منير بشاي
بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
يبدو أن عدوى الحب قد أصابتنى. فوجدت نفسي رغمًا عنى أخرج هذه المرة عن عالم السياسة والساسة إلى عالم آخر مريح هادئ مأمون ومطمئن لا تذكر فيه العيوب والنقائص التي تغطي كل بنى البشر لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا.
ولكن لا أعرف كلمة قد أسيء فهمها قدر كلمة الحب. والسبب قد يكون في قصور لغتنا العربية عن التعبير فيما تحمله هذه الكلمة من معاني كما أعلنها الله في كتابه المقدس، وقد دفعني لدراسة هذه الكلمة ما حدث أمامي في أحد الإجتماعات الدينية.
كان الموضوع عن المحبة، وتكلم رجل الله وأفاض، ذكر أن الإنسان المؤمن عندما يسمو روحيًا وتصبح له علاقة حب بالله... تنمو هذه العلاقة وتتحول إلى علاقة محبة رومانسية مع الله، وتمضي الساعات والإنسان يناجي ربه دون أن يحس بالوقت. ثم تطّرق الحديث بعد ذلك إلى أن الإنسان المؤمن يجب أن تكون له نفس علاقة المحبة هذه مع الآخرين.
كانت الرسالة حلوة ممتعة، وأعتقد أن معظم السامعين أخذوا هذا الكلام على أنه مستوى عال من الروحانية نتلذذ بسماعه ونحاول تطبيقه إذا إستطعنا. ولكن يبدو أن إحدى الشابات أخذت الموضوع بأكثر جدية، وفي نهاية الحديث وقفت لتسأل الواعظ قالت إنها تفهم ما هو مطلوب منها بخصوص محبة الآخرين، ولكنها تجد صعوبة في أن تحب أخاها فهو يضربها ويشتمها ويسيء إليها. فكيف تجد في نفسها المقدرة على أن تحبه؟ بعدها بكت وكانت مستمرة في البكاء حتى بعد نهاية الإجتماع.
دفعني هذا إلى التفكير أنه ربما تكون المشكلة أننا كخدام أحيانا –عن غير قصد منا– نرسم للناس صورة للقيم المسيحية بطريقة قد تكون أكثر مثالية، وأصعب في إمكانية التطبيق عن ما قصده الوحي الإلهي منا.
هل قصد الله أن أحب الناس الأشرار والمجرمين بنفس المحبة الرومانسية التي بها أحب الله؟ أو حتى بنفس الحب الذي أظهره لشخص حبيب على قلبي؟ وهل أستطيع أن أظهر مشاعر المحبة هذه تجاه إنسان قاتل مثل بن لادن؟
أنواع متعددة من الحب
أعتقد أن جانبًا كبيرًا من الحيرة ناتج عن عدم الإلمام بالأبعاد المختلفة لكلمة "محبة" كما جاءت في الكتاب المقدس وبالتالي وسائل التعبير المتعددة التي تناسب كل معنى.
هناك أربعة كلمات في اللغة اليونانية للكلمة المترجمة في العربية "حب أو محبة":
1- إيروز Eros (الحب الجنسي)
وهو الحب بين الفتى والفتاة وبين الزوج والزوجة، وهو ما نقرأه في الروايات ونشاهده في الأفلام.
2- سترجو Stergo (الحب الأبوي)
وهو حب الأب والأم لأولادهم والعكس.
3- فيلو Philo (الحب الأخوي)
وهو الحب العام لأي شخص يستحق الحب.
4- أجابى Agape (الحب الإلهي)
وهو الحب لمن لا يستحقون الحب.
أساليب متعددة للتعبير عن الحب
الثلاثة الأنواع الأولى من الحب سهلة التطبيق وتتم تلقائيًا دون مجهود.
● الفتى والفتاة في فترة الحب والخطوبة يحبون بعضهم ولا يرغبون في مفارقة الواحد للآخر. ويقضون الساعات في الكلام دون إحساس بالوقت.
● والأم والأب يحبون أبنائهم ويعتبرونهم فلذة أكبادهم. فإذا حزنوا يحزنوا لحزنهم وإذا فرحوا يفرحوا لفرحهم. وإذا مرضوا يقضون بجانب فراشهم الأيام والليالي.
