بقلم :توماس فريدمان
قال لي صديق عربي إن مشاهدته للمناقشات الأميركية حول التدخل في الصراع السوري قد ذكرته بمثل عربي شهير يقول: «اللي اتلسع من الشوربة.. ينفخ في الزبادي». وبعدما احترقت ألسنتنا في العراق وأفغانستان، ومشاهدة الاضطرابات المتنامية في أعقاب ثورات الربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما لديه كل الحق في توخي الحذر من مغبة الاحتراق ثانية في دمشق. لقد رأينا في الوقت الراهن ما يكفي من هذه التحولات العربية من الاستبداد، واستخلصنا بعض الدروس الحاسمة بشأن ما يلزم لمواصلة إحداث تغييرات إيجابية في هذه البلدان، ولكن تجاهلنا لهذه الدروس هو ما يعرضنا للخطر، ولا سيما درس العراق الذي يريد الجميع أن ينساه، ولكنه وثيق الصلة بما يحدث في سوريا الآن.
سوريا هي أشبه دولة بالعراق، حيث نشأت هي الأخرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى داخل الحدود المرسومة من قبل القوى الاستعمارية. ومثلها مثل العراق، تضم سوريا الكثير من الطوائف - السنة والعلويين والشيعة والأكراد والدروز والمسيحيين – التي لا تقبل بالعيش معا تحت قواعد متفق عليها. وعلاوة على ذلك، حكمت سوريا بطريقة العراق نفسها؛ إما من قبل قوى استعمارية أو من قبل حاكم استبدادي يحكم بقبضة من حديد. وكان العراقيون يأملون بعد التخلص من الحكم الديكتاتوري أن تتحول بلدهم نحو الديمقراطية التعددية وتعدد الطوائف التي تعيش بعضها مع بعض، وتلحق بركب مصر وتونس وليبيا. ولكننا نرى الآن الفرق الكبير بين دول أوروبا الشرقية عام 1989 والعالم العربي عام 2013. ففي معظم بلدان أوروبا الشرقية، تم التخلص من الحكومات الشيوعية الاستبدادية التي قمعت الديمقراطية، وتحركت تلك الدول سريعا وجاءت بحكومات منتخبة بطريقة حرة ونزيهة.
وعلى النقيض تماما، كانت الحكومات الاستبدادية في العالم العربي تقمع التطلعات الطائفية والقبلية والإسلامية والديمقراطية، وعندما تم التخلص من هذه الحكومات الاستبدادية، ظهرت المشاكل الطائفية والقبلية والإسلامية والديمقراطية، وكان التيار الإسلامي هو الأكثر نشاطا وتنظيما - ليس بمساعدة أو وحي من الاتحاد الأوروبي، وإنما عن طريق المساجد والجمعيات الخيرية في بعض الدول العربية - واتضح أن التيارات الديمقراطية هي الأقل تنظيما والأقل تمويلا، والأكثر ضعفا. باختصار، تحولت معظم دول أوروبا الشرقية إلى بلدان على شاكلة بولندا بعد التخلص من الحكم الشيوعي الاستبدادي، في حين تحولت معظم الدول العربية إلى دول مثل «يوغوسلافيا» بعد انتهاء الشيوعية.
وكما قلت، كان أملنا وأمل الديمقراطيين العرب الشجعان الذين بدأوا تلك الثورات، هو انتقال تلك البلاد من حكم «صدام» إلى حكم «جيفرسون» دون أن يعلقوا في حكم «الخميني» أو «هوبز» – أن تنتقل من الاستبداد إلى الديمقراطية دون أن تعلق في الحكم الإسلامي المتشدد أو الفوضوية.
وللقيام بذلك، تحتاج تلك الدول إلى «وسيط» من الخارج يعمل حكما بين جميع الطوائف التي لا يثق بعضها ببعض، في إطار محاولاتها لاستبدال الطائفية والتشدد الإسلامي والطائفي بروح الديمقراطية والمواطنة، على غرار ما قام به نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، بمعنى أن هذه الدول بحاجة إلى شخصية من داخل المجتمع قادرة على القيادة والإلهام وتوجيه البلاد نحو تحول ديمقراطي يشمل جميع الطوائف.
إن أميركا، مثلما نعلم جميعا، قد لعبت دور الحكم الخارجي في العراق - ولكن بحماقة هائلة في البداية. ولكن، في نهاية المطاف، وجدت الولايات المتحدة والعراقيون المعتدلون وسيلة للعودة من حافة الهوية، ألا وهي استخدام القوة ضد كل من المتطرفين السنة والشيعة وصياغة دستور وإجراء عدة انتخابات حرة، أملا في إنتاج مانديلا العراقي. وللأسف، جاء نوري المالكي، الشيعي، الذي بدلا من أن يبني الثقة مع الطوائف الأخرى، استمر في غرس بذور الانقسام الطائفي. من الصعوبة بمكان إنهاء عقود من سياسة اللعبة ذات المحصلة الصفرية – «أنا ضعيف، فكيف يمكنني التسوية؟ أنا قوي، فلماذا يتعين علي قبول التسوية؟». أرى أننا إذا كنا نرغب في إنهاء الحرب الأهلية السورية وتوجيه سوريا نحو مسار الديمقراطية، فنحن بحاجة إلى قوة دولية تحتل الدولة بالكامل وتؤمن الحدود وتنزع السلاح عن كل الميليشيات ووسيط خارجي للانتقال إلى الديمقراطية. ستكون عملية مكلفة جدا وستستغرق وقتا طويلا، ولن تكون نتيجتها مضمونة. ولكن من دون وجود قائد سوري وطني يلعب دور المعالج لا المفرق، بين الطوائف، أرى أنه سيبوء أي إجراء، بخلاف محاولة أي قوة خارجية إعادة بناء سوريا من العدم، بالفشل. ونظرا لعدم تطوع أي دولة للقيام بهذا الدور (وأنا بالطبع لا أرشح الولايات المتحدة)، أخمن أن المعركة ستظل دائرة في سوريا حتى تستنفد جميع الأطراف قواها. في الوقت نفسه، أينما استطعنا إيجاد ثوار «مخلصين» حقيقيين، فعلينا أن ندعمهم، غير أن علينا أيضا أن نضاعف جهودنا الدبلوماسية من أجل تعزيز قيادة معارضة أكثر مصداقية، تتألف من سوريين أصحاب عقلية مؤيدة للتسوية، يمكنهم طمأنة كل الطوائف في سوريا إلى أنها ستكون على قدم المساواة في حكومة جديدة. (لا يجب الاستهانة مطلقا بذلك العدد الكبير من السوريين الذي يتمسك بالحاكم المستبد بشار الأسد بدافع الخوف من ظهور هوبز أو الخميني بعده). وبتلك الصورة، حينما تنفد قوى المقاتلين ويدركون أنه لا يمكن أن يكون هناك غالب ومغلوب - بوضع لبنان التي استمرت رحى الحرب الأهلية دائرة بها على مدى 14 عاما في الحسبان، سيكون من اللازم وضع خطة عادلة لتقاسم السلطة. وحتى في ذلك الحين، سوف يحتاج السوريون إلى دعم خارجي لطمأنة الجميع إبان المرحلة الانتقالية، غير أن بمقدورنا أن نجتاز ذلك الجسر لدى وصولنا إليه.
ويبقى البديل الوحيد الذي لن يحدث: وهو هزيمة طرف واحد في النزاع ودخول الطرف الآخر بسلام. وهذا درب من الخيال.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=94664&I=1531