بقلم : باسم الخندقجي
توطئة .....
لقد قررت في نفسي أن أبدء بكتابة مقالتي هذه بعد خروجي من العزل أي الغرفة المظلمة و هي عبارة عن قبر مظلم لا يوجد به أي شيء يوحي للحياة ...
حيث لا شمس لا قمر لا نجوم إنما يوجد فيها الموت البطيء لنا أصحاب الحق " الأموات الأحياء " لذلك قررت الكشف عن هذه الإنسانية المزيفة الذي يمتلكها ذلك الإنسان الظالم الأناني و الكشف عن ساديته أمام العالم الذي يدعي الإنسانية ....
هذه الإنسانية التي تبكي على أسر الجندي الإسرائيلي : جلعاد شاليط " ناسية أنه يوجد في سجون الاحتلال 13 .500 أسير فلسطيني و عربي في سجونه ...
الأسير باسم الخندقجي " أبو جيفارا "
حوار مع الحياة ....
هي غربة ... لا ؟!
ربما تكون كلمة أخرى ... و لكنها حتما لن تلبي حاجات هذا الواقع المؤلم ...
أي كلمة تصلح عنوانا صارخا لقصتي هذه ؟ أي كلمة ؟ !
سأجد الغربة ... فأنا سمعت عنها عندما كنت صغيرا ... هناك حيث الأشجار و أمي ...
سمعت عن أناس يموتون كل يوم ألف مرة في واقع يطلق عليه : غربة ...
غريب هو هذا الإنسان ... غريب لدرجة خلقة لوقائع معاناته بكل احتراق و ألم ...
و لكن ... لماذا أنا غريب و لماذا هي غربة ؟ !
فإذا كان هذا العالم واحد ... و إذا كانت هذه الأرض لنا جميعا ... لماذا إذن أنا غريب ؟
العيب لن يكون أبدا في ما يسمى حياة ... العيب في إنسان ... في عاطفة تافهة لا جدوى منها كما قال " سارتر " ذات وجودية ...
إن الغربة لا تولد إلا في قلب الإنسان ... لا تولد إلا في عقله ... و لن تولد أبدا في هذه الحياة ... فالحياة كريمة و جميلة و عذبة لدرجة أنه أسيء فهمها من شدة طيبتها و سذاجتها ... لدرجة أن الإنسان و لدها و طفلها استغل هذه الطيبة و جعلها غطاءا يمارس من خلاله هوايات قتل إنسانية ...
هنالك حياة ... و هنالك إنسانية إذن ...
و لكن لربما إختارات الحياة مصير الصمت ... و استطاعت في وقت من الأوقات إخفاء الإنسانية لبعض الوقت إيمانا منها بزمن أبيض قادم و لا يحمل في طياته أي ظلام ...
أين أخفتها ؟ أين ذهبت بها ؟ أيعقل أن تكون الإنسانية منجاة خلف الجبال...
أو في جوف شجرة عتيقة ؟!
أيتها الحياة ...
هل أنت غريبة عني ... أم أنا مجرد عابر سبيل فيك ؟ ...
في غربتي هذه ... بدأت أشك في قدرتك على تحمل الإنسان ... بدأت أعتقد أنك متواطئة بشراسة في مساعدتنا على قتل ذاتنا الإنسانية ... و لهذا سأحقد عليك ببعض الشك ...
لا ... لن أحقد عليك ... سأكرهك فقط ... إذ أنه في بعض الأحيان تصبح المحافظة على ما تبقى من معان جميلة فضيلة أو غاية ... و أنا لن أحقد عليك لأن الحقد يجرد الإنسان من إنسانيته ... و أنا لا أود السقوط في هاوية الضياع ...
إذن ...
لو قررت في لحظة صراحتي هذه الخوض معك في حوار جريء نوعا ما ... فهل تصبرين ؟
إني أراك خائفة ... متخبطة ... وجهك مضرج بالخجل ... لماذا يا حياتي ؟!
حياتي ؟ ! أيعقل هذا ؟ !
أنت حياتي التي أحبها ؟ ! هل أنت تلك الحياة التي أموت من أجل أن تحياهي ؟
أجيبيني أرجوك ... قولي أي شيء يشي بدحض اتهاماتي أو هرطقاتي ...
هيا ... ألا نتحاور قليلا ... أرجوك ...
هو ذا الطقس صاحب رهبة عجيبة ... و هو ذا اللون قرمزي مخيف ...
و شجرة سوداء على ناحية طريق جرداء لا أوراق عليها لتثبت أنها ما تزال على قيد النقاء ... و لا طير يطير ولا سماء ... بعض الهواء فقط يترجم غضبة من خلال صوته الذي يعزف سيمفونية خاصة به لا يود الإفصاح عن ماهيتها
_ ربما تكون سيمفونية المواجهة ...
رائع هذا الهواء ... رائع ... فالغموض يعجبني و هواء حوارنا يتمتع بكمية كبيرة منه ...
قولي الآن ... ألا تقولي ؟
على الأقل ... أبدي و جهة نظرك في هذه اللوحة التي رسمتها للتو ...
ألا يعجبك اللون ؟ و هل من شيء يعجبك ؟ !
حسنا ... سأضيف طائر إلى فضاء اللوحة ... و لكن السماء لا أقدر على إضافتها فمن العار أن نلطخ السماء أيضا بألوان نزواتنا ... أليس كذلك ؟
ما رأيك بالغراب ؟
منطقي جدا و لا يتناقض أبدا مع طبيعة و فطرة الإنسان الأولى ... و لكن بما أنني لا أهوى استيعاب الأشياء على طبيعتها ... فإنني سأرسم غرابا لونه أحمر هكذا أفضل ... فا الأسود ينتشر في أجواء اللوحة كغربتي هذه ... و الأحمر سيضنفي على حوارنا خيبة أجمل تقينا أنا و أنت من رونق كئيب لا يعني بوعود عتيقة و بالية ...
حسنا ... الآن كيف ترين أجواء الطقس ؟ أليس رائعا ... أجيبي ؟
فأنا أعشق الرقص على أنغام لوحتي ... أرقص بجنون و جنون و جنون ... ولا أحد يراقصني سوى ... لا لست أنت _ لا أحد يراقصني سوى اللا أحد ...
اللاشيء ... العدم و أعشق طقسي لدرجة التواطؤ !!
الآن ...
الأسير باسم الخندقجي
عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني
سجن جلبوع المركزي
الحكم مدى الحياة
نقلاً عن :الحوار المتمدن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=9564&I=252