● والإنسان عادة يحب من يستحق الحب. يحب من له الخلق الحميد والشكل الجميل والطباع الدمثة. من نجد راحة في الكلام معهم ونثق في معاملتهم ونتلذذ من معاشرتهم.
● ولكن الصعوبة في النوع الأخير: كيف أستطيع أن أحب من لا يستحقون الحب؟ كيف أحب الأشرار والمجرمين؟ كيف أحب من يكرهني ويسعى لإيذائي؟ كيف أحب شخصًا مثل بن لادن؟
الحب بين العاطفة والسلوك
لاحظ أنه في الثلاثة أنواع الأولى من الحب فإن عاطفة الحب تأتي تلقائية كشيء غريزي. والحب في هذه الحالات يظهر من جميع الناس وهو ليس مقياسًا للتقوى أو المستوى الروحي المرتفع.
أما النوع الأخير من المحبة Agape فمثاله محبة الله للبشر الخطاة. والأساس في هذا الحب ليس العاطفة ولكن السلوك. فكيف يستطيع الإنسان أن يبادل شرير مشاعر الحب والود؟ طبعًا لا يستطيع بل وليس مطلوبًا منا أن نحبهم عاطفيًا.
بل أن الله نفسه الذي هو مثال هذا الحب لم يجد في الأشرار ما يستحق أن يبادلهم مشاعر الحب. يقول كاتب المزمور "لأنك أنت لست إلهًا يسر بالشر. لا يساكنك الشرير... أبغضت كل فاعلي الإثم. تهلك المتكبرين بالكذب رجل الدماء والغش يكرهه الرب" مزمور 5 : 4 – 6
ولكن عندما تُذكر المحبة الإلهية Agape فإنها دائمًا ترتبط بعمل إرادي وسلوكي (وليس عاطفي) يعبر عن الحب "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد........" يوحنا 3 : 16 "هذه هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل إبنه كفارة لخطايانا" 1 يوحنا 4 : 10
هذه المحبة الإلهية قد ظهرت عندما أرسل الله إبنه ليموت نيابة عنا ويفدينا من خطايانا ويعطينا حياة أبدية. لقد ظهرت بأعمال المحبة وليست بالعاطفة.
وأيضا عندما نظهر هذه المحبة نحو الآخرين لا بد أن نظهرها أيضًا بالعمل والسلوك "المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح... وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء.. المحبة لا تسقط أبدًا" 1 كورنثوس 13 : 4 -8
فإذا وجدت بن لادن يقع بين يدك في يوم من الأيام... فلا تنزعج إذا وجدت نفسك غير قادر على أن تبادله مشاعر الحب. كل ما يمكنك أن تعمله معه كمسيحي محب أن تقدم له الطعام وتضمد جراحاته وتكسو عريه... وبعد ذلك أن تقدمه للسلطات حتى تأخذ العدالة مجراها معه بالنسبة للجرائم التي ارتكبها. إن إلتماس العدالة والمحبة لا يناقض الواحد الآخر.
وأما بالنسبة للفتاة التي اعتاد أخوها أن يضربها ويشتمها ويسيء إليها فمن الطبيعى أن لا تقدر أن تبادله مشاعر الود. ولكن كفتاة مسيحية عليها أن تطلب نعمة من الله حتى لا ترد الإساءة بالإساءة. ولكن هذا لا ينفي أن تحاول وقف اعتداءاته بكل الوسائل المتاحة بما في ذالك الدفاع المشروع عن النفس، أو محاولة توسيط الأقارباء، أو حتى اتخاذ الإجراءات القانونية ضده إذا لزم الأمر.
فبينما نسعى لإظهار محبتنا للآخرين لا ينبغي أن يصل بنا الأمر إلى الإعتقاد أن محبة الآخرين تتطلب منا أن نكره أنفسنا بأن نصبح فريسة لأعمالهم الشريرة. فلا أعتقد أن الله يريدنا أن نكون ضحية لكل شرير آثم
mounir.bishay@sbcglobal.net
http://www.copts-united.com/article.php?A=9631&I=254