصوصية الأخر، احترام قيمة الوقت، الحرص على نظافة الأماكن العامة، الوفاء بالكلمة، عدم الخيانة، الوضوح، الصدق، إعلاء الجوهر عن المظهر...الخ.
* قصة وفاته المأساوية:
وفي خاتمة الكتاب يضع معدي الكتاب فصلاً لبيان كيف مات فُتُوح بعد صراع مع المرض في إحدى المستشفيات المتخصصة ذائعة الصيت ويعرض الكتاب نص البلاغ الذي أرسله الكاتب قبل موته بيوم واحد إلى النائب العام، أوضح فيه كيف أهمل الأطباء في علاجه بعد أن عجز الأطباء عن تشخيص حالته وعلاجه وكيف عانى من سوء ملائكة الرحمة "التمريض" وكيف استدان من أقرباءه وأصدقاءه وصرف مبلغ يقترب من 3 مليون جنيهًا مصريًا لعلاج "كبده" المصاب دون جدوى، حتى رحل فُتُوح في 13 أكتوبر من العام الماضي، وتقرر الدكتور منى حلمي ابنة الكاتبة نوال السعداوي أقامة احتفالاً سنويًا في ذكراه.
يبقى أن نذكر أن الكتاب يُباع بسعر زهيد بـ "5 جنيهات" بالجمعية المصرية للتنوير بمصر الجديدة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=9018&I=240