تجديد الفكر الديني وإشكالياته الراهنة

بقلم‏:‏ القس‏-‏د‏.‏ مكرم نجيب

نحن بحاجة الي تجديد فكرنا الديني الإسلامي والمسيحي معا‏,‏ وعندما نتحدث عن موضوع مهم مثل تجديد الفكر الديني وإشكالياته الراهنة‏,‏ تقفز الي الذهن مباشرة عدة إشكاليات نذكر بعضها بإيجاز‏,‏ وربما نستكملها فيما بعد‏.

إشكالية المتغيرات اللاهثة حولنا‏:‏ يعيش العالم كله ـ وبلادنا ومنطقتنا جزء من هذا العالم ـ فترة من أصعب الفترات‏.‏
ظهرت مصطلحات جديدة مثل ما بعد الحداثة العولمة أو الكوكبة‏,‏ والسؤال المطروح ماهو تأثير هذه المتغيرات من عولمة وغيرها علي الفكر الديني؟ وماهي الاستجابة الصحية والصحيحة للفكر الديني في مواجهة هذه المتغيرات؟ هل العجز والجمود؟ أم التجديد المستمر‏.‏ خاصة أن الإنسان المعاصر في مواجهة هذه المتغيرات التي تلاحقه في كل لحظة‏,‏ وفي صراعه مع حالة عدم اليقين ومايصاحبها وينتج عنها من قلق وحيرة‏,‏ قد اتجه الي الدين بنفس قوة اندفاع سبل المتغيرات‏,‏ ولهذا لم يستطع أن يتوقف ويفكر ويختار من الأفكار الدينية المعروضة أمامه‏,‏ ولم يستطع أن يتبين الغث من السمين من هذه الأفكار الدينية المطروحة من كل اتجاه في وسائل الإعلام وفي الفضائيات‏..‏ إلخ‏..‏

إشكالية المؤسسات الدينية‏:‏
تجديد الفكر الديني تحتم بالأولي تجديد فكر القائمين والعاملين في هذا المجال‏,‏ رجال الدين‏,‏ أو بعبارة أوسع المؤسسة الدينية‏.‏ وهنا دعوة الي تحديث عقلية رجل الدين وتنميته باستمرار‏.‏ وهذا يقتضي الاهتمام بنوعية رجل الدين الذي نريده من البداية‏,‏ من أول شروط القبول‏,‏ الي مناهج التعليم التي يتلقاها أثناء الدراسة‏,‏ وبالدراسات التجديدية التي يجب أن يتعرض لها دائما‏.‏ ومن الجانب الآخر‏,‏ لابد من تحديث وإصلاح المؤسسات الدينية‏,‏ والنظم والأساليب التقليدية التي تعمل بها‏.‏

إشكالية المناخ العام السائد في المجتمع‏:‏ يستطيع أي متابع لطريقة التفكير السائدة في المجتمع‏,‏ أن يلمس بوضوح أن المناخ العام كثيرا مايعوق حركة التجديد‏.‏

وعندما نضيف الي ذلك بعض العيوب الأخري في تفكيرنا مثل غياب العقل الناقد‏,‏ وتقلص مساحة قبول الآخر‏,‏ والابتعاد عن الموضوعية‏,‏ والميل الي الاستكانة والسطحية‏,‏ وتفشي الخرافة بشكل خطير‏,‏ وانتشار التزمت والتطرف‏,‏ هنا تصبح الحالة غير مشجعة‏.‏

إشكالية الزمن‏:‏ ولهذه الإشكالية أكثر من مظهر في مواجهة حركة تجديد الفكر الديني‏,‏ فهي تظهر أولا في إشكالية التعامل مع التاريخ‏,‏ فنحن نعيش في ظل أقدم حضارة إنسانية‏.‏ هذا التاريخ الطويل يجب أن يوظف بمهارة في تقدم الحاضر واقتحام المستقبل‏,‏ لكن أحيانا يشكل عبئا ثقيلا في حركتنا واستجابتنا للمتغيرات حولنا‏,‏ وذلك بالتراكم الطويل للأفكار والتقاليد والموروثات دون توقف للتقويم والاختيار الواعي‏.‏ وبالتالي تظهر حالة اضطراب الزمن في حياتنا من ناحية‏,‏ ونفقد الحرص علي قيمة الوقت من ناحية أخري‏.‏

إشكالية الموقف من فكرة تجديد الفكر الديني‏:‏
فتجديد الفكر حركة حية نامية مستمرة يجب أن تحدث كل فترة من الزمن‏.‏ وهو يرتبط من ناحية بفكرة التغير التي أشرنا إليها‏,‏ وبالتالي لابد أن يتم التجديد ليلاحق المتغيرات التي حدثت في الفترة اللاحقة والراهنة‏.‏ وهو يرتبط من ناحية أخري بفكرة التقدم وبالتالي لابد أن يتم في إطار رؤية إستراتيجية مستقبلية شاملة للمجتمع‏.‏

إننا بحاجة الي فكر ديني يزود الإنسان المؤمن بقيم إيمانية أصيلة‏,‏ وبعقلية الإبداع في العلم والفكر والفن‏,‏ وبعقلية التفوق في الإنجاز والحركة‏,‏ وبعقلية التعايش البناء مع من حوله‏.‏ ولأن الدين مكون أساسي من مكونات ثقافة المجتمع‏,‏ فلكي يتحقق تجديد الفكر الديني لابد من تجدد ثقافي يسمح بذلك‏.‏ وهذا ماتم في أماكن كثيرة في العالم‏.‏
نقلا عن جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع