د. ميشيل فهمي
بقلم: د.ميشيل فهمي
في تواكب زمني شِبه متطابق الأحداث والأهداف، لكن مُتَبَاعد المسافات والأشكال والصور والثقافات، ينسج القـدر مسرحية واقعية من نوع الكوميديا السوداء الساخرة بأحداث وشخصيات وإخراج واقعي منه (القدر)، لكن أيضًا بملابسات سلوكية خيالية... تدور أحداث هذه المسرحية الزمنية بمكانين مختلفين بالكرة الأرضية تبعدان عن بعضهما بمسافة 2800 كيلو متر تقريبًا، هي المسافة بين مدينتي دريسدن بألمانيا وديروط بأسيوط بجمهورية مصر المحروسة، بالأولى تبدأ محاكمة قاتل المواطنة المصرية المسلمة الصيدلانية السيدة مروة الشربيني... والثانية تدور تحقيقات النيابة العامة لقاتلي المواطنان المصريان القبطيان المسِناّن (إسرائيل يني عبد المسيح وعمه مينا حنا) بإطلاق 140 طلقه عليهما، وبعد أن تأكدا من قتلهما مثلا بجسدهما، وفصلا رقبتاهما عن جسدهما بالسلاح الأبيض وفي ميدان بوسط المدينة المليء بالمارة، وتواجد شرطي كثيف، تمت عملية قتل بـ 140 طلقة وذبح القتيلان والتمثيل بجسديهما، وسط كل هذا....، والآن نستعرض الحدثـان:
الحدث الأول: قُتلت المواطنة المصرية المسلمة السيدة مروة الشربيني علي يد أليكس في وهو روسي متجنس بالجنسية الألمانية ومختل عقليًا هكذا قيل في حينه، وهو غير صاحب الاختلال العقلي المستمر الديمومة والمتهم الجاهز بالتعدي علي كل كنائس مصر والتابع لوزارة داخلية مصر المحروسة، حيث أن الأول وُصِف بأنه أُثير من حجاب السيدة مروة الشربيني وقامت مشاجرات بينهما أدت إلى اعتداؤه عليها بالقتل، وهو حادث مؤسف بجميع المقاييس، وقد وُصِف الحادث بأنه طائفي.. عنصري.. وحشي.. همجي.. بربري.. غير حضـاري...إلخ، وللعلم فهو حادث واحد وحيد وفريد، لم تسبقة ولم تلحقه حوادث مماثلة بمعنى أنه غـير متكرر.....
وقامت قيامة جمهورية مصر العربية ولم تقعد حتى الآن، فقد تشنج أعضاء برطمانها (برلمانها) المصري مُطالبين بالقصاص وضرورة أن تقدم الحكومة الألمانية الفيدرالية اعتذاراتها للحكومة المصرية وهي راكعة خانعة وخاضعة تكفيرًا على هذا الذنب الفردي الغير متكرر والعظيم الذي أُرتكب في حق مواطنة واحدة مصرية، لكن مسلمة، وكشر السيد الدكتور رئيس البرطمان (البرلمان) وقدم أبحاثًا قانونية دولية لكيفية النيل من الحكومة الألمانية الفيدرالية بالقانون...
وانتفض رجل ورجال وصبيان ونسوان الشارع المصري في مظاهرات ضد ألمانيا، حتى وصل الأمر بمطالبات مقاطعتها سياسيًا وأقتصاديًا..
أما بالنسبة للإعلام المصري فسالت أطنان وبحار من الأحبار على أطنان من أوراق الصحف في ديباجة وكتابة آلاف المقالات ضد ألمانيا وعنصريتها وبربريتها، وكرهها للإسلام، وكادت السماء تحترق من شدة الحروب الكلامية التي شنتها الفضائيات المصرية ومن حرارة اللقاءات الساخنة التي أجرتها تلك القنوات مع مسؤلين وغير مسؤلين، وكادت جمهورية مصر العربية أن تعلن قيام الحرب العالمية الثالثة على العالم كله، وظاطت الدنيا... الكل يشجُب، ويدين، ويستنكر، ويركب الموجة.
أما المعالجة الحكومية الحمومية لهذا الحدث الجلّلّ، مقتل سيدة مسلمة مصرية علي يد مختل عقل متجنس ألماني، فقد كانت على مستوي الحدث الفظيع.. الشنيع.. المريع، قامت قيامة وزارة التعليم العالي وأصدرت بيانات وعقد وزيرها اجتماعات، وكون قادتها وفود تعزية لأسرة الفقيده شاركت فيها وفود من معظم وزارات الحكومة المصرية الحمومة على أبناؤها فردًا فردًا، وفردة فردة....، ووفود من مختلف النقابات المهنية وغير المهنية... ثم أُقيمت جنازة مهيبة للفقيدة شاركت فيها مصر كلها بعد أن جُلِلّت بالسواد... وحقيقة لا يتسع المجال لسرد وتسجيل ما تم في المحروسة لهذا الحدث الطائفي الفظيع، قتل مسلمة بيد روسي متجنس بالألمانية، بسبب مشادات بينهما.. أرجعتها المصادر المصرية فقط لسبب إرتداؤها الحجاب. لكننا نقول هنا أنها بسبب مشاحنات وتلاسنات وفقد أعصاب بينها وبين الروسي / الألماني أدت إلى قتلها،... وعليه هي مشاجرة عادية، وجريمة جنائية.... قياسًا على ما تحكم به الحكومة المصرية على الأحداث الطائفية بمصر.
