محمود الزهيري
بقلم: محمود الزهيري
لغة ورثتها مجتمعات التخلف والرجعية والوصايات الدينية الملعونة , لغة حفظنا رسومات حروفها , وتشكيلات كلماتها , وأبنية مفردات جملها , وهندسنا موضوعها بجدارة .
لغة تذهب كلماتها وتتشكل جملها وموضوعاتها لتلتهم عقلك , وتدمره , وتجعلك إمعة منقاداً لمن يتقن فن هذه اللغة , ويمتلك ناصية مفرداتها .
لغة تصب حصيلتها من الحروف والمفردات اللغوية بمعانيها اللامتناهية لتجعلك في النهاية مجرماً , أوخائناً , أو عميلاً , بتفعيل إيديولوجية الولاء والبراء السياسي أو الديني .
إذا كنت تنتمي إلي فصيل من الفصائل السياسية التي لامتلك إلا لغة الحكي والكلام المقفي والموزون , والغارق في بحر المصطلحات التاريخانية , وهي هي نفس اللغة بنفس المفردات والمعاني , ولكن الأشخاص تتزيا بزي الدين , وتتقمش بقماشاته , وعماماته وعباءاته , لترميك بتهم الكفروالفسق والعصيان , والخروج عن طاعة الله وطاعة رسله , وهذا يحدث إذا لم تخلع عقلك , وتضعه تحت حذاء صاحب العمامة , أو كندورة المتزيي بالعباءة , وكلاهما سواء !!
وصايات سياسية مجرمة , ووصايات دينية مدنسة , والجميع يلهث وراء المصلحة , إلا من تخلق بخلق الإنسان , وراعي همومه , وتطلع لحل أزماته , وسارع في التكاتف والتشارك من أجل الإنسان المجرد فقط .
لقد سقطت الأحزاب السياسية بإرادة واعية للسقوط , وسقطت التيارات السياسية بفهم متبصر لحقائق الأمور .
وكانت المصلحة في السقوط من وراء القصد , بقالة أن الله يهدي سواء السبيل !!
لم تنتابني مشاعر الغرابة , ولاهواجس التنكر للأفعال , ولا البحث في هوامش تاريخ المصلحة لرجال كانت القومية لهم رداء يواري سوءاتهم , والوطنية جلابيب تتستر بها فضائحهم , والإسلامية قماشة واسعة فضفاضة تحتمل تبريرات جرائمهم , ولعل بيت القصيد يكمن في عروبة فلسطين وإسلاميتها , فكانت القضية الفلسطينية هي قضيتهم المركزية الأولي , وماعداها من قضايا فمصيرها إلي صناديق القمامة , ومنها القضايا المصيرية المتلعقة بأوطان هؤلاء , فلا هم إنتصروا للقضية الفلسطينية , ولاهم إنتفضوا من أجل مصالح أوطانهم التي يحملوا جنسيتها , فكانت العروبة رداء من ليس له رداء , وكانت القومية لباس من لالباس له .
وكانت قضية فلسطين , وماوصلت إليه , قضية من لاقضية له , إلا الزاعق الناعق , وأحياناً الناهق فقط !!
مصر المأزومة طيلة سنوات مريرة سوداء عجاف من الحكم الإستبدادي , لم يكن لمن هم خارج إطار منظومة الإستبداد والطغيان , أن يكون لهم رأي موحد حول القضايا المصرية , وإذا كان النظام المصري الحاكم بإستبداده وطغيانه وفساده حاله موصوف ومكتوب علي جدران الوطن مصر , وكذلك مكتوب علي وجوه المصريين وجبينهم المكلل بالفقر والمرض , إلا أن المعارضة السياسية ممثلة في الأحزاب السياسية , والإخوان المسلمين , وحتي الأقباط , قد قدموا جميعاً فرائض الولاء والطاعة للنظام الحاكم , وكانوا ومازالوا دعائم قوية لإستمرار منظومة الإستبداد والطغيان والفساد .
حتي الحركات الإحتجاجية وكان علي الرأس منها الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية , , قد أفسدها رواد التيار القومي العروبي , ورواد التيار الإسلامي , وأدخلوها عنوة غرفة العناية المركزة لتستقر تحت سلطان التنفس الصناعي والموت السريري .
وكان نتاجاً لذلك أن أصبحت كفاية أحد روافد أي حركة من الحركات الشعبية , والتي كانت تضم معظم الروافد , فبعد أن تم البحث عن بديل قومي عروبي , أو إسلامي أممي كبديل لجورج إسحاق , وبدأت كفاية تدخل هذا المنعطف , وهذا لاينفي عن جورج إسحاق تمسكه رغباً أو رهباً بتلابيب التيار القوماني العروبي , ومداراة البعض من أرباب التيار الديني الإسلامي , علي وزن رهباً ورغباً .
أصبح الهم الوحيد للتيار القوماني العروبي , أو التيار الإسلامي الأممي , هو إظهار الوجه الرافض لأمريكا , والتحدث بنبرة الكراهية ولغة العداء , وهذا لم يؤثر في أمريكا من ناحية السياسات الإجرامية التي يتم إرتكابها في حق العديد من الشعوب ومنها الشعوب العربية .
إلا أنني أري أن هذا الكم الهائل من الغضب والكراهية ولغة العداء , لو تم تنظيمها وتوظيفها ضد النظام المصري , لتغير الوضع .
ولكن العداء الظاهر لأمريكا , ليس إلا من أجل كسب لغة الشارع الذي أصبح مهموماً برغيف خبز وكوب ماء , وهما يساويان عنده معني الحياة , ويترجم غيابهما لديه لغة الموت , وهذا أصبح أهم من أمريكا , وأهم من إسرائيل , وهذا ماعجزت عنه كافة القوي السياسية الواهنة في الضغط علي نظام الإستبداد والطغيان في توفيره للمواطن المصري وهذا أضعف النضالات وأبسطها .