الحدث الثاني: قام المواطنان المصريان المسلمان أسامة محمد حسونه ومحمد محيى الدين حسونه بقتل كل من المواطنين المصريين القبطين إسرائيل يني عبد المسيح ومينا حنا (61 عامًا) وإصابة آخران بإطلاق 140 رصاصة عليهما، ثم ذبحهما بسكين، ثم التمثيل يجثتيهما في ميدان عام بمدينة ديروط بعد ظهر الأحد الماضي وسط إعجاب من رجال الشرطة، حيث قتلا ونُحِرا قريبًا من مبني مباحث أمن الدولة، بالاضافة إلي رجال الشرطة من دوريات ومكافحة شغب الذين يعج بهم الميدان المكدس بالمارة والمحلات...
قُتلا علي خلفية أن شقيقة أسامة محمد سلمان المدعوة مها والرشيدة البالغة من العمر 22 عاما قد أقامت علاقة غير مشروعة منذ عِدة شهور مع الشاب المواطن المصري القبطي ملاك نجل القتيل والمذبوح المٌسِن... أي جريمة ملاك هي جريمة جنائية يُحاكم عليها أمام المحاكم الطبيعية وليست الإسلامية، وماذا لو كان إسمه أحمد أو مصطفى.. الدفاع عن الشرف لا يتم بعد مرور عدة شهور.. والدفاع عن الشرف يتم من الفاعل لا من والده وأعمامه وأسرته كلها،.. مع ملاحظة أن المجني عليها لم تخبر أحدًا... لولا أن تم تسجيل ممارسة العلاقة الآثمة بالصوت والصورة وأذيعت على الإنترنت كما يدعي المتهمان، وهنا شك كل الشك في ذلك..؟؟
هذه هي أسباب الجريمة الغير بشعة.. والغير همجية.. والغير بربرية.. والحضارية بالقتل والتمثيل بالأجساد بالشوارع والميادين، لم يتحرك مسؤول مصري واحد إلا على مستوى مديرية أمن ومحافظة أسيوط، ولم تقم الدنيا مثلما حدث بالحدث الأول، لأن الدنيا أصلاً بمصر المحروسة لم تهتم ولم تعلم بقتل وذبح مسحيين لكي تهتز وتتمخطر وتقوم، لم تنتظم المظاهرات، لم تتسابق الوفود والنقابات المهنية وغير المهنية ولا الوزارات... ولا درى وعلم الشارع المصري برجاله ونسوانه وحتى عياله.. لأن المذبوحان قبطيان دمهما يبدو حلالاً بلالاً للقتل.... لا جريمة مدبرة بليل، مع توافر أركان سبق الإصرار والترصد وبشهود مدنية وشرطية...
في إطار الحدث الأول سافر السيد السند نقيب محامي مصر من أقباط ومسلمين، مع وفد كبير من المحامين لحضور محاكمة القاتل الألماني الأثيم وضمان حصوله علي أقصى عقوبة، بالإضافة إلى أن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية سيادة السفير حسام زكي قد أعلن عن تعيين فريق (ليس واحد أو إثنين) رفيع المستوى من المحامين الألمان علي نفقة الدولة المصرية للدفاع عن مصالح أسرة الفقيدة، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي ومكتب النائب العام.. ويبدو أن مصر بنيتها إفلاس خزانة الحكومة الألمانية في مبالغ تعويضية خيالية لأن دم مواطنة مصرية مسلمة يساوي ملايين الملايين من اليوريات، لكن دم أقباط مصر لا يساوي عناء توجه وزير بدرجة وزير دولة حتى لمعاينة الحدث وتقديم عزاء غير واجب..
أما في إطار الحدث الثاني... فبعد إتمام عمليتي القتل والذبح، قبض علي الجانيان والحمد لله، ولكن أمس عند تجديد النيابة العامة لحبسهما، عند هذه قامت قيامة البلد ولم تقعد حتى الآن، لا احتجاجًا علي الحادث لا سمح الله، لكن احتجاجًا على تمديد حبس المتهمين الأبرار الشُطار من قتله الكُفار، وتمثل هذا الاحتجاج في قيام مجموعات من طلاب المعاهد الأزهرية بحرق وإتلاف ممتلكات الأقباط ورشق كنيستين في ديروط وهما مطرانية للأقباط الأرثوذكس وكنيسة الملاك ديروط، والعديد من المتاجر والصيدليات يمتلكها المسيحيين في ديروط لأنهم لا يرضون عن حبس القاتلان، بل ربما يطلبان من الجهات المسؤولة بحكومة مصر مكافأتهما لأنهما قتلا مسيحيان.
دريسدن تتم محاكمة حضارية حشدت لها حكومة مصر كل إمكانياتها المادية والمعنوية للحصول علي القصاص من قاتل المسلمة.... وفي ديروط تتم جرائم قتل للأقباط تحت سمع وبصر الشرطة، مع مطالبة الشارع الديروطي بعدم سجنهما، بل الإفراج عنهما فورًا، مع المكافأة اللازمة.
دريسدن لم تحدث بها من قبل ومن بعد حادثة شبيهة.... ديروط هي مدينة في قلب الصعيد في محافظة أسيوط، وهي التي بدأت منها الشرارة الأولى لأحداث التسعينات، والتي شهدت في هذه مواجهات عنيفة بين الجماعة الإسلامية والدولة وتضمنت قتل عشرات الأقباط وتدمير وحرق ممتلكاتهم وكنائسهم، وما زالت حتى الأحد الماضي الجرائم مستمرة... عادي
وهكذا القـدر....
أعتذر عن عدم نشر الجزء الثاني من بحث ((تنقيب مصر)) لسيطرة أحدات دريسدن وديروط المستفزة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=9151&I=243