والأغرب أن بزغت حملة تحمل عنوان الحملة المصرية ضد التوريث , ومن أعضاء هذه الحملة الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية , وحزب الكرامة تحت التأسيس , والإشتراكيين الثوريين , وحزب الغد , وآخرين , وماكان من عبد الحليم قنديل إلا أن إختزل رأي الحركة المصرية من أجل التغيير في رأيه الوحيد الأوحد ,وتمثل حالة ذهنية غارقة في التصور والخيالات , وتحدث بلغة الكل من غير أن يرجع إلي أحد في اللجنة التنسيقية لكفاية والتي وصل عدد المجتمعين بها مايقرب من سبعة أفراد فقط أو يزيد أو ينقص بعد أن كانت كفاية ملء السمع والبصر, قائلاً:ً أننا فى حركة كفاية نرفض الاشتراك فى أى جبهات لها علاقات بالولايات المتحدة الأمريكية».
وعلي إثر ذلك أعلن عبد الحليم قنديل , تجميد نشاط كفاية , والكرامة والإشتراكيين في الحملة ضد التوريث !!
ولا أدري أين سيذهب , هل سيذهب إلي حملة المصريين مع التوريث ؟!!
وكان ذلك علي إثر تلقي أيمن نور دعوة من بعض الجهات الأمريكية , وبدأ الإنشقاق داخل الحملة المصرية ضد التورث .
والراجح في الأمر أننا تحولنا إلي أعوان للنظام الحاكم , بعد أن أصبحت القوي السياسية تمثل نموذج مكرر بفظاعة في ممارسة الإستبداد والطغيان والفساد فيما بينها , وأؤكد أن بعض المصريين أو العديد منهم لم يرتضوا حتي الأن أن ينزلوا من سفينة العبيد للإستبداد والطغيان حتي الآن .
والذي أود التنويه عنه , هو , لماذا يبيح التيار القوماني العروبي , أو الإسلامي الأممي , الإتصال بالخارج , وتلقي أموال وتبرعات وهبات وعطايا من دول مثل ليبيا , وسوريا , واليمن , والعراق , ويرفض علي التيارات الأخري ذلك .
هل قبول ذلك من الأنظمة العربية الإستبدادية مقبول ومباح لهم , وإذا تم الإشتباه في أحد مثل أيمن نور يصبح مرفوض أو مكروه لدرجة تصل لحد التحريم , مع أن ذلك يتم تحت نظر وسمع دولة الإستبداد والطغيان , مثلما حدث مع سعد الدين إبراهيم ؟!!
والغريب في الأمر أن الجميع رفضوا ونددوا بشدة قرار البرلمان الأوروبي الذي أدان ممارسات النظام المصري , بشأن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان , والأقليات , ومنهم كفاية والإشتراكيين الثوريين , والغد , وحتي الإخوان المسلمين , والأقباط , بالرغم من أن قرار البرلمان الأوروبي , هو من أنقذ االمخطوفين من حركة كفاية والذين تم الإلقاء بهم في الصحراء شتاء 18 يناير 2007 , في ذكري إنتفاضة الخبز , وكنت أحدهم , وكان رأس الحركة الدكتور المسيري من ضمن المخطوفين !!
وهم أيضاً من رفضوا تقرير ديتليف ميلتس , في التحقيق مع النظام السوري بشأن إغتيال الحريري , وتضامنوا مع نظام بشار الأسد , وهو الذي يمثل رمزاً من رموز التوريث , والإستبداد والطغيان , ومع ذلك يقولوا نحن ضد التوريث وضد توريث مبارك الإبن !!
وهم من وقفوا ضد المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير , وهو المغتصب للحكم والسلطة في السودان بإنقلاب عسكري , وهو رمز من رموز الطغيان والإستبداد , ومع ذلك يدعوا أنهم ضد طغيان واستبداد النظام المصري !!
وهم من كانوا ضد التظاهرات الإيرانية التي حدثت عقب إعلان نتائج الإنتخابات الإيرانية المزورة , وتم التضامن مع النظام الإيراني ضد الشعب الذي إتهمه النظام الإيراني أنه في يد أمريكا والغرب وإسرائيل .
أرجوكم أيها القوميين العروبيين , والإسلاميين الأممين , إرحلوا من عقولنا , وابحثوا عن سبوبة أخري غير القومية والعروبة , فكلنا آمال في الوحدة , ولكن بلاطموح وإن وجد فأنتم من تقتلوه , لأنكم أنتم من قتلتم الأمل وعطلتم الطموح , فأنتم قرناء الأستبداد , ومساندين للطغيان !!
لوكنا رجالاً نعي ماهي مصلحة المواطن , والوطن , ماأصبحنا من الأنذال , حتي تمحكنا بالقومية , والعروبة والإسلام , ولذلك أصبحت القومية والإسلامية هي الملاذ الأخير والوحيد للأنذال !!
ماهو حال التوريث والإستبداد ؟!!
سلام علي الديمقراطية والحريات !!
وملعون هو , إستبداد السلطة وطغيانها , وملعون هو إستبداد وطغيان أدعياء معارضة السلطة , فهما في مصر وجهين لعملة واحدة .
من المخجل أن السلطة والمعارضة يقومان بدور المحلل والمحلل له , والمواطنين هم علي الدوام المفعول بهم !!
فمن يعمل لصالح من ؟!!
محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=9797&I